وصل الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والمجر وبولندا، الأسبوع الماضي، إلى طريق مسدود في النزاع القائم بين الطرفين، بعد استخدام الأخيرتين حق النقض. الأمر الذي عطّل إقرار ميزانية الاتحاد الأوروبي للسنوات السبع المقبلة، والمقدرة بـ1,8 تريليون يورو، والتي تشمل أيضاً أموال صندوق إعادة التعافي من كورونا، البالغة 750 مليار يورو. وقد وضع ذلك ألمانيا، الرئيسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، أمام مأزق جدي.
ويعود السبب في الخلاف إلى خطط الاتحاد بخفض التمويل في المستقبل إذا ما انتهكت أية دولة عضو في التكتل القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، وأهمها الديمقراطية وسيادة القانون، وقد اقترحت وارسو وبودابست إعادة التفاوض، بعد اعتبار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن الآلية الجديدة "غامضة"، وتتيح المجال للانتهاك السياسي.
وفي مقاربة لما يحصل بين الطرفين، ذكرت صحيفة هاندلسبلات الألمانية أن الاتهامات المتبادلة بين بروكسل من جهة ووارسو وبودابست من جهة أخرى أصبحت ثقيلة، في ظل الحديث عن الخيانة والابتزاز، وذلك منذ أن حجبت دول شرقي أوروبا الوسطى ميزانية الاتحاد الأوروبي، وهي التي يتطلب إقرارها إجماع الأعضاء. فيما أشارت صحيفة تاغس شبيغل الألمانية إلى أن النية الحسنة المتمثلة بالجمع بين مساعدات كورونا وآلية سيادة القانون أصبحت فخاً.
وكانت تقارير صحافية تحدثت عن نية رئيسي حكومتي المجر وبولندا تسهيل الإقرار السريع للحزمة المالية، وذلك عبر آلية تقضي بإتاحة أموال الاتحاد الأوروبي لجميع الدول الأعضاء بأسرع وقت ممكن، على أن تؤجل المناقشات بشأن ما إذا كان ينبغي إقامة صلة بين سيادة القانون والمصالح المالية للاتحاد الأوروبي لوقت لاحق.
يعود السبب في الخلاف إلى خطط الاتحاد بخفض التمويل في المستقبل إذا ما انتهكت أية دولة عضو في التكتل القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي
ولكن هذا المخطط سرعان ما اصطدم بوصف نائبة رئيس البرلمان الأوروبي كاترينا بارلي له بالوهمي، والتي دعت، وفق شبكة إيه آر دي الإخبارية، أية دولة عضو لديها شكوك حول قانونية الآليات المطبقة إلى التوجّه إلى محكمة العدل الأوروبية. وأضافت الشبكة ذاتها نقلاً عن مصادر دبلوماسية أن البرلمان الأوروبي لن يدعم أي تحرك لإعادة التفاوض بشأن آلية سيادة القانون، إلى جانب تحذيره من أن موقف المجر وبولندا سيزيد من عزلتهما.
واندلع النزاع بين الطرفين إبان أزمة اللاجئين عام 2015، ولا ترى المجر وبولندا أن المشكلة تتمحور حول المال، بل حول الهوية والسيادة الوطنية. الأمر الذي دفع رئيس الوزراء المجري أوربان إلى التصريح بأن "الاتحاد الأوروبي يمكن أن يصبح الاتحاد السوفياتي الثاني".
وكانت ألمانيا قد طرحت خلال الأشهر الماضية مبادرة لحسم الخلاف والتوصل إلى حل وسط، تقوم على فرض عقوبات مالية على الدول الأعضاء التي تنتهك القواعد الدستورية وقيم الاتحاد. ولكن الدولتين اعترضتا على ربط القضايا السياسية والدستورية بالقضايا المالية، وجددتا المطالبة بإيجاد وسائل أخرى لمكافحة الانتهاكات بعيداً عن العقوبات المالية. ولذلك تستخدمان الآن حق النقض ضد تمرير الميزانية سلاحاً أخيراً.
وخلال الفترة الماضية، طوّرت المجر أساليب احتيال للالتفاف على ضمانات النظام القانوني الأوروبي، إلى جانب اتهامات متزايدة بإثراء حاشية أوربان بفضل أموال الاتحاد الأوروبي، ولذلك تجد المجر أن تعزيز الضوابط لن يصب في مصلحتها. أما في بولندا، فيتزعم الرفض اليميني زبيغنييف زيوبرو، والذي ينادي بتدمير النظام القانوني الحالي، وقد قاد التحريض ضد الربط بين الميزانية وسيادة القانون عبر رفعه شعار: "الفيتو أو الموت".
ومع الوضع الحالي، يبدو المشهد الأوروبي ضبابياً، وينذر بدخول الاتحاد في خضم أزمة خطيرة تترافق مع الانتشار المتزايد للموجة الثانية من كوفيد19. فهل تتحرك الرئاسة الألمانية لتلعب دور الوسيط في محاولة للتوصل إلى حل جديد، كإجراء تعديلات طفيفة على الآلية أو إضافة بعض البنود، وجعل بعض الشروط أكثر تحديداً ودقة. أم يلجأ الاتحاد إلى تمرير حزمة الدعم المالي للتعافي الاقتصادي من كورونا بشكل منفصل عن الميزانية؟