تمسّك رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بعدم معرفته المسبقة بخرق القانون في قضية "حفلات داونينغ ستريت". إلا أنه اعتذر مرات ومرات (على عدد الأسئلة والإدانات الموجّهة إليه) أمام مجلس العموم في أول مواجهة له مع أعضاء البرلمان منذ أن غرّمته الشرطة الأسبوع الماضي لخرقه قوانين الإغلاق في يونيو/حزيران ٢٠٢٠.
خيّمت عبارات الإدانة على الجلسة وتنوّعت طرق التعبير عنها بين الإضاءة على معاناة أهالي ضحايا الوباء، وبين الحديث عن القانون الذي يُعتبر "فوق الجميع". اقتبس بعض النوّاب صفة "كاذب" التي أظهرها استطلاع للرأي، أجرته قبل يومين "JL Partners"، ويشير إلى أن ٧٢٪ من البريطانيين يعتقدون أن رئيس الوزراء "كاذب".
واسترسل أحد نواب "حزب العمال" بتوصيفه لجونسون مضيفاً أنه "غبي" أيضاً فقاطعه رئيس مجلس العموم، ليندسي هويل.
يُذكر أن الأخير سمح لأعضاء البرلمان بالتصويت، يوم الخميس القادم، على ما إذا كان جونسون قد ضلّل البرلمان في خرقه لإجراءات كورونا.
كان لافتاً أن يدعو النائب المحافظ مارك هاير إلى تنحّي جونسون قائلاً، إنه لم يعد يستحق المنصب الذي يتولّاه. كما كشف أنه أرسل رسالة حجب الثقة إلى رئيس لجنة عام ١٩٢٢ غراهام برادي بعد لحظات من اعتذار بوريس جونسون "غير المتحفظ" أمام مجلس العموم. ثم رفع النائب المحافظ جرعة إدانته قائلاً إنه من المحزن أن تقام حفلات الموظفين تلك قبل ساعات فقط من وداع جلالة الملكة لزوجها العزيز في طريقه إلى مثواه الأخير.
دعا النائب المحافظ مارك هاير إلى تنحّي جونسون لأنه لم يعد يستحق المنصب الذي يتولّاه
أما زعيم الحزب القومي الاسكتلندي في البرلمان البريطاني إيان بلاكفورد فذهب في إدانته إلى حد وصفه لجونسون بـ"المجرم المتسلسل"، مضيفاً: "لو كان يمتلك أي كرامة، لما اكتفى بالاعتذار، بل كان استقال".
وعلى الرغم من إشادة عدد من النواب المحافظين بسياسة زعيمهم فيما يتعلق بالأزمات الدولية كأزمة أوكرانيا، اعتبر زعيم الديمقراطيين الليبراليين إد ليفي أن أكثر ما يسيء في العمق للمملكة المتحدة هو أن يقودها رجل فقد ثقة الجمهور.
من جهتها، دعت مجموعة كوفيد-١٩ لعائلات الضحايا من أجل العدالة إلى استقالة رئيس الوزراء قائلة على لسان المتحدثة باسمها: "إن اعتذار بوريس جونسون جاء على لسان شخص يشعر بالأسف بعد أن قُبض عليه وليس على لسان شخص يشعر بالندم على ما تسبّب به من أذى".
يُذكر أن صفية نجاه، المتحدثة باسم الجمعية، فقدت والدها زهاري نجاه بسبب تداعيات إصابته بكوفيد-١٩ في فبراير/شباط العام الفائت.
وكما كان متوقعاً، انتقل بوريس جونسون في حديثه من موقف الضعيف معتذراً مرات ومرات، إلى موقف القوي متحدّثاً عن الغزو الروسي على أوكرانيا، مجدّداً حرصه على الالتزام بالتقاليد البريطانية في الردّ على همجية بوتين في أوكرانيا.
مجموعة كوفيد-١٩ لعائلات الضحايا من أجل العدالة: اعتذار بوريس جونسون جاء على لسان شخص يشعر بالأسف بعد أن قُبض عليه وليس على لسان شخص يشعر بالندم على ما تسبّب به من أذى
ويعتبر خرق بوريس جونسون لقانون الإغلاق خرقاً مزدوجاً وله الكثير من الأبعاد. فمن جهة، خرق جونسون القانون وهو في منصب رئيس الوزراء. ومن جهة أخرى، خرق القانون الذي سنّه هو بنفسه ودافع عنه وطالب الملايين بالالتزام به تحت طائلة المسؤولية من أجل إنقاذ الأرواح. إضافة إلى أن خرق القانون عن عمد هو جريمة ستقوده إلى العزل. إلا أن جونسون يصرّ على نفي قيامه عمداً بذلك الخرق، وبالتالي سيكون من الصعب إثبات نواياه.
من المتوقع أن تكون الأيام والأسابيع القادمة صعبة على بوريس جونسون، فلن تقتصر التحدّيات التي يواجهها على الأحزاب المعارضة، بل سيجد نفسه أمام ردود فعل مقلقة من نواب محافظين يحملون مصيره بين أيديهم. إضافة إلى مخاوف حول غرامات جديدة قد تصدر بحقّه لارتكابه ما هو أسوأ، كما سبق للنائب المحافظ نايجل ميلز أن حذّر.
يبدو الشعور بالخذلان واضحاً لدى عدد كبير من النواب المحافظين، إلا أنهم ينتظرون الانتخابات المحلية أو ربما ينتظرون "معجزة" جديدة أو أزمة دولية تنقذ زعيمهم ريثما يعثروا على بديل.