بوادر خلاف داخل الائتلاف الحكومي في المغرب

27 مايو 2023
أخنوش (وسط) أثناء الإعلان عن الائتلاف الحكومي، سبتمبر 2021 (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

تبرز بوادر خلاف داخل الائتلاف الحكومي في المغرب، الذي يقوده حزب "التجمع الوطني للأحرار"، على خلفية مطالبة حزب "الأصالة والمعاصرة" (ثاني حزب حكومي) رئيس الحكومة عزيز أخنوش بـ"حوار فعال" مع وزراء الحزب المنزعجين بشدة من "إهماله"، في خطوة تثير أكثر من علامة استفهام حول مدى تماسك الائتلاف الحالي.

وظهر الخلاف الذي كان مستوراً للعلن، بعد أن أبدى وزراء "الأصالة والمعاصرة"، خلال اجتماع المكتب السياسي لحزبهم الذي عُقد الأربعاء الماضي، غضباً وتذمراً كبيرين مما سموه استهتاراً من قِبل أخنوش إزاء الملفات التي يقدمونها إليه، أو الإشكالات التي يطرحونها عليه، وتتطلب منه تدخلات، بالمقارنة مع وزراء من "التجمع الوطني للأحرار"، أو ملفات قطاعات يتحمل مسؤوليتها وزراء من حزبه.

خلافات الأغلبية الحكومية

وبينما راجت خلال الأشهر الماضية أخبار عن وجود خلافات في صفوف الأغلبية الحكومية، ومشاكل بين وزرائها، كانت لافتة دعوة المكتب السياسي لـ"الأصالة والمعاصرة "، في بيان أصدره أول من أمس الخميس، رئيس الحكومة إلى تكثيف التواصل الداخلي الناجع بين القطاعات الحكومية، وكذلك الحوار الفعال مع وزراء الحزب، وأهمية التواصل الداخلي بين أعضاء الحكومة في تسريع تطبيق الورش الإصلاحية.

وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد كلف، في 10 سبتمبر/ أيلول 2020، أخنوش بتشكيل حكومة جديدة، بعدما تصدر حزبه نتائج الانتخابات البرلمانية بحصوله على 102 مقعدين من أصل 395 في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، متبوعاً بحزبي "الأصالة والمعاصرة" (86 مقعداً)، و"الاستقلال" (81 مقعداً).


شريفة لموير: آن الأوان تعديل حكومي يعطي نفساً جديداً

ونجح أخنوش في تكريس واقع سياسي بثلاثة فاعلين حزبيين (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال) وبعوائد سياسية أكبر في مقدمتها عمل الحكومة المغربية بأريحية أكبر، بفضل ما توفره لها تلك الأغلبية العددية في مجلسي البرلمان من دعم مريح لم تتمتع به الحكومات المغربية المتعاقبة منذ دستور "الربيع العربي" في عام 2011.

ولم يتوقف التحالف الثلاثي على مستوى تشكيل الحكومة، بل امتد إلى الاتفاق على التنسيق لتكوين أغلبية داخل المجالس المنتخبة، ووزعت بينها رئاسة مجالس المدن والأقاليم والجهات. ودعت الأحزاب الثلاثة، في بيان مشترك، منتخبيها إلى "ضرورة الالتزام بهذا التوجه والتقيد بالقرار الذي تبنته القيادات الحزبية، في حدود الانفتاح على باقي المكونات السياسية الأخرى".

وبموازاة ذلك، حاولت أحزاب الائتلاف الحكومي تأمين تحالفها بتوقيع "ميثاق الأغلبية"، في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2021، كـ"إطار مؤسساتي وأخلاقي وسياسي، ومرجع يحدد وينسق ويوحد أساليب العمل والتعاون بين مختلف المؤسسات الحكومية والبرلمانية، بما يتيح توطيد وتعميق الانسجام بين مكونات الأغلبية".

وعلى امتداد أكثر من سنة ونصف السنة من عمر الحكومة الحالية، كان لافتاً حرص الأغلبية على إعلان انسجامها والتزامها بمواصلة تطبيق برامجها، وهو ما بدا واضحاً خلال آخر اجتماع للأغلبية الحكومية جرى في 14 إبريل/ نيسان الماضي.

وأجمعت الأحزاب الثلاثة حينها على أن الأغلبية الحكومية متماسكة "على الرغم من إرث المشاكل الثقيل"، وأن الحكومة والأغلبية "منسجمة" و"تشكل قوة موحدة" ومتشبثة بالبرنامج الحكومي وبالتزاماتها مع المواطنين رغم الصعوبات"، و"لديها إرادة قوية لمواجهة الإشكاليات".

غير أن ذلك لم يمنع ظهور مؤشرات عدة تعكس توتراً داخل الأغلبية الحكومية، بعد أن تسربت أخبار من داخل حزبي "الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة"، تفيد بأن قائد التحالف الحكومي يهيمن على حليفيه، ويعمل على تحجيم باقي مكونات الأغلبية الحكومية، والتضييق عليها.

ولئن كانت قيادة "الأصالة والمعاصرة" قد جنحت، في الوقت الراهن، نحو إمهال نفسها بعض الوقت قبل الإعلان عن أي تصعيد، مكتفية بإصدار بيان يثير بشكل أخف شكاوى وزرائها السبعة في الحكومة الحالية، فإن أسئلة عدة تطرح حول قدرة الأغلبية الحالية على الحفاظ على تماسكها والحيلولة دون انفراط عقدها في أي لحظة، لا سيما طرفيها القويين حزبي "التجمع الوطني للأحرار" و"الأصالة والمعاصرة".


رشيد لزرق: التضارب الحاصل يمكن تفسيره بمحاولة استباق التعديل الحكومي

في السياق، اعتبر مدير "مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية"، خالد الشرقاوي السموني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بيان المكتب السياسي لـ"الأصالة والمعاصرة"، يُستنتج منه وجود خلافات داخلية بين مكونات الأغلبية الحكومية، خصوصاً بين "التجمع الوطني للأحرار" و"الأصالة والمعاصرة" حول طريقة الإدارة الحكومية.

بوادر تفكك الائتلاف الحكومي

وأوضح أن ما تضمّنه البيان يوحي ببوادر تفكك هذه الأغلبية، ما قد يطرح سيناريوهات عدة حول استمرار الائتلاف الحكومي أو عدمه ما بعد الدخول السياسي (افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل)، خصوصاً أن وزراء "الأصالة والمعاصرة" أصبحوا يشعرون بنوع من العزلة في حكومة عزيز أخنوش، مما قد يساهم في تعطيل مشاريعهم وبرامجهم الانتخابية التي التزم الحزب بها إزاء المواطنين.

من جهتها، رأت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، أن موقف "الأصالة والمعاصرة يظهر التوتر الذي تعيشه الأغلبية الحكومية، وهو توتر وإن كان خفياً فيما مضى من عمر الحكومة، فإنه اليوم أصبح يضع عمر هذا الائتلاف على المحك، في انتظار تعديل حكومي".

واعتبرت لموير، في حديثٍ لـ"العربي الجديد "، أن الموقف اليوم يعكس تخاذلاً سياسياً وعدم وضوح لدى الأغلبية، وبالتالي، هو انعكاس للارتباك الذي يسيطر داخل الحكومة. وتوقعت أن يطول التراشق بالبيانات بين أحزاب الأغلبية، موضحة أن استمرار هذا التوتر لن يؤدي سوى لضرب صورة الحكومة لدى الرأي العام الوطني، مؤكدة أنه "آن الأوان تعديل حكومي يعطي نفساً جديداً للمشهد السياسي بالمغرب".

أما رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، رشيد لزرق، فاعتبر أن "التضارب الحاصل بين الحزبين يمكن تفسيره بمحاولة استباق التعديل الحكومي، والتموضع أكثر داخل الحكومة، أكثر منه تضاربا حول برنامج أو رؤية سياسية لدى هذا الحزب أو ذاك".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذا التضارب يأتي في إطار المزايدات، خصوصاً أن حزب الأصالة والمعاصرة لا يملك إرادة سياسية من أجل الخروج من الحكومة"، لافتاً إلى أن كل طرف في الأغلبية الحكومية يحاول أن يتموضع أكثر في قطاعات استراتيجية أهم، وهذا من سلبيات الحكومات الائتلافية.

وأوضح لزرق أنه من المفترض أن يكون هناك تنسيق بين أحزاب الأغلبية والحكومة من الناحية السياسية، أما من الناحية الحكومية، فهناك مجلس حكومي يفترض أن يشكل فضاء للتواصل، مضيفاً: "رئيس الحكومة هو المسؤول الأول عن توحيد الاستراتيجية في جميع القطاعات الحكومية. ولذلك، فإن ما يقع هو تضارب سياسي، واستباق لمحطة التعديل الحكومي".