بنيامين نتنياهو يسعى لإفشال صفقة مع "حماس" رغم التغيرات

30 ديسمبر 2024
تظاهرة في تل أبيب تطالب بصفقة لإطلاق المحتجزين، 28 ديسمبر 2024 (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدعم المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية اتفاق تبادل الأسرى مع حماس لاستعادتهم، لكن الحكومة بقيادة نتنياهو تعارض ذلك لأسباب سياسية واختلاف في الأهداف.
- نتنياهو يعتبر إعادة الأسرى أولوية ثانوية، مفضلاً استمرار الحرب لتحقيق مكاسب سياسية، رغم الضغوط الجماهيرية والاحتجاجات من عائلات الأسرى.
- يعارض نتنياهو أي تقدم في المفاوضات مع حماس، مع احتمال تصعيد عسكري إضافي لمنع التوصل إلى اتفاق، مما يعكس رؤيته للحرب كجزء من مواجهة أوسع مع محور إيران.

هل ستنجح هذه المرة المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق لتبادل أسرى ومخطوفين، بعد التطورات العسكرية والسياسية في الأشهر الأخيرة؟ أم أن مصيرها سيكون شبيهاً بالجولات السابقة، ويعمل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وحكومته على إفشال التوصل لاتفاق؟ حسابات الصفقة معقّدة إسرائيلياً، منها العسكري والأمني، ومنها السياسي الداخلي، ومنها حسابات بنيامين نتنياهو الشخصية، ومنها ما يتعلق بالمشهد الدولي والعودة المرتقبة للرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.

الحسابات العسكرية

المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تدعم التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ومخطوفين منذ فترة طويلة، وترى أنه لا يمكن استعادة هؤلاء إلا باتفاق مع "حماس"، وتدعي أنها تستطيع التعامل مع كافة الجوانب الأمنية والعسكرية لأي اتفاق يتم التوصل إليه. المؤسسة العسكرية لا ترى في بقاء الجيش الإسرائيلي في محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على الحدود بين قطاع غزة ومصر أو البقاء في محور نتساريم الذي يفصل بين شمال القطاع وجنوبه، شرطين ضروريين في أي اتفاق مع حركة حماس. الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات تعي أن استعادة الأسرى والمخطوفين، في المعطيات الحالية، لن تكون إلا عبر اتفاق. بالنسبة للمؤسسة الأمنية والعسكرية، استعادة الأسرى والمخطوفين هي جزء من محو نتائج الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الماضي، وللتكفير عن حصتها فيه. وتعي أن عدم إغلاق هذا الملف يعني تغيراً في العقد غير المكتوب بين الجيش والجنود وأهالي الجنود، بالعمل على استعادة الجنود أحياء أو أمواتا تحت أي ظرف، الذي بات إرثاً وجزءاً من ثقافة المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل.

بالنسبة للمؤسسة الأمنية والعسكرية، استعادة المخطوفين هي جزء من محو نتائج إخفاق 7 أكتوبر

إلا أن المؤسسة العسكرية والأمنية، على الرغم من مكانتها التاريخية في صناعة القرارات الأمنية، لم تتمكن لغاية الآن من إقناع الحكومة، خصوصاً رئيسها بنيامين نتنياهو بالتقدم بشكل جدي نحو اتفاق مع "حماس". يعود ذلك بالأساس لاعتبارات سياسية واختلاف في تصورات المؤسسة العسكرية ونتنياهو حول أهداف ومخرجات الحرب.

حسابات بنيامين نتنياهو

منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شدّدت الحكومة وبنيامين نتنياهو على أهمية تحرير الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين في قطاع غزة، وادعت أن الحكومة ستعمل كل ما في وسعها لإعادتهم بأسرع وقت. مع العلم أن الحكومة الإسرائيلية لم تقرر منذ بداية الحرب أن إعادة الأسرى والمخطوفين هي أحد أهداف الحرب الرسمية، بل قالت إن ذلك في سلّم الأولويات الأولى للحرب. إعادة ترتيب مكانة هذا الهدف وإضافته إلى أهداف الحرب جاءتا بسبب الضغط الجماهيري وبدء عائلات الأسرى والمخطوفين فعاليات احتجاج وتجنيد الرأي العام لدعم مطلبهم.

على أرض الواقع، كان موضوع الأسرى والمخطوفين في مكانة متدنية بالنسبة لنتنياهو وحكومته، وعمل بنيامين نتنياهو على إفشال العديد من الاقتراحات التي قُدّمت للتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس، ورفض أن تؤدي أي صفقة لتبادل الأسرى والمخطوفين إلى إنهاء الحرب. بل إنه أفشل الاقتراح الذي قدّمه هو بنفسه وأقر في (المجلس الوزراء الأمني المصغر) كابينيت الحرب في شهر مايو/أيار الماضي، وقدم إلى الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن عنه في مؤتمر صحافي خاص نهاية مايو 2024. وما زال موقف بنيامين نتنياهوالرافض لإنهاء الحرب مقابل اتفاق تبادل أسرى قائماً بعد مرور أكثر من 14 شهرا على بداية الحرب.


لم تتبدل مواقف نتنياهو رغم أن "حماس" ليّنت مواقفها في بعض القضايا المركزية

تبدلات لم تغير المواقف

كان من المتوقع أن يتغير موقف بنيامين نتنياهو المعارض للتوصل إلى صفقة مع حركة حماس على ضوء التغيرات العسكرية في الأشهر الأخيرة، والتغيرات السياسية الداخلية. فقد تراجعت قدرات "حماس" العسكرية منذ بداية الحرب ولم تعد تشكل في هذه المرحلة تهديداً جدّياً على أمن إسرائيل؛ كما تم إلحاق ضرر بالغ في قدرات حزب الله اللبناني العسكرية والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار (مع لبنان) يميل بشكل كبير للشروط الإسرائيلية، بل إن إسرائيل تستمر في توجيه ضربات عسكرية في لبنان حتى بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. كذلك ساهم سقوط النظام السوري والضربات التي قام بها الجيش الإسرائيلي على مقدرات الجيش السوري إلى تغيير خريطة وموازين المنطقة الاستراتيجية. هذه العوامل كان المفروض أن تساهم في تليين الشروط الإسرائيلية، وتدفع نحو التقدم في مفاوضات تبادل الأسرى والمخطوفين، خصوصاً أن "حماس" ليّنت إلى حد ما مواقفها في بعض القضايا المركزية.

جانب آخر كان من المفترض أن يليّن موقف بنيامين نتنياهو ويساهم في التوصل إلى اتفاق تبادل، هو الجانب السياسي الداخلي في إسرائيل، إذ حصلت بعض التغيرات في الأشهر الأخيرة، أبرزها التحسن في مكانة نتنياهو السياسية والانتخابية. صحيح أن حصة حزب الليكود المتوقعة في الانتخابات المقبلة، وفقاً لغالبية استطلاعات الرأي العام، تتراوح حول 25 مقعداً (مقارنة بـ32 مقعداً في الكنيست الحالي)، وصحيح أن أحزاب التحالف الحكومي الحالي لا تستطيع وحدها تشكيل التحالف المقبل، بحيث لا يتعدى عدد مقاعدها معاً الـ55 مقعداً، مقابل 61 مقعداً لأحزاب المعارضة الحالية من ضمنها حزب القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية الشق البرلماني)، إلا أن الاستطلاعات لا تشير إلى انهيار حزب الليكود ولا التحالف الحكومي الحالي، وانتقال عدد بسيط من المقاعد بين المعسكرات يمكن أن يغيّر الصورة لصالح معسكر نتنياهو. ناهيك عن أن المعارضة الحالية تشمل أحزاباً يمينية أيديولوجية، مثل حزب "يسرائيل بيتنو" بزعامة أفيغدور ليبرمان الذي رفض في السنوات الأخيرة دخول التحالف الحكومي بسبب خلافات شخصية مع نتنياهو، بدون أن يعني ذلك أنه لن يغير موقفه ويشارك في تحالف حكومي مستقبلي برئاسة نتنياهو، بعد أن تغيّرت الأحوال الاستراتيجية والأمنية. ففي إسرائيل بالإمكان دائماً تبرير أي تحوّل سياسي نتيجة لأسباب ودوافع أمنية.

جانب آخر ساهم في تخفيف الضغوط السياسية على نتنياهو، هو دخول جدعون ساعر للتحالف الحكومي، وإضافة أربعة مقاعد إلى حصة التحالف لتصل إلى 68 مقعداً، وبذلك يقلل من تأثير حزب "العظمة اليهودية" برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش (حزب الصهيونية الدينية) على عملية اتخاذ القرار، ومنع أي اتفاق لتبادل الأسرى والمخطوفين، كونهما يعارضان أي اتفاق للتبادل مع "حماس" قبل القضاء على الحركة تماماً وإعادة الاستيطان لقطاع غزة، وتحرير الأسرى والمخطوفين بالقوة. نتنياهو كان يخشى أن يؤدي أي اتفاق لتبادل الأسرى والمخطوفين إلى انسحاب، بالأساس، بن غفير من الحكومة وربما سموتريتش، الذي يخشى حالياً الذهاب إلى انتخابات مبكرة نتيجة توقعات غالبية الاستطلاعات بعدم عبور حزبه نسبة الحسم، بينما تحسّن انتخابات مبكرة من حالة وحصة بن غفير.

بالنسبة لنتنياهو، إطالة الحرب واستمرار الوضع السياسي الراهن كانا يخدمان لغاية الآن مصالحه السياسية والانتخابية والشخصية. وكان من المتوقع أن تتبدل هذه الحالة بعض الشيء، ورفع احتمال الذهاب باتجاه صفقة تبادل ووقف إطلاق النار بعد ما اعتبرته إسرائيل، المؤسسة العسكرية والحكومة والمجتمع، إنجازات عسكرية كبيرة في الجبهة الجنوبية والشمالية، وتحسّن مكانة نتنياهو السياسية وتوسيع التحالف الحكومي. كما لا يمكن إلغاء الاحتمال أن يستغل نتنياهو التوصل إلى اتفاق لتبديل اهتمام الإعلام الإسرائيلي بشهادته في المحكمة بتهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة، نحو الاهتمام بصفقة التبادل.


قد نكون بصدد تصعيد عسكري إضافي في المنطقة يبادر إليه نتنياهو

مرة أخرى... التصعيد العسكري لإفشال الصفقة

على الرغم من كل ذلك، وعوامل الدفع باتجاه صفقة تبادل بين إسرائيل و"حماس"، فإن موقف نتنياهو لم يتبدل بشكل جدي، كما أشار عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة. فعلى سبيل المثال، نشر المحلل السياسي في القناة 12 الإسرائيلية، يارون افراهام، يوم 25 ديسمبر/كانون الأول الحالي، عن وجود اختلافات وصراع جدي بين المؤسسة الأمنية ونتنياهو حول التقدم باتجاه صفقة تبادل. فقد انتقدت قيادات بارزة من المؤسسة الأمنية، وفقاً لتقرير افراهام، تصريحات نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس الأخيرة حول المفاوضات الجارية مع "حماس"، بحيث صرحت أن إسرائيل لن تغيّر من مواقفها وأنها لن تنسحب من قطاع غزة، وأنها ستستمر في السيطرة العسكرية، وأن صفقة التبادل لن تؤدي إلى انتهاء الحرب. هذه التصريحات وفقاً للشخصيات الأمنية لا تفيد في المفاوضات بل تعطّل إمكانية التوصل إلى اتفاق.

تصرفات وتصريحات نتنياهو وكاتس، هي استمرار للنهج نفسه الذي اتّبعه نتنياهو منذ بداية المفاوضات مع "حماس"، حين كان يهتم بإصدار مواقف وتصريحات تُفشل المفاوضات وتمنع التوصل إلى صفقة تبادل. أي أن نتنياهو لم يبدل موقفه ولا يساهم في التقدم في المفاوضات، على الرغم من تغير الحالة الأمنية والعسكرية في قطاع غزة بل والمنطقة، وعلى الرغم من التغيرات في الحالة السياسية في إسرائيل. عدم التقدم في مفاوضات التبادل ووقف إطلاق النار، يشي مرة أخرى بأن الخيار العسكري والأدوات الأمنية ما زالت الخيار الأول والأساسي لدى نتنياهو ولدى وزير الأمن الجديد، بل والحكومة الإسرائيلية. وتعني أن نتنياهو يتعامل مع حرب الإبادة على غزة كجزء من الحرب الأوسع أمام محور إيران، وهذه الحرب لم تنته بعد. ولا نغامر كثيراً إذا استنتجنا أننا قد نكون بصدد تصعيد عسكري إضافي في المنطقة يبادر إليه نتنياهو وحكومته، بغية منع التوصل إلى صفقة ووقف حرب الإبادة على غزة. قد تكون الهجمات على اليمن في الأيام الأخيرة مقدمة لهذا التصعيد.