من المقرر أن يصل وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن إلى كييف، اليوم الأحد، في وقتٍ استمرّت فيه المعارك وسقوط قتلى في أوكرانيا، إذ لم تلقَ الدعوات إلى هدنة لمناسبة عيد الفصح الأرثوذكسي تجاوباً، وفشلت محاولة جديدة لإجلاء مدنيين من ماريوبول، وشهدت أوديسا قصفاً عنيفاً.
ومع دخول الحرب شهرها الثالث الأحد، يقترب عدد اللاجئين الفارّين من الحرب من 5.2 ملايين، وفق الأمم المتحدة، فيما بلغ عدد النازحين داخل أوكرانيا أكثر من 7.7 ملايين شخص.
وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنّ بلينكن يزور كييف، اليوم الأحد، يُرافقه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن. وفيما يُتوقّع استمرار النزاع، دعت واشنطن 40 دولة إلى اجتماع في ألمانيا الثلاثاء لمناقشة الاحتياجات الأمنيّة لأوكرانيا على المدى الطويل.
وجدّد زيلينسكي، أمس السبت، دعوته إلى لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين "لإنهاء الحرب"، قائلاً: "أعتقد أنّ مَن بدأ هذه الحرب يمكنه إنهاؤها"، مكرّراً أنّه "لا يخشى لقاء" الرئيس الروسي.
لكنّه توعّد بأنّ بلاده ستنسحب من المفاوضات مع موسكو إن عمد الجيش الروسي إلى قتل جنود أوكرانيّين يتحصّنون في مجمع آزوفستال في ماريوبول، في جنوب شرق أوكرانيا.
وندّد زيلينسكي من جهة ثانية بقرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "غير المنطقي" زيارة موسكو الثلاثاء قبل المجيء إلى كييف. وقال: "من الخطأ الذهاب إلى روسيا أوّلاً، ومن ثمّ إلى أوكرانيا"، مبدياً أسفه "للانعدام التام للعدالة والمنطق في هذا الترتيب".
وأضاف: "الحرب في أوكرانيا. لا جثث في شوارع موسكو. سيكون من المنطقي أن يذهب أولاً إلى أوكرانيا، لرؤية الناس هناك، وتداعيات الاحتلال".
في ماريوبول، الميناء الاستراتيجي في جنوب شرق أوكرانيا المدمّر إلى حدّ كبير بعد أسابيع من القصف، قال رئيس بلدية المدينة على حسابه في تليغرام إنّ محاولة جديدة لإجلاء المدنيين إلى زابوريجيا باءت بالفشل.
وقال بيترو أندريوشتشنكو إنّ نحو مئتين من سكّان المدينة الصناعية على بحر أزوف كانوا قد بدأوا يتجمّعون لإجلائهم حين عمد الجيش الروسي إلى "تفريقهم"، حتى إنّ بعضهم أُجبِر، حسب قوله، على صعود حافلات متّجهة إلى منطقة يحتلّها الروس على بعد ثمانين كلم شمالاً.
وألغِيَت بالفعل ممرّات إنسانية كثيرة في اللحظة الأخيرة في ماريوبول، وتبادلت كلّ من موسكو وكييف الاتهامات بالمسؤولية عن ذلك.
أكّدت موسكو الخميس أنّها "حرّرت" ماريوبول. وردّت كييف الجمعة بأنّ المقاتلين الأوكرانيّين "صامدون" في مصنع آزوفستال حيث يتحصّن مئات المقاتلين والمدنيّين، وفق السلطات الأوكرانيّة.
وأمر بوتين بفرض حصار على هذا المجمّع الهائل للصناعات المعدنيّة، من دون اقتحامه.
لكنّ مستشار الرئيس الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش قال، أمس السبت، إنّ القوات الروسيّة استأنفت الضربات الجوّية على المصنع، مؤكداً أنّ "مقاتلينا صامدون بغضّ النظر عن الوضع الصعب للغاية، حتّى إنّهم يشنّون هجمات مضادة".
إلى الغرب، قالت روسيا إنّها استهدفت مستودعاً كبيراً لتخزين الأسلحة الأجنبيّة قرب أوديسا على ساحل البحر الأسود.
وقالت وزارة الدفاع الروسيّة في بيان إنّ "القوّات المسلّحة الروسيّة عطّلت اليوم، باستخدام صواريخ عالية الدقة وبعيدة المدى، محطة لوجستية في مطار عسكري قرب أوديسا، حيث خُزِّنَت مجموعة كبيرة من الأسلحة الأجنبيّة التي سلّمتها الولايات المتحدة ودول أوروبية".
وسبّبت ضربات روسيّة استهدفت أوديسا مقتل ثمانية أشخاص على الأقلّ، وفق الجانب الأوكراني الذي أوضح أن صاروخاً ضرب خلال الليل مبنىً سكنياً من 15 طبقة، وأشعل حريقاً. وقالت السلطات إن نحو عشرين شخصاً أصيبوا.
وبحسب زيلينسكي "استهدفت سبعة صواريخ أوديسا"، أمس السبت، بينها صاروخ "طاول مبنىً سكنياً" و"صاروخين أسقطتهما" منظومة الدفاع الجوّي الأوكراني.
وأكّد سلاح الجو الأوكراني عبر فيسبوك أنّ القوّات الروسيّة أطلقت مجموعة صواريخ من مقاتلات تو-95 فوق بحر قزوين.
هذا الأسبوع، بدأت "المرحلة الثانية من العمليّة الخاصّة" التي أطلقتها موسكو في 24 شباط/فبراير. وأكّد مسؤول عسكري روسي كبير الجمعة أنّ "أحد أهداف الجيش الروسي بسط السيطرة الكاملة على دونباس وجنوب أوكرانيا".
إلى ذلك قُتل ستة مدنيّين في ضربات روسيّة قرب قرية غيرسكي في لوغانسك شرقيّ أوكرانيا، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، مساء أمس السبت.
وقال سيرغي غايداي عبر قناته في تليغرام: "عانت بلدية غيرسكي طوال اليوم من ضربات روسية مكثفة"، مضيفاً أنّ "ستّة من سكّان المنطقة قتلوا".
قصف يطاول كل شيء
تحتلّ القوات الروسية التي انسحبت من كييف ومن شمال أوكرانيا في نهاية مارس/آذار جزءاً كبيراً من شرق البلاد وجنوبها.
وقال الجنرال روستام مينكاييف، نائب قائد القوات في المنطقة العسكرية لوسط روسيا، إنّ الأمر بات يتعلّق "بتأمين ممرّ برّي" إلى شبه جزيرة القرم.
وقال الجيش الروسي صباح السبت إنه نفّذ 1098 غارة بالمدفعيّة والصواريخ خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
وكتب حاكم منطقة لوغانسك في الشرق، سيرغي غايداي، على تليغرام: "إنهم يقصفون كل شيء حرفياً ... طوال الوقت، على مدار الساعة"، داعياً السكان إلى إخلاء المنطقة. ثم أعلن مقتل شخصين وإصابة اثنين في زولوتي إثر قصف مدفعي روسي.
في الشرق أيضاً، أعلن حاكم خاركيف، أوليغ سينيغوبوف على تليغرام استعادة القوات الأوكرانية "بعد معارك طويلة شرسة" ثلاث قرى شمال خاركيف، تقع إحداها، وهي برودانكا، على بعد حوالى 15 كيلومتراً من الحدود الروسية.
وقال سينيغوبوف إن ثلاثة أشخاص قتلوا وأصيب سبعة آخرون في قصف روسي على خاركيف.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوكرانية إن خاركيف "محاصرة جزئياً" من القوات الروسية.
في دونباس، أعلن أوليكسي أريستوفيتش، مستشار الرئاسة الأوكرانية، أن القوات الروسية "تركز جهودها في المنطقة الواقعة بين سلافيانسك كراماتورسك"، وهي منطقة تقع في إقليم دونيتسك. وإلى الجنوب، "يحاولون مواصلة هجومهم على مدينة هوليابول" في إقليم زابوروجيا، في منتصف الطريق بين المدينة التي تحمل الاسم نفسه وماريوبول.
من جانبه، قال الجيش الأوكراني إنّ بين مدينتي ميكولايف وخيرسون القريبتين من البحر الأسود، "يحاول العدو تعزيز مواقعه التكتيكية وترسيخ" سيطرته على الحدود الإدارية لإقليم خيرسون. وخيرسون هي العاصمة الإدارية الوحيدة التي استولى عليها الروس خلال الأيام الأولى للغزو.
أسلحة ضرورية
قال زيلينسكي إن القوات الأوكرانية تواصل "احتواء هجمات الغزاة الروس" في الشرق والجنوب و"التحدّي الأول" حالياً "تزويد جنودنا بكلّ الأسلحة الضرورية".
وتواصل السلطات الأوكرانية، التي حصلت على مزيد من الأسلحة، مساعدة من الغرب في الأيام الأخيرة، تأكيد قدرتها على إخراج الجيش الروسي من أراضيها.
وطلب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، في اتصال هاتفي مع بوتين، تأمين ممرات إنسانية في ماريوبول، خصوصاً لمناسبة عيد الفصح الأرثوذكسي.
لكنّ الكرملين قال بعد هذه المحادثة إنّ كييف ترفض استسلام آخر جنودها في آزوفستال، بينما أعلن الجيش الروسي استعداده لتطبيق هدنة "في أي وقت" في "كل" الموقع أو "في جزء منه" للسماح بإجلاء المدنيين واستسلام المقاتلين.
من جانبه، دعا البطريرك الأرثوذكسي الروسي كيريل، حليف الرئيس الروسي، إلى الصلاة من أجل "سلام دائم" من دون أن يتطرق إلى الهدنة في أثناء عيد الفصح للمسيحيين الأرثوذكس، في بيان نشرته البطريركية من موسكو.
وتخوفاً من "استفزازات" خلال احتفالات العيد التي عادةً ما تجتذب جموعاً كبيرة، دعت السلطات الأوكرانية إلى متابعة الشعائر الدينية على الإنترنت.
وقال كيريلو تيموشينكو من مكتب الرئيس: "ادعموا المدافعين عن أوكرانيا، وابقوا في منازلكم من أجل أمننا وأمنكم".
توازياً، قال رومان ستاروفويت، حاكم منطقة كورسك الروسية المتاخمة لأوكرانيا، على تليغرام إن نقطة حدودية روسية تعرضت لقصف بقذائف مورتر أوكرانية، لكن لم تقع إصابات.
أدى انتقال تركيز روسيا على جنوب أوكرانيا وشرقها إلى اكتشاف الدمار العشوائي الذي تركته قواتها المنسحبة وجثث القتلى حول كييف، بما في ذلك في بلدة بوتشا.
وقال مكتب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن البعثة الأممية في بوتشا وثّقت "القتل غير القانوني، بما في ذلك الإعدام بإجراءات موجزة، لنحو 50 مدنياً". وتحدثت الأمم المتحدة الجمعة عن سلسلة من الأعمال قام بها الجيش الروسي "قد ترقى إلى جرائم الحرب".
ونشرت شركة "ماكسار تكنولوجيز الأميركية" صوراً التقطتها أقمار صناعية تكشف على حد قولها "وجود مقبرة ثانية جرى توسيعها الشهر الماضي" في فينوهرادني على بعد حوالى 12 كلم من ماريوبول. وعثر على ما قد تكون مقابر جماعية، أخيراً، في مانوش، غرب ماريوبول.
(فرانس برس)