بلينكن و"الاستمرارية" في السياسة الخارجية الأميركية لعام 2024

بلينكن و"الاستمرارية" في السياسة الخارجية الأميركية لعام 2024

21 ديسمبر 2023
قدّم بلينكن جردة بما حققته سياسة الإدارة الخارجية خلال السنة الآفلة (Getty)
+ الخط -

في لقائه السنوي مع الصحافة، قدّم وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أمس الأربعاء، جردة بما حققته سياسة الإدارة الخارجية خلال السنة الآفلة مع لمحة عن التوجه الذي تنوي اعتماده في العام القادم.

في الشق الأول شملت جولته قضايا متفرقة تراوحت بين أزمة السودان ومسألة الأمن الغذائي والتعاون مع البلدان النامية وغيرها، مع التنويه بجهود بايدن في دعم حرب أوكرانيا وبنجاحه نسبياً في ترطيب الأجواء مع الصين، وبما أدى إلى إعادة فتح خط التواصل العسكري معها، فضلاً عن إبراز موضوع التحالفات والشراكة الدولية التي نسجتها الإدارة الأميركية، والتي تضعها في خانة إنجازاتها الهامة.

في الشق الثاني اكتفى بلينكن بعنوان عريض مفاده أن الإدارة في عامها الأخير تزمع "مواصلة الجهود في هذا الاتجاه". أي الاستمرار بنفس السياسة إزاء هذه القضايا ومنها حرب غزة، التي أفرد لها الوزير حيزاً ملحوظا في بيانه الافتتاحي كما في أجوبته عن الأسئلة، وبما بدا معه أن الإدارة باتت أكثر تشدداً من ذي قبل. فهو لم يؤكد فقط على "حق إسرائيل وواجبها الاستراتيجي للعمل على الخلاص من تهديد حماس"، بل ذهب أيضا إلى حد معاتبة الذين يطالبون إسرائيل "الضحية" بكبح انفلاتها، بدلا من مساءلة "المعتدي" على فعلته، شاكياً من "عدم الإنصاف" في مقاربة الموضوع بهذا الشكل!

تراجع الخارجية الأميركية بشأن غزة

ورأى الوزير الأميركي أن من الأولويات في هذا الخصوص "توفير الدعم والعون لإسرائيل لتضمن عدم تكرار 7 أكتوبر وللحيلولة دون توسيع الحرب"، مكتفياً بتذكيرها بضرورة "حماية المدنيين لتقليل الخسائر في صفوفهم". وفيما انطوى الحديث عن هذا "الحق" على تفويض ضمني لإسرائيل بإدارة الحرب بالصورة التي تراها مناسبة، بقي مطلب "حماية المدنيين" أقرب إلى رفع العتب. أو إلى التمني على إسرائيل لتعمل على مراعاته قدر الإمكان وطبعا من غير أي خطوة رادعة.

وإذا كانت الإدارة قد لوّحت قبل فترة بخط أحمر زمني للعملية العسكرية – بين أسبوعين إلى ثلاثة – فإن جواب الوزير الملتبس حول هذه النقطة، يشير إلى أن الإدارة الأميركية تراجعت أيضا في هذا الخصوص. فالحرب "يمكن أن تنتهي اليوم وربما كانت انتهت قبل شهر، لو استسلمت حركة حماس ورمت سلاحها"، كما قال الوزير. وهذه نغمة جديدة طلعت فيها الإدارة في الأيام الأخيرة، غرضها على ما يبدو، صرف النظر عن موضوع السقف الزمني واحتضان الموقف الإسرائيلي الذي طالما أصرّ على فترة مفتوحة لحملته العسكرية.

وقد أثارت هذه التغييرات في موقف الإدارة تفسيرات مختلفة، منها تراجع البيت الأبيض عن التلويح بمصادمة مع نتنياهو في ظروف غير مواتية. ومنها أيضا أن الإدارة تفضّل إطالة الحرب في غزة لشهرين أو ثلاثة على توسيعها، الذي قد تلجأ إسرائيل إلى افتعاله لو تفاقم مأزقها الميداني أو بقي على نزفه.

وفي قراءة أخرى أن الإدارة أبدت التشدد وبما يتقارب مع توجه الحكومة الإسرائيلية في حرب غزة، كمحاولة لتنفيس التوتر المتزايد بين البيت الأبيض ونتنياهو، علّ ذلك يكون المفتاح لحمل رئيس الحكومة على الدخول في هدنة جديدة يصار إلى إنضاج ظروف تمديدها تدريجيا نحو "وقف الأعمال العسكرية" ولو المؤقتة كخطوة أولى. ومن هنا طلب واشنطن للمرة الثالثة على التوالي هذا الأسبوع، لتأجيل التصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار يدعو إلى نوع من الهدنة أو "تعليق" العمليات العسكرية مؤقتاً، ريثما يتم التوافق على صيغته التي تشترط إسرائيل ومعها واشنطن، أن تكون أقرب إلى صفقة تبادل أسرى منها إلى مدخل لوقف النار أو للتمديد في هذا الاتجاه.

كيفما كانت الحال، ما قاله الوزير بلينكن اليوم يعكس التوافق الأميركي الإسرائيلي على التشدد في الطريق إلى العام الجديد ولغاية أن تتبلور معطيات جديدة ينتجها الوضع الميداني.