في مطلع مايو/ أيار من عام 2013، ارتكبت قوات النظام السوري وأجهزته الأمنية ومجموعات من "الشبيحة" (الموالون للنظام الأكثر قسوة في التعامل مع المدنيين) مجزرة في منطقة بانياس على الساحل السوري، في محاولة لوأد الحراك الثوري في تلك المنطقة التي عانت من عدة مجازر "تطهير طائفي"، وفق منظمات حقوقية.
وفي ذكرى المجزرة، دعت السفارة الأميركية في دمشق، في بيان اليوم الأربعاء، إلى "محاسبة الأسد ونظامه على الفظائع ضد السوريين"، مضيفة أنّه "في هذا الأسبوع، وقبل 10 سنوات، هاجم نظام الأسد البيضا وبانياس وقتل مئات المدنيين".
وتابع البيان: "يقود المدافعون السوريون عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني جهود البحث عن الحقيقة والعدالة، التي بدونها لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي دائم"، مؤكداً أنّ "الولايات المتحدة ستواصل دعم هؤلاء السوريين الشجعان، وعمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية".
وتعتبر بلدة البيضا (يقطنها سوريون سنّة، وأقلية من المسيحيين) التي تقع في منطقة بانياس الواقعة شمالي محافظة طرطوس، وتطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، من أولى المناطق التي انطلقت منها الثورة السورية بعد درعا في ربيع عام 2011.
ومنذ بدء الثورة تعرضت منطقة بانياس والقرى والبلدات التابعة لها لحملات قمع شديدة، لكونها محاطة بقرى غالبية سكانها من الموالين للنظام طائفياً، لكن ما حدث في الثاني والثالث من شهر مايو/ أيار من عام 2013، كان مجزرة وُصفت بـ"الفظيعة"، إذ قُتل فيها مئات المدنيين، بينهم أطفال بعضهم رضّع، بالإضافة إلى ذبح وحرق بعض النساء، وكذا قُتل آخرون من خلال عمليات إعدام عشوائية في المنازل وفي الساحات العامة.
وصنفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في حينها ما حدث في بلدة البيضا وحي رأس النبع المجاور ضمن "أفظع المجازر التي ارتكبت خلال مسيرة الثورة السورية على الإطلاق"، مؤكدة أنها وثقت مقتل 495 مواطناً مدنياً، بينهم 264 في قرية البيضا و195 في حي رأس النبع. ووصفت الشبكة الحقوقية ما جرى في منطقة بانياس في ذلك اليوم وما حدث لاحقاً بـ"عملية تطهير طائفي"، مشيرةً إلى أنّ مليشيات "طائفية" نفذت تلك المجزرة وسرقت وحرقت بعدها بيوت سكان بلدة البيضا ورأس النبع.
وبحسب شهادات ناجين، فقد "كان القتل عشوائياً ودون تمييز على صعيد الجنس أو السن"، كما كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أكدت في سبتمبر/ أيلول من عام 2013 أنّ قوات النظام أعدمت 248 شخصاً على الأقل في البيضا وبانياس في محافظة طرطوس في الثاني والثالث من مايو/ أيار من عام 2013. ونقلت المنظمة الحقوقية شهادات ناجين عن قصص "مروعة" تبين كيف اقتادت قوات النظام وعناصر من "مليشيات" تابعة لها بعض ذويهم وأعدمتهم أمام أعينهم.
ووثقت المنظمة إعدام 23 امرأة و14 طفلاً في تلك المجزرة، ونقلت عن شهود عيان أن قوات النظام أحرقت العشرات من جثث القتلى، فضلاً عن نهب المنازل وحرقها. كذلك، شملت عمليات التصفية في بعض الحالات عائلات بأكملها.
ونشر ناشطون في حينه صوراً تبرز فظاعة تلك المجزرة التي لا تزال ماثلة في أذهان السوريين، رغم أن النظام ارتكب بعدها العشرات من المجازر الطائفية في مختلف المناطق السورية، بعضها بغازات سامة، كما حدث منتصف عام 2013 في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق.
وارتكب النظام السوري خلال عامي 2012 و2013 مجازر على أساس طائفي في الساحل السوري وفي ريفي دمشق وحمص، في سياق الحرب التي بدأها ضد السوريين في عام 2011.
وطوال سنوات الصراع، ارتكب النظام العديد من المجازر ذات الطابع الطائفي، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي أحصت 50 مجزرة تحمل هذا الطابع منذ عام 2011 وحتى عام 2018، قُتل فيها 3098 شخصاً، من بينهم 531 طفلاً و472 امرأة.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، بيّن مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أنّ النظام "ارتكب العديد من المجازر الطائفية بهدف الإيحاء أنّ الثورة السورية لها بعد طائفي، وهو ما يخدم مصلحته"، مضيفاً أنّ "النظام من خلال هذه المجازر كان يريد إظهار مدى التوحش الذي يمكن أن يذهب إليه لوأد الثورة وردع السوريين".
وأشار عبد الغني إلى أنّ "توحش النظام نجح في إرهاب البعض من السوريين ومنعهم من المشاركة في الثورة"، مبيناً أنه "كانت هناك موافقة دولية على هذا التوحش الذي أظهره النظام".
وتابع المتحدث: "مجزرة البيضا من أفظع المجازر التي ارتكبها النظام، الضحايا ما زالوا ينتظرون محاسبة النظام، وفي المقدمة بشار الأسد (...) لا يمكن ارتكاب هذه المجازر من دون موافقته (...) لم ترتكب مجزرة البيضا وغيرها مجموعات منفلتة، بل كان هناك تنسيق ومشاركة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام التي تتحرك بأوامر مباشرة من الأسد".
وبرزت بلدة البيضا خلال الأشهر الأولى للثورة السورية، حيث ظهر عدد من عناصر الأجهزة الأمنية في مقطع وهم يهينون بـ"طرق وحشية" سكان البلدة التي كانت تشهد مظاهرات ضد النظام، واعتقلت هذه الأجهزة عدداً كبيراً من شبان البلدة، في محاولة لكسر إرادتها، إلا أن محاولات النظام لم تنجح، ما دفعه إلى ارتكاب عدة مجازر، أشهرها تلك التي حدثت في عام 2013.
وشاركت مليشيا طائفية تابعة للنظام يتزعمها المدعو معراج أورال (تركي الجنسية من الطائفة العلوية) في تلك المجزرة بحق سكان البيضا ورأس النبع. وظهر أورال، المطلوب للأجهزة الأمنية التركية، قبيل وقوع تلك المجزرة في مقطع فيديو يتوعد سكان بانياس وما حولها بعمليات "تطهير" على أساس طائفي، وارتكبت هذه المليشيا عدداً من المجازر في مختلف المناطق السورية بدعم ومساندة من قوات النظام وأجهزته الأمنية.