بكين بعد موسكو على قائمة تحديات "الناتو"... والأوروبيون أكثر حذراً من الأميركيين

15 يونيو 2021
اتفق الحليفان الأوروبي والأميركي على لغة واضحة تجاه موسكو (جان فان دي فيل/الأناضول)
+ الخط -

من الواضح أنّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) خطا خطوة إضافية نحو ما يشبه سياسة اليقظة إزاء السياسات الصينية الطموحة عالمياً. فبعد قمة الحلف، أمس الإثنين، في بروكسل، يبدو أنّ تسوية حضرت بين حليفي ضفتي الأطلسي، باعتبار بكين عدواً للأميركيين و"تحدياً ومنافساً" للأوروبيين، وهو ما يُعدّ تقدماً للرئيس الأميركي جو بايدن.

الصينيون بالتأكيد ليسوا سعداء أن ينظر إليهم كـ"عدو محتمل". فصيغ "تحدٍّ أمني"، وتسمية الصين أكثر من 80 في مرة في خطته "2030"، تبدو تغيراً غير مرحب به من بكين. وبعض السياسات الأوروبية تخشى فعلياً إثارة ساسة الحزب الشيوعي الصيني، على أبواب مئوية تأسيس الحزب.

في المقابل، اتفق الحليفان الأوروبي والأميركي في قمتهما أمس في بروكسل على لغة واضحة تجاه سياسات الكرملين. ويبدو ذلك نجاحاً لاستراتيجية بايدن في جلب الأوروبيين الحذرين من استثارة الروس. فمقابل ألا تصل لغة أوروبا إلى تصنيف الصين عدواً، على الطريقة الأميركية، يبدو أن بايدن أراد التسلح قبل يوم واحد من قمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بموقف غربي متشدد، وإظهار أن طرفي الحلف الغربي أكثر توحداً عن فترة سلفه دونالد ترامب.

بالتأكيد ليس خبراً ساراً للكرملين أن يتصدر أجندات "الناتو"، وخطابه الذي يعتبره "التهديد الأكبر"، ليس فقط عسكرياً، بل في نواحٍ كثيرة تتعلق بالأمن السيبراني، ومحاولة الكرملين اختراق المجتمعات، وتدخلاته في شؤون الدول ولناحية الانتهاكات في المجال الحقوقي عموماً.

فرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بحسب ما نقلت الصحافة الأوروبية، اليوم الثلاثاء، كان واضحاً في قوله إنه في اجتماعاته مع بوتين أوضح "استعدادنا للتغيير (في السياسات) بيد أن روسيا لم تظهر الشيء نفسه".

جونسون، شأنه شأن قادة أوروبيين آخرين، يعبّر عن خيبته من غياب ما يسمونه "بحثاً عن رغبات روسية حقيقية للحوار مع الغرب"، ليتضح الآن أن الأوروبيين (في أغلبهم) باتوا يعتبرون روسيا التهديد الأكبر.

 

وليس فقط الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، الذي أطلق لغة أكثر حزماً تجاه سياسات الكرملين، فتزايد "الاستفزازات" الجوية الروسية في المجال الجوي الدنماركي، الذي كشفت كوبنهاغن عن أنه تكرّر قبل ساعات من القمة أمس (واستدعاء السفير الروسي إلى الخارجية للاحتجاج)، دفع برئيسة الوزراء ميتا فريدركسن ووزير خارجيتها، ييبا كوفود، إلى ذات مستوى خطاب بايدن عن أن الحلف لن يقبل بـ"التصرفات الغبية لموسكو".

واعتبر اختراق الطائرات الروسية المتزايد رسائل من موسكو، فيما يقرأ غرباً دليلاً على "العدوانية والتهديد الذي تشكله موسكو".

ومن الواضح أن بايدن، استغل قمة "الناتو" لوضع ما يشبه خطوطه الحمراء قبيل قمته مع بوتين غداً في جنيف، باعتبار "التعاون حيث يمكننا التعاون (مع روسيا)، ووضع حدود واضحة حيث تخرق روسيا كل الحدود".

وتبقى الرغبة الأميركية في استدعاء مواقف أوروبية أكثر تشدداً حيال بكين، بنفس درجتها مع موسكو، أقل قليلاً من لغة القارة العجوز باعتبار سياسات الصين "تحدياً استراتيجياً" و"منافساً"، وهو ما ذهب إليه بوريس جونسون وغيره من القادة. فالجانب الأوروبي الذي يتفق مع واشنطن في تقييم سياسات موسكو ونعتها بـ"العدوانية" يبقى حذراً، على الأقل في أوراقه وأجنداته، في تصنيف بكين بذات الدرجة.

وذلك لم يمنع ذهاب ستولتنبرغ، ميلاً إضافياً لملاقاة الحليف الأميركي في وسط المحيط، إلى اعتبار الصين "تحدياً أمنياً"، وهو ما عكسته خطط "الناتو" المستقبلية، التي يبدو أنها تلبي الحدّ الأدنى من الرغبات الأميركية، بوضع الصين في سياق سياساته المستقبلية في استراتيجية 2030.

منذ 2010، هيمن حضور موسكو في الخطاب الغربي عن التهديدات، وبعد 11 عاماً من محاولات أوروبا خلق سياسات تقوم على "الحوار والتعاون" تبدو واضحة خيبة أمل القارة، التي تعززها سياسات الكرملين برأيهم، وبالأخص منذ 2014.

وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الأطلسية للسنوات العشر امقبلة سمّت الصين نحو 82 مرة، فيما في 2010 لم تسمّها سوى مرة واحدة، إلا أن التشدد حيال موسكو (على الأقل في أوروبا)، لم يمنع وضع بكين في دائرة ما يسميه الأوروبيون "مراقبة عن كثب لسياسات بكين".

تقارير دولية
التحديثات الحية

 

فإذا كانت موسكو، بفعل عوامل الجغرافيا والتوجهات العسكرية والأمنية لبوتين، تتجه نحو القطب الشمالي أكثر فأكثر، فإن القلق الأميركي والأوروبي من خطوات بكين فيه دفع بالحلف الأطلسي إلى محاولة لجمها فيه. وبحسب ما نُشر في البيان الختامي، فإن "الناتو عليه أن يكرس المزيد من الموارد السياسية والإجراءات لمواجهة التحديات في السياسات الأمنية التي تشكلها الصين، حيث قدراتها الوطنية والتقدم الاقتصادي والأهداف الأيديولوجية لقادتها".

وحضرت المنطقة القطبية الشمالية في الورقة الاستراتيجية لـ"الناتو" كمحور مركزي في السياسات القادمة، واعتبرت أنه "يتعين على "الناتو" تكثيف الجهود لتقييم الآثار المترتبة على التطور التكنولوجي في الصين، ومراقبة أي نشاط قد يؤثر على الدفاع الجماعي أو الاستعداد العسكري أو التحدي، في ما يتعلق بمنطقة مسؤولية ساكيور SACEUR (الذراع الأوروبي العسكري لحلف الناتو)". ذلك يعني عملياً استعداد الأوروبيين للمشاركة في جهود واشنطن للتصدي لتمدّد بكين نحو القطب الشمالي. ومع أنه خلص إلى أن الصين لا تشكل تهديداً عسكرياً لـ"الناتو" في أوروبا، إلا أنه لاحظ أن الصين لديها "طموحات عالمية، وأظهرت بكين أنها لا تمانع في استخدام التهديدات ضد جيرانها في المنطقة الآسيوية".

وعلى الرغم من تشدد الخطاب في بعض نواحيه، كما عبرت عنه الدنماركية فريدركسن، لناحية الانتباه إلى عدم السماح لشركة "هواوي" الصينية بالدخول إلى البنية التحتية الأوروبية، ذهبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الطلب من الغرب أن يكون حذراً بشأن استعداء الصين "فنحن بحاجة إليهم في سياق اتفاق باريس للمناخ"، كما ذكرت في قمة السبع الكبار في لندن.

في المجمل، يبدو حلف "الناتو" أقرب إلى اتفاق شبه تام على لجم سياسات موسكو، وبالأخص في الشؤون المتعلقة بخرق وانتهاك القوانين الدولية وسيادة الدول وحقوق الإنسان، والمراهنة على تغيير في سلوك موسكو، فيما هو أقرب إلى اتفاق ترضية بشأن التهديدات الصينية وفق القراءة الأميركية، مع حذر أوروبي واضح من استثارة التنين الصيني، وخصوصاً مع ما أظهرته القارة من عجز واتكالية على بكين في شأن التوريدات المرافقة لجائحة كورونا العام الماضي، وما توصلت إليه التكتيكات الاستثمارية الصينية من إنشاء علاقات معقدة مع دول أوروبية، وبعض قادتها، على عكس الأجواء التي تشعر (في معظمها)، بنفور حيال سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

المساهمون