تشهد المساحة السياسية في إقليم كردستان، شمالي العراق، حالة من الهدوء على مستوى التعليقات السياسية بين الحزبين الحاكمين (الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، والحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل ودهوك)، إلا أن الصراع السياسي لا يزال قائماً بشأن منصب رئيس الجهورية، سواءً في المرحلة الحالية أو المقبلة، إضافة إلى التفاهم بشأن انتخابات الإقليم التي من المفترض أن تعقد في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، فيما تؤثر الأحداث وحالة التصعيد التي يمارسها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ضد قوى "الإطار التنسيقي" القريبة من إيران، على سير التفاهمات الكردية.
وقال ثلاثة مسؤولين في إقليم كردستان، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف الكردي مشتت ومعقد أكثر مما تشهده بغداد من مشاكل سياسية ما بين التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي، إذ إن الإقليم يشهد وجود ثلاث قوى سياسية وليس قوتين، الأولى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقترب كثيراً من مشروع الصدريين في إعادة الانتخابات وتأسيس حكومة بواسطة الفائزين وترحيل الخاسرين إلى المعارضة السياسية، والثانية هي (الاتحاد الوطني) المتذبذب في خياراته، فهو لا يستطيع المضي مع الصدر ويتخوف في الوقت نفسه من البقاء مع الإطار التنسيقي".
ولفت المسؤولون إلى أن "القوى الثالثة هي حراك الجيل الجديد الذي يملك 9 مقاعد في البرلمان، وهم قريبون جداً من التيار الصدري، بل إن رئيس الحراك شاسوار عبد الواحد يعتبر نفسه (مقتدى الصدر النسخة الكردية)، وأنه يستخدم الشارع الكردي والجماهير الناقمة من سياسية الحزبين الرئيسين الحاكمين في أربيل والسليمانية، للمطالبة لإصلاحات جذرية وتغيير نظام الحكم في إقليم كردستان".
وبحسب المسؤولين، فإن "هذه القوى الثلاث تشكل عقبة قد تكون في المستقبل هي الأعقد في حال توصل الصدر إلى نتائج في مشروعه، وأن مشاكل أربيل هي الكبرى، بسبب الصراع على منصب رئيس الجمهورية، ومحافظ كركوك، وشكل قانون الانتخابات التشريعية داخل الإقليم، إضافة إلى توزيع المناصب الأمنية والوزارات بين الأحزاب الكردية".
ورغم أن الحزب الديمقراطي الكردستاني تحالف عقد إعلان نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، التي فاز فيها التيار الصدري بواقع 73 عضواً في البرلمان، إلا أن الحزب الكردي لم يبت لحد الآن في البقاء ضمن مشروع الصدر أو لا، وفقاً للمصادر.
ونقل الموقع الرسمي للحزب الديمقراطي الكردستاني عن شاخوان عبد الله، وهو عضو وفد الحزب للتفاوض مع قوى "الإطار التنسيقي" في بغداد، قوله: "نحن ملتزمون بالبيان الصادر عن مقر مسعود بارزاني والمكتب السياسي، ونحن مع إجراء الانتخابات المبكرة في العراق، ولكن يجب أن يكون هناك رؤية واضحة قبل الانتخابات، لماذا ستجرى هذه الانتخابات وكيف ستكون النتيجة بعد إجرائها".
وبين أنه "إذا أجريت الانتخابات بالقانون والإجراءات السابقة، فإنها ستفرز نفس النتائج، ويجب أن تكون العملية من أجل الحل، لكننا بحاجة إلى معرفة لماذا وكيف سيكون الوضع بعد الانتخابات، ويجب أن يكون هناك اتفاق مسبق للاعتراف بنتائج الانتخابات".
من جانبه، أشار عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي، إلى أن "الوضع السياسي في إقليم كردستان لا يختلف كثيراً عما يحدث في بغداد، حيث إن الحزبين الكبيرين الحاكمين (الاتحاد والديمقراطي) لم يتوصلا لغاية الآن إلى قرارات واضحة بشأن ترشيح شخصية محددة لمنصب رئيس الجمهورية، وهي مشكلة ستتجدد، حتى لو جرت انتخابات جديدة، لأن رئيس الجمهورية من حصة الاتحاد الوطني، لكن الديمقراطي الكردستاني يرى أن المنصب بات من نصيبه كونه الأعلى من حيث النتائج بانتخابات البرلمان".
وبين فقي أن "توصل الأحزاب في بغداد إلى حلول سيدفع الأحزاب الكردية للتحرك في جولات جديدة للحوار والمباحثات، لكن في الوقت الحالي اتفقت الأحزاب الكردية على الهدوء من ناحية التعليقات السياسية".
من جهته، لفت الناشط وعضو حراك "الجيل الجديد" محمد عثمان إلى أن "الطبقة السياسية، سواءً كانت في بغداد أو أربيل والسليمانية، هي فاقدة للشرعية الشعبية، وبالتالي فإن الأزمة في بغداد تتشابه إلى حد كبير مع أزمة الأحزاب في بغداد، وأن ما يقوم به الصدر يمثل الحالة الرافضة لمنظومة الحكم، وهو ما نمارسه في حراك (الجيل الجديد) داخل إقليم كردستان، ما يعني أن التحالف بين الجيل الجديد مع الديمقراطي أو الاتحاد الوطني لن يحدث مهما كلف الأمر".
وأكد لـ"العربي الجديد" أن "الجيل الجديد يرفض تقاسم السلطة وتشكيل الحكومة من قبل الإطار التنسيقي، كما يرفض أن يستمر الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني في الاستيلاء على مقدرات الشعب الكردي".
بدوره، رأى المستشار السياسي السابق في رئاسة إقليم كردستان كفاح محمود أن "مواقف الحزب الديمقراطي الكردستاني واضحة من الأزمة السياسية الحالية، على مستوى ما يدور في بغداد أو الإقليم، ويبدو أن هناك رفضا لمشروع تشكيل الحكومة بواسطة "الإطار التنسيقي"، لكن مبادرة هادي العامري (زعيم تحالف "الفتح") الأخيرة واللقاء بمحمد الحلبوسي (رئيس مجلس النواب) وزيارته إلى أربيل والنية في زيارة النجف واللقاء بالصدر قد تطرح مشروعاً جديداً، لكن هذا المشروع يواجه بالرفض والنيل من قبل نوري المالكي ( زعيم ائتلاف دولة القانون) والميليشيات في الإطار التنسيقي".
وأكد كفاح محمود لـ"العربي الجديد" أن "فشل الأحزاب في الإقليم وفي بغداد في الوصول إلى حلول، قد يفتح الباب ليكون سيناريو الحل عند الجهات الدولية، وتحديداً الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، الذي لا بد أن يكون له موقف في سبيل مساعدة العراقيين على حل المشاكل السياسية، لأن حالة عدم الثقة بين الأحزاب بلغت ذروتها، ولا توجد أي مبادرات للتوصل إلى اتفاقات حقيقية بين كل الأطراف العراقية، وأن حل المشاكل في بغداد قد يدفع إلى حل المشاكل في الإقليم".
ورغم الاجتماعات والمبادرات الكردية لحل مشكلة منصب رئيس الجمهورية، إلا أن أحزاب إقليم كردستان لم تصل إلى أي نتيجة، حيث يتمسك الاتحاد الوطني الكردستاني بالرئيس الحالي برهم صالح، لكن الديمقراطي الكردستاني يرفضه، ويتمسك بريبر أحمد.
وعلى أرض الواقع، لم يعد هذا المنصب يشغل الأحزاب، بسبب مطالب مقتدى الصدر الأخيرة، التي ألغت جميع المشاريع السياسية السابقة، وباتت تتوجه إلى ما هو أبعد، وتحديداً "إجراء انتخابات جديدة وهيكلة المحكمة الاتحادية ومحاسبة نوري المالكي والميليشيات المسلحة"، وإبعادها عن المشهد السياسي من خلال انتخابات جديدة، وهو ما يتفق معه رئيس تحالف "السيادة" محمد الحلبوسي، وزعيم الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني.