بعد حادثة العريش... ما مصير الموقوفين لدى الأمن الوطني؟

04 اغسطس 2023
حاجز للأمن المصري في العريش، 2018 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تسود في سيناء تخوّفات حقوقية وعائلية من الخطر الذي قد يكون تعرض له الموقوفون نتيجة الاشتباك المسلح الذي وقع يوم الأحد الماضي داخل مقر الأمن الوطني في العريش، وقتل فيه وأصيب عدد من الضباط والعناصر الأمنيين. 

تسريبات ولغط حول حادثة العريش

وتحدثت مصادر حقوقية في سيناء، لـ"العربي الجديد"، عن وجود أكثر من 50 مواطناً مصرياً من سكان محافظة شمال سيناء موقوفين بلا قضية ولا إجراء قانوني صحيح، في مقر الأمن الوطني، ولم يتمكن أحد من زيارتهم أو الوصول إليهم منذ توقيفهم. ومن المعلوم أنه مرّ على بعض هؤلاء الموقوفين أكثر من سنة ونصف سنة رهن التوقيف، وهم أشخاص لهم علاقة بالإرهاب، أو أشخاص على صلة قرابة ببعض عناصر الجماعات الإرهابية الذين قتلوا أو اعتقلوا بغالبيتهم خلال العملية العسكرية التي شهدتها محافظة شمال سيناء العام الماضي. ويضاف إليهم عدد من أنصار جماعة "الإخوان المسلمين"، بالإضافة إلى عدد من تجار المخدرات من سكّان سيناء.  

وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" أن عائلات هؤلاء الموقوفين يعيشون في ظروف نفسية صعبة للغاية، بانتظار معرفة مصير أبنائهم، الذين شاء القدر أن تسلّط قضية إطلاق النار الضوء على قضيتهم، في ظلّ عدم وجود أي اهتمام حقوقي أو إعلامي بهم طيلة الشهور الماضية. 

يوجد أكثر من 50 مواطناً مصرياً من سكان محافظة شمال سيناء موقوفين بلا قضية ولا إجراء قانوني صحيح، في مقر الأمن الوطني

يُشار إلى أن الجهات الأمنية حوّلت كل جثث القتلى والمصابين بإطلاق النار إلى مستشفى العريش العسكري، ولم يُعرف إن كان من بينهم عدد من الموقوفين الذين شاركوا في الاشتباك المسلح داخل المقر. 

وكانت منظمة العفو الدولية قد عرّفت في تقرير سابق لها "قطاع الأمن الوطني" في مصر بأنه جهاز متخصص في ضبط القضايا السياسية وتلك المتعلقة بالإرهاب، ويستخدم بشكل متزايد نمطاً مُحكماً من الاستدعاءات غير القانونية والاستجوابات القسرية، التي ترقى إلى المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فضلاً عن إجراءات المتابعة/المراقبة المُفرطة ضد مدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء سياسيين، في محاولة لمضايقتهم وترهيبهم بهدف إسكاتهم، ما يؤدي إلى تدمير حياتهم. 

من جهته، قال الناشط السياسي من سيناء زهدي جواد، لـ"العربي الجديد"، إنها تكاد تكون الحادثة الأمنية الأولى في سيناء التي لم نفهم ما الذي جرى فيها وكيف حصل، وحجم الخسائر الحقيقية. ولفت إلى أنه "حتى في الفترة التي كان تنظيم داعش نشطاً فيها بسيناء، كان الجميع يعرف بالهجوم ومكانه وطبيعته وحجم الخسائر ولو بشكل جزئي".

لكنه أشار إلى أنه "في حادثة الأمن الوطني التي باتت سيرةً على لسان كل مواطن في سيناء، لا سيما أنها جاءت في ظلّ الهدوء الأمني النادر الذي وصلت إليه محافظة شمال سيناء بعد 10 سنوات متتالية شهدت جولات وعمليات لا تنتهي بين قوات الأمن والتنظيم الإرهابي، إلا أن أيا من الجهات الحكومية أو الأمنية لم تكلّف نفسها لكي توضح للمواطن ما الذي جرى، لا سيما في ما يتعلق بمصير الموقوفين في زنازين الأمن الوطني منذ شهور بل سنوات".

تناقض الروايات 

وحول عدم صدور رواية رسمية لوقائع الحادثة، كشفت مصادر مصرية، لـ"العربي الجديد"، عن ملابسات جديدة بشأن ما حصل داخل مقر الأمن الوطني، رغم وقوعه في منطقة حصينة من الناحية الأمنية، حيث تضم مقار الاستخبارات العامة والأمن المركزي ومديرية أمن شمال سيناء وديوان عام المحافظة. وأشارت المصادر إلى أن حالة التكتم الرسمي وعدم صدور بيانات من الجهات المختصة بشأن الواقعة جاءا بسبب تقديرات أمنية مرتبطة بضرورة عدم الكشف عن أي تفاصيل قد تفتح مسارات أمام العناصر الإرهابيين، الذين لا يزالون موجودين في المحافظة ولم يجرى القضاء عليهم بشكلٍ كامل.

جرى التعامل مع الواقعة باعتبارها عرضية داخل منطقة عسكرية

وأضافت المصادر أنه جرى التعامل مع الواقعة باعتبارها عرضية داخل منطقة عسكرية، مضيفةً أن مثل تلك الأحداث عادة لا تُنشر أخبار بشأنها لتجنب الإضرار بخطط تأمين تلك المناطق. لكن وجهة نظر أخرى تتساءل حول الأسباب التي تجعل من هذه الحادثة محاطة بكل هذا اللغط من المصادر الأمنية المختلفة، وبسيل من التسريبات والمعلومات والأخبار بشكل مباشر وغير مباشر. 

ورداً على ذلك، نفى مصدر مطلع أن يكون مقر الأمن الوطني تعرض لهجوم من خارجه، مؤكداً أن الحادث جاء نتيجة هجوم أحد المحتجزين الخاضعين للتحقيق في مقر الأمن الوطني على فرد أمن والاستحواذ على سلاحه الآلي وإطلاق النار بشكل عشوائي تجاه العناصر الأمنيين.

وأضاف المصدر أن الهجوم "صاحبته حالة من الفوضى داخل المقر، واستنفار كافة القوات الشرطية والعسكرية في محيطه"، مشيراً إلى أن هناك لغطا واسعا يسود داخل الأجهزة الأمنية والسيادية العاملة في سيناء بشأن الواقعة، لأسباب لها علاقة باعتراض بعض الأجهزة على إدارة الأوضاع الأمنية في سيناء. 

وحول هذا الموضوع، قال المصدر إن مسؤولين في أحد الأجهزة السيادية رفعوا أخيراً توصية بمراجعة موقف التعامل مع رئيس اتحاد القبائل إبراهيم العرجاني، والعناصر التابعة له في شمال سيناء، رافضين حجم الصلاحيات المطلقة الممنوحة له والتي تفوق الصلاحيات الممنوحة لأجهزة الدولة نفسها بحد تعبير المصدر، في حين يظهر للعيان في سيناء وخارجها القوة التي يتمتع بها العرجاني في مصر بحكم العلاقة التي تربطه بوكيل المخابرات العامة محمود عبد الفتاح السيسي، والتي امتدت من قتال تنظيم "داعش" إلى المشاريع الاقتصادية الكبرى في كل أنحاء مصر. 

المساهمون