برنامج طهران الفضائي العسكري: عنوان خلافي آخر مع الغرب 

27 سبتمبر 2023
أطلق الحرس الثوري قمراً اصطناعياً عسكرياً جديداً إلى الفضاء (الأناضول)
+ الخط -

أطلق الحرس الثوري الإيراني، اليوم الأربعاء، قمراً عسكرياً جديداً يحمل عنوان "نور 3" إلى الفضاء، هو الثالث من نوعه خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مشيراً إلى أن القوة الجو-فضائية للحرس قد وضعت القمر عبر صاروخ "قاصد" بـ"نجاح" في المدار، على بعد 450 كيلومتراً من الأرض.

وخلال العقد الأخير، أضيف برنامج إيران الفضائي إلى عناوين الخلاف والتوتر مع الغرب، وسط اتهامات أميركية وأوروبية لطهران بالسعي إلى تطوير صواريخ باليستية "قادرة على حمل رؤوس نووية" من وراء أنشطتها الفضائية. وتنفي إيران باستمرار هذه الاتهامات مع تأكيد حقها في ممارسة هذه الأنشطة، معتبرة أن برنامجها الفضائي من خطوطها الحمراء.

وعلى مدى العقد الماضي، أطلقت إيران أقماراً اصطناعية عدة قصيرة المدى في المدار، وفي العام 2013، أرسلت قرداً إلى الفضاء. لكن البرنامج واجه سلسلة من الانتكاسات، حيث شهد خمس عمليات إطلاق فاشلة على التوالي للصاروخ "سيمرغ"، القادر بدوره على حمل أقمار اصطناعية، إلا أن أقمارها العسكرية نجحت في الوصول إلى المدارات المحددة وفق إعلانات "الحرس الثوري".

عن مواصفات قمر "نور 3" العسكري، يقول الخبير العسكري الإيراني مهدي بختياري لـ"العربي الجديد"، إن مهمته هي التصوير، مضيفاً أنه "لم تُنشر بعد تفاصيل أخرى عن القمر، وعلينا أن ننتظر حتى تنشر الصور والمعلومات".

البرنامج الفضائي العسكري

يعود البرنامج الفضائي الإيراني بالأساس إلى ما قبل الثورة الإسلامية في العهد البهلوي السابق، حيث انطلقت أنشطة إيران الفضائية عام 1960، لكنها كانت تقتصر على الأبعاد الحقوقية لا الفنية، مثل المشاركة في تأسيس لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية، ومن ثم الانضمام إلى الاتحاد الدولي للاتصالات (أي.تي.يو)، والتوقيع على معاهدة الفضاء الخارجي عام 1968.

تطوّر البرنامج الفضائي الإيراني بعد الثورة بشكل أساسي، ودخل المرحلة العملياتية التنفيذية. والبرنامج الفضائي بطبيعة الحال لديه طابعان، مدني وعسكري، وهو "محلي الصنع بالكامل"، حسب السلطات الإيرانية.

كما أن البرنامج الفضائي المدني الإيراني له شق عسكري أيضاً مرتبط بالصاروخ الذي يحمل القمر إلى الفضاء، وتتعاون وزارة الدفاع الإيرانية والقوات الجو-فضائية للحرس في صناعة الصواريخ الحاملة للمركبات الفضائية المدنية الإيرانية إلى المدار.

فضلاً عن ذلك، هناك برنامج فضائي عسكري إيراني، يقوده الحرس الثوري الذي أدرجته الإدارة الأميركية السابقة في الثامن من إبريل/ نيسان 2019 ضمن قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وشملته خلال العقود الأخيرة مختلف أنواع العقوبات الأميركية. لدى الحرس برنامج جو-فضائي متكامل، يتابعه عبر سلاح الجو-فضاء أو القوات الجو-فضائية، وذلك إلى جانب القوتين البرية والبحرية، وقوات "الباسيج".

أهداف البرنامج الفضائي العسكري

عن أهداف إيران وراء تدشين برنامج عسكري فضائي، يقول الخبير بختياري في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن القوات المسلحة في العالم، "من دون الوصول إلى الفضاء والتقنيات الفضائية، تبقى مهماتها غير مكتملة وناقصة"، مضيفاً أن أحد الأهداف هو القيام بـ"التصوير البصري عالي الجودة، ذي قدرات الفرز والتشخيص العالية".

ويشير بختياري إلى أن الأقمار الاصطناعية العسكرية لها استخدامات أخرى أيضاً في الاتصالات، وإرسال التعليمات العسكرية، والبيانات، إلى مسافات أبعد من دون تأخر، فضلاً عن دورها في توجيه القطع البحرية، والمسيّرات، والصواريخ، وتتبع المواقع والأماكن.

ويضيف أن "ثمة حاجات مماثلة في القطاع المدني الفضائي، لكن يمكن تأمينها من خلال الأقمار الاصطناعية الأجنبية بتكاليف كبيرة"، مؤكداً أن "ذلك غير ممكن في القطاع العسكري الفضائي".

ويشير في السياق إلى وجود عقبتين أمام إيران، الأولى تتمثل في العقوبات الأميركية المشددة عليها، والثانية هي أنه "من غير المنطقي تلقي المعلومات الفضائية العسكرية من الخارج لتنفيذ مهمات عسكرية".

وعليه، يوضح الخبير بختياري أن القوات المسلحة الإيرانية دخلت في مجال الفضاء لـ"تأمين حاجاتها"، قائلاً إن سلاح الجو-فضاء في الحرس الثوري الإيراني يتولى مسؤولية ذلك من خلال قيادة الفضاء.

ويتحدث بختياري عن "برامج طويلة الأمد للحرس في مجال الفضاء للوصول إلى مدار "جي إي أو"، وهو مدار الأرض المتزامن مع الأرض.

إنّ برنامجاً فضائياً للحرس الثوري الإيراني كان من أهم ما يسعى إلى تحقيقه "أبو الصواريخ الإيرانية"، الجنرال حسن طهراني مقدم، الذي قُتل في "انفجار" في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، داخل موقع عسكري على بعد 50 كيلومتراً من غرب العاصمة طهران. وكتبت صحيفة "إيران" الرسمية، في تقرير في 26 يناير/ كانون الثاني 2022 أن طهراني مقدم في آخر مشروعه كان يعمل على صناعة صاروخ حامل للأقمار الاصطناعية، يعمل في أربع مراحل بالوقود الصلب، مشيرة إلى أن الصاروخ كان يحمل اسم "قائم"، وكان قطر وطول مرحلته الأولى 3.5 و20 متراً على الترتيب.

وتضيف الصحيفة أن البرنامج الفضائي للحرس بعد مقتل طهراني مقدم، "شهد توقفاً في الجزء المرتبط بالصواريخ الحاملة للأقمار"، لافتة إلى أن النشاط في هذا الجزء استؤنف بعد ستة أشهر، وبحسب القائد العام السابق للحرس الجنرال محمد علي جعفري، فإن المشروع الذي كان يسعى إليه طهراني مقدم "وصل إلى النتيجة بفضل متابعات لبقية المتخصصين بالحرس". علماً أن البرنامج الفضائي العسكري الإيراني الذي يتبناه "الحرس الثوري" يهدف إلى وضع أقمار اصطناعية في مدارات أبعد من 500 كيلومتر عن الأرض.

النشاط العسكري الفضائي الإيراني يكتنفه غموض شديد، وعلى عكس تجارب إيران في مجال إطلاق الأقمار الاصطناعية المدنية، والتي ترصدها الأقمار الاصطناعية الغربية، وتكشف عنها وسائل إعلام غربية أحياناً حتى قبل إجرائها، فإن التجارب الفضائية التي نفذها "الحرس الثوري" الإيراني لم يسبق أن تم الإعلان عنها مسبقاً من قبل مصادر غربية قبل تنفيذها.

أول المؤشرات العلنية على النشاط الفضائي العملياتي للحرس الثوري الإيراني، ظهرت في فبراير/ شباط 2020، بعدما أزاحت القوات الجو-فضائية التابعة له الستار عن محرك "سلمان" الفضائي الذي يعمل بالوقود الصلب، والمستخدم لصواريخ حاملة للأقمار الاصطناعية إلى الفضاء.

واللافت أن محركات الصواريخ الحاملة للأقمار الاصطناعية الإيرانية المدنية كلها تقريباً تعمل بالوقود السائل، لكن الصواريخ التي ينتجها الحرس لحمل الأقمار إلى الفضاء، محركاتها تقريباً تعمل بالوقود الصلب، وهو الأقوى.

وفي السياق، يؤكد بختياري أن الحرس الثوري الإيراني يعمل على إرسال الأقمار الاصطناعية في المستقبل من خلال صواريخ "قائم" المتطورة، مشيراً إلى أن إيران وضعت أقمارها الثلاثة حتى الآن في المدار من خلال صواريخ "قاصد"، لكن صواريخ "قائم" أكثر تطوراً منها.

ويستمرّ الجدل بين طهران والغرب بشأن البرنامج الفضائي الإيراني بشقيه المدني والعسكري، إذ تتوالى البيانات المنددة مع كل تجربة إيرانية لإطلاق أقمار اصطناعية، من الولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية الثلاث الشريكة في الاتفاق النووي (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا).

وتتهم هذه الأطراف الغربية طهران بأنها تسعى من خلال هذا البرنامج، إلى تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، معتبرة أنها بذلك "تنتهك الاتفاق النووي والقرار 2231" المكمل له، والصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015. غير أن إيران في المقابل ترفض هذه الاتهامات، وتؤكد أن تجاربها الفضائية المتمثلة في إطلاق الأقمار لا تنتهك الاتفاق والقرار، وأنها ليست بصدد إنتاج صواريخ باليستية تحمل رؤوساً نووية.

خلال عام 2022، وقعت حوادث وفاة مشكوك فيها لعاملين في المجال الجو-فضاء في البلاد، فيما وُجّهت أصابع الاتهام باتجاه إسرائيل ودورها في هذه الحوادث. اثنان منهم قُتلا يوم الأحد من الأسبوع الماضي، في حوادث "أثناء تأدية المهام"، أحدهما الضابط بالحرس الثوري علي كماني، في المحافظة الوسطى، والثاني الموظف في وزارة الدفاع الإيرانية محمد عبدوس في مدينة سمنان.

كذلك، فقد توفي شخص ثالث في 30 مايو/ أيار 2022 "تسمماً" في مدينة يزد، هو عالم الجو-فضاء أيوب انتظاري، وسط روايات متضاربة بشأن مكانته وسبب وفاته، وترجيحات بتعرضه للاغتيال، إذ كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حينها، نقلاً عمّن وصفته بأنه "مسؤول إيراني"، أن هناك اعتقاداً بأن انتظاري وعالماً نووياً إيرانياً آخر يدعى كامران ملابور، تعرضا لاغتيال من قبل إسرائيل بتسميم طعامهما.

في غضون ذلك، زعم حينها موقع "تايمز أوف إسرائيل"، أن ضابط جو-فضاء آخر بالحرس الثوري الإيراني يدعى وهاب فرامزيان قد توفي، لكن لم يرد نبأ عن ذلك عبر وسائل الإعلام الإيرانية، كما لم يعلن الحرس عن ذلك.

يذكر أن هناك أربع قواعد فضائية في إيران، اثنتان منها دخلتا الخدمة وهما تعملان في الوقت الراهن، وثالثة قيد البناء، ورابعة يتم تحديثها وتطويرها بعد وقف العمل فيها. أهم القواعد الفضائية الإيرانية هي قاعدة سمنان الفضائية التابعة لوزارة الدفاع، على بعد 220 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة الإيرانية، ثم قاعدة شاهرود الجو-فضائية التابعة لقوات الجو-فضاء للحرس الثوري الإيراني. ولا توجد معلومات رسمية عن هذه القاعدة، ويقال إن الحرس يطلق أقماره الاصطناعية عبرها.

المساهمون