يعيش اليمن أزمة سياسية غير مسبوقة منذ انقلاب جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، حيث تسبب الانقلاب بتعطيل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة الأولى في البلد، والمتمثلة بمجلس النواب الذي انقسم إلى مجلسين، الأول تابع للشرعية وبأغلبية الأعضاء، والثاني تابع للحوثيين في صنعاء.
يأتي ذلك كانعكاس للوضع القائم في اليمن، والذي يتقاسمه رئيسان هما رئيس "مجلس القيادة الرئاسي" رشاد العليمي، ورئيس "المجلس السياسي" التابع للحوثيين، مهدي المشاط. كما يتقاسم اليمن حكومتان، واحدة برئاسة معين عبد الملك، فيما يرأس عبد العزيز بن حبتور تلك التابعة للحوثيين.
الحرب في اليمن عطّلت البرلمان
وساهمت الحرب التي اندلعت نهاية مارس/آذار 2015، هي الأخرى في تعطيل عمل البرلمان. وكان الحوثيون كشفوا عن إعلانهم الدستوري في 6 فبراير/ شباط 2015، وقاموا بموجبه بحل البرلمان، فيما تداعى البرلمانيون المؤيدون للشرعية - وهم الأغلبية - للملمة ما تبقى من البرلمان وعقدوا جلستين له فقط، كانت الأولى في إبريل/ نيسان 2019 وفيها تم انتخاب هيئة رئاسة جديدة للبرلمان، واختيار رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "المؤتمر الشعبي العام" الشيخ سلطان البركاني رئيساً لمجلس النواب، فيما اختير عبد العزيز جباري ومحسن باصرة ومحمد الشدادي نواباً للبركاني.
أما الجلسة الثانية فكانت في إبريل 2022 في عدن، وكانت مخصصة لإضفاء الشرعية ومنح الثقة لـ"مجلس القيادة الرئاسي" الذي تشكل بقيادة العليمي، خلفاً للرئيس السابق عبدربه منصور هادي.
وأمام حالة الغياب والتغييب التي يعاني منها مجلس النواب اليمني، كانت هناك محاولات خجولة لإنعاشه، حيث دعت هيئة رئاسة المجلس أعضاء البرلمان إلى عقد جلسة عبر منصة "زوم" الأحد الماضي، قبل أن تقول إنها عبارة عن لقاء تشاوري حول عدد من القضايا.
ويُعد مجلس النواب اليمني هو الأطول عمراً في العالم، حيث يبلغ عمره أكثر من 20 عاماً، وكانت آخر انتخابات برلمانية في اليمن هي تلك التي أجريت في 27 إبريل 2003.
2003 شهد آخر انتخابات برلمانية في اليمن
وقد أجريت ثلاثة انتخابات تشريعية منذ قيام الوحدة في 22 مايو سنة 1990، الأولى كانت في العام 1993، والثانية في العام 1997، والثالثة في العام 2003. وخلال تلك الفترة تم تعديل الدستور من قبل المجلس ثلاث مرات أيضاً، كما تم إصدار مجموعة كبيرة من القوانين تمثل الأساس والقاعدة التشريعية لدولة الوحدة.
ويعتبر مجلس النواب السلطة التشريعية في نظام الجمهورية اليمنية ويتم انتخاب أعضائه من قبل الشعب في انتخابات عامة بصورة حرة ومباشرة. ووفقاً لذلك فقد تم تقسيم الجمهورية إلى 301 دائرة تمثل مجموع أعضاء مجلس النواب. كما كانت مدة مجلس النواب محددة بـ4 سنوات، غير أن تعديلات دستورية عدّلت الفترة الزمنية إلى 6 سنوات.
وكان يُفترض أن تقام انتخابات برلمانية في إبريل 2009، لكن أحزاب البرلمان ممثلة بالمؤتمر الشعبي العام الحاكم، وأحزاب تحالف اللقاء المشترك المعارض (للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح)، وقعت اتفاقاً في فبراير 2009 نص على تعديل المادة 65 من الدستور الخاصة بفترة المجلس التشريعي (مجلس النواب) المحددة بست سنوات حسب منطوق المادة.
وسمح هذا التعديل بتمديد بقاء المجلس لعامين إضافيين، يتم خلالها تنفيذ عدد من الإصلاحات السياسية، وإدخال بعض التعديلات الدستورية والقانونية بمقاربة توفق بين مطالب المعارضة ورؤية السلطة لتلك الإصلاحات.
ولاحقاً، وفقاً للاتفاق بين الأحزاب اليمنية كان من المفترض أن تقام الانتخابات البرلمانية في إبريل 2011، لكن شهر فبراير من العام نفسه شهد اندلاع الثورة الشبابية الشعبية، التي أدخلت البلد في وضع يصعب فيه إجراء الانتخابات، لتأتي على أثر الثورة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتؤجل موعد الانتخابات إلى العام 2014.
معظم أعضاء البرلمان اليمني في الشتات
من جانبه قال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "التجمع اليمني للإصلاح" عبد الرزاق الهجري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هيئة رئاسة البرلمان التي انتخبت في 2019 هي الشرعية، وقد اعترف بها البرلمان الدولي، وتم اختيارها بجلسة موافقة للدستور والقانون، وهي مستوفية للنصاب القانوني.
وأضاف: "كنا نأمل أن يستمر انعقاد جلسات المجلس، لكن لا يوجد مقر دائم للمجلس، ومعظم أعضائه في الشتات، ولا يستطيع الانعقاد ما لم تتعاون السلطة التنفيذية، وكذلك الأمن من خلال تأمين الجلسة، وهذا اختصاص الحكومة وليس بيد مجلس النواب في الوقت الراهن".
الهجري: غياب مجلس النواب أدى إلى تفاقم حالات الفساد والفوضى
ولفت الهجري إلى أن "مجلس النواب خاطب مجلس القيادة (الرئاسي) أكثر من مرة بضرورة تهيئة الظروف لانعقاد مجلس النواب في عدن أو أي محافظة أخرى". وقال إن "غياب المجلس كمؤسسة تشريعية ورقابية أدى إلى تفاقم حالات الفساد والفوضى في الأداء الحكومي، وتسبب بعمل خارج الدستور والقانون"، وهو ما أثر سلباً على الأداء العام للدولة، وعلى مواردها وسمعتها لدى المنظمات الدولية، بحسب تعبيره.
وفي وقت اعتبر أن مؤسسات الدولة تكمل بعضها بعضاً، أشار الهجري إلى أن المجلس كلّف مجموعة من اللجان البرلمانية لتقصي الحقائق حول أكثر من ملف، داعياً من وصفهم بالإخوة في السلطة التنفيذية لتهيئة الظروف المناسبة لانعقاد المجلس ليقوم بدوره، باعتباره شريك في دعم الحكومة ومساندتها "يراقب أداءها، ويحاسب المقصرين منها".
وقال الهجري إن البرلمانيين اتفقوا في لقاء تشاوري عُقد أخيراً "على مخاطبة الحكومة حول جملة من القضايا المتعلقة بالخدمات، وإيقاف الانهيار الاقتصادي، وتدهور العملة، ومعالجة الجرحى، ومعالجة أوضاع المواطنين في مجال الكهرباء، والخدمات المختلفة، ومكافحة الفساد".
ولفت إلى أن مؤسسات الرقابة شبه غائبة، معتبراً أن "غياب الهيئة العامة للرقابة على المناقصات، وعدم إعادة تشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد ساهما في الفساد الموجود".
بدوره، قال عضو الكتلة البرلمانية لحزب "التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري" عبد الله المقطري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "شرعية ومشروعية البرلمان في ممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية قائمة وفقاً لنصوص الدستور، وتحديداً المادة 65 منه، ويعتبر البرلمان هو السلطة الشرعية التي لم يحدث لها أي تعديل أو تغيير قسري باعتبارها منتخبة من الشعب".
وعزا المقطري غياب دور البرلمان منذ بدء الحرب إلى العديد من العوامل "التي أعاقت البرلمان عن القيام بدوره بثورة فاعلة، منها انقسامه بداية الحرب".
ولفت إلى أنه "بحكم أن الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام هي الأكبر، ظل معظمها في صنعاء ملتزمة بموقف الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لكن بعد مقتل الأخير خرج معظم أعضاء الكتلة من العاصمة، وكان من الضروري إعادة ترتيب المجلس، وانتخاب هيئة رئاسة جديدة له".
الرقابة المتاحة للبرلمان اليمني عبر لجان تقصي الحقائق
وقال إنه "لولا ضغط ودعم الأشقاء في السعودية لعقد المجلس جلساته لم يكن للمجلس أن ينعقد وأن يقوم بدوره المناط به دستورياً". وأضاف أنه في وقت بدأ أولى جلساته في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن "إلا أن المجلس بعد ذلك لم يستمر بنفس الزخم والفاعلية، الذي يتحقق من خلال عقد جلساته من على الأرض اليمنية، ووفقاً للإجراءات الدستورية، وقانون لائحة مجلس النواب".
المقطري: يوجد خلافات واختلافات داخل الشرعية والقوى المحسوبة عليها
ويعود ذلك، بحسب المقطري، "لعدة أسباب منها ما يتعلق بالخلافات والاختلافات داخل الشرعية والقوى المحسوبة عليها".
واعتبر المقطري أن "غياب دور البرلمان في الرقابة المباشرة على مجمل نشاط السلطة التنفيذية قد تم استغلاله من قبل الحكومات المتعاقبة، وسلطات الشرعية، لممارسة العديد من المخالفات الدستورية والقانونية، وانتشار الفساد، وإهدار المال العام".
وأضاف أنه "بالرغم من ذلك فإن البرلمان يقوم بما هو متاح له من الرقابة من خلال تشكيل لجان خاصة للقيام بتقصي الحقائق حول وقائع معينة، رغم الظروف الصعبة التي واجهت عمل تلك اللجان". ولفت إلى أن آخر هذه اللجان كانت "لجنة تقصي الحقائق حول المخالفات في قطاعات الكهرباء والنفط والمالية والاتصالات، والتي أصدرت (الشهر الماضي) تقريراً أثار جدلاً بين المجلس والحكومة (حكومة معين عبد الملك)".
ولفت المقطري إلى أنه "لا يوجد مانع دستوري ولا قانوني يمنع المجلس من عقد جلساته الاعتيادية، وممارسة مهامه وصلاحياته من على الأرض اليمنية، لا من خارجها، عبر أي وسيلة، لأن ذلك (عدم انعقاده) هو ما يخالف الدستور وقانون لائحة مجلس النواب".