بذريعة الاحتفالات الدينية.. هكذا اعتدى المستوطنون على أهالي الخليل وممتلكاتهم ومقدساتهم

20 نوفمبر 2022
المستوطنون أثناء احتفالاتهم الصاخبة في البلدة القديمة (Getty)
+ الخط -

زجاجات خمور في كل الأزقة، ملابس وأحذية مرمية على جوانب الطرقات، عشرات المركبات بلا إطارات، ومثلها بيوت بلا أبواب أو نوافذ، محلات تجارية تم تحطيم أبوابها وتخريب ما فيها والاعتداء على أصحابها؛ هكذا بدا حال البلدة القديمة في الخليل بعد استباحة أكثر من 50 ألف مستوطن أحياءها في البلدة القديمة بذريعة ما يسمى الاحتفال بـ"سبت سارة"، الذي شهد احتفالات راقصة في باحات المسجد الإبراهيمي، واعتدى المستوطنون خلالها على سكّان أحياء البلدة القديمة في الخليل يومي الجمعة والسبت الماضيين.

سكان حارات البلدة القديمة كانوا على موعد مع يومين وليلتين من العقاب الجماعي بكل أنواعه، إذ عاش سكان حارات واد الحصين، وحارة جابر، وتل ارميدة وحارة السلايمة، 48 ساعة من اعتداءات المستوطنين عليهم وعلى ممتلكاتهم تحت غطاء الاحتفال الديني.

المسجد مغلق لاحتفالات المستوطنين

عصر الجمعة الماضي، بدأ المستوطنون بالتوافد إلى مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي أهالي الخليل شرقاً، وشرعوا في اقتحام المسجد الإبراهيمي ومحيطه بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، ليطلقوا حينها العنان لأصوات الأغاني الصاخبة في المسجد ومحيطه بمسوّغ "سبت سارة". آلاف المستوطنين توافدوا للرقص والغناء والأكل في باحات المسجد الإبراهيمي، بعد أن أغلقه الاحتلال بوجه المسلمين من عصر يوم الجمعة وحتى التاسعة من مساء يوم السبت، كما يروي مدير المسجد الإبراهيمي غسان الرجبي لـ"العربي الجديد".

ويضيف الرجبي أن إدارة المسجد دخلته أمس الساعة 9 مساءً، بعد انتهاء المستوطنين من أداء ما يدعون أنها طقوس دينية، ووجوده مليئاً بالقمامة ومخلفات الطعام والزجاجات الفارغة والأحذية والملابس التي تفوح منها رائحة المشروبات الكحولية.

ويسعى الاحتلال للتضييق على سكان محيط المسجد الإبراهيمي من خلال تقييد حركتهم في الوصول إلى المسجد أو إلى بيوتهم قبل أسبوعٍ من بدء أي مظاهر احتفالات دينية لهم، عبر نشر عددٍ أكبر من الجنود ونصب الخيام تمهيداً لاستقبال المستوطنين من خارج الخليل كما حصل خلال اليومين الماضيين.

يشرح بدر الداعور، وهو أحد أصحاب المحلات التجارية على مدخل البلدة القديمة، لـ"العربي الجديد"، أن الخسائر التي لحقت بهم كانت على الصعيدين "المادي والمعنوي"؛ مادياً من خلال اقتحام المستوطنين بالعصي عبر تكسير أبواب ونوافذ المحلات، بما فيها من ممتلكات وبضاعة، وخسائر معنوية باستفزاز مشاعر الناس جراء شتم النبي محمد وشتم عائلاتهم بعبارات سوقية؛ "بهدف دفع الناس لمواجهة المستوطنين، تمهيداً لاعتقالهم وإغلاق محلاتهم".

واللافت في هذه الاقتحامات هو "تقاسم الدور الوظيفي"، كما سماه الداعور، بين الجندي الإسرائيلي والمستوطن، من خلال مساومة الناس على الاعتذار مقابل عدم الاعتقال، قائلاً: "قوات الاحتلال اعتقلت المواطن رامي الجعبري بعد أن ردّ على مستوطن شتم أهله واقتحم محله وألقى فيه المخلفات والزجاجات الفارغة.. وطلب جنود الاحتلال من الجعبري الاعتذار للمستوطن أمام الناس وهذا ما رفضه الجعبري وأدى لاعتقاله".

أهالي البلدة القديمة: "تُركنا وحدنا"

لم تتوقف اعتداءات المستوطنين على سكان منطقة واد الحصين شرقي المدينة القديمة في الخليل، تحديداً منذ عملية الشهيد محمد كمال الجعبري، التي وقعت في التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي، عبر تكسير زجاج منازل السكان وإعطاب إطارات مركباتهم عند نهاية كل أسبوع، إلا أن حجم الاعتداء خلال اليومين الماضيين كان أكبر مقارنة بعدد المستوطنين المقتحمين، كما يبيّن أحد سكان منطقة واد الحصين، محمد جابر، الذي شكا، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، من ضعف الدعم لسكان المنطقة، قائلًا: "الدعم تحت صفر.. ما اتصل علينا حدا إلا الصحافة، والباقي وعدنا وما عمل إشي".

وتابع جابر: "الجيش يمارس مسرحية مع المستوطنين من خلال حمايتهم عند الهجوم على منازلنا، وإذا خرجنا للدفاع عن أنفسنا، يتدخل الجيش ويهددنا بالاعتقال إذا لمسنا قميص المستوطن أو الجندي".

وأكد: "نهائياً لا يوجد دعم من الجهات الرسمية، من يقول إنه يدعم صمودنا كذاب، ولم يتصل بنا أحد سوى الصحافيين".

في السياق ذاته، استيقظ صباح اليوم عماد أبو شمسية، أحد سكان منطقة تل ارميدة والناشط في تجمع حقوق الإنسان، على مئات الزجاجات الكحولية على أعتاب منزله، بعد أن قضى أكثر من ألف مستوطنٍ ليلهم بالسُكر والرقص قرب سطح منزله الذي حاولوا اقتحامه ولم يستطيعوا جراء وجود شبك حديدي يحمي المنزل منهم، ما دفعهم لإلقاء قنابل الصوت، بدعمٍ من جيش الاحتلال، الذي كان يقف لحمايتهم وهم يهددون أسرة أبو شمسية بالقتل والتهجير.

وتابع: "المستوطنون اقتحموا باب الزاوية وشارع الشلالة ووادي الغروس ووادي الحصين، وحارة جابر وشقوا طريقاً في تل ارميدة قبل عدة أيام تمهيداً للاقتحامات التي طاولت الأماكن الأثرية الفلسطينية في المنطقة، والليلة تركوا مخلفاتهم وغادروا المكان صباحاً".

وفي سؤال لـ"العربي الجديد" عن أي دعمٍ رسمي وشعبي لسكان المنطقة، أوضح أبو شمسية: "للأسف تُركنا وحدنا في المناطق المغلقة، ندافع عن أنفسنا وحدنا".

انتهاكات بلا توثيق

تواصل "العربي الجديد" مع مدير دائرة التوثيق في محافظة الخليل ثائر هديب، الذي أشار إلى عدم وجود رقمٍ إحصائي لمجمل انتهاكات الاحتلال خلال اليومين الماضيين، مبيناً أن المستوى الرسمي بالمحافظة يرى أن سلوك المستوطنين باقتحام المسجد الإبراهيمي وترك مخلفاتهم فيه مؤشرٌ خطير، وأنهم يتوقعون مرحلة قادمة أسوأ على المحافظة وبلدتها القديمة نتيجة وصول حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، حسب تعبيره.

ويحاول الاحتلال مسابقة الزمن للتوسع الاستيطاني في الخليل القديمة منذ سيطر عليها عام النكسة 1967، إذ سارع المستوطنون حينها إلى بناء مستوطناتهم بمناطق محاذية للمسجد بذرائع دينية تحت إطار "وجود قبور لأنبياء اليهود في المسجد"، وتوالت الاعتداءات إلى أن بلغت ذروتها في مذبحة باروخ غولدشتاين بحق المصلين المسلمين فجر الجمعة 25 فبراير 1994، إلى أن وقعت السلطة الفلسطينية على "بروتوكول الخليل 1997" والذي أعطى حقاً لليهود بتقاسم المسجد الإبراهيمي مع المسلمين، وشرعنة "طقوسهم" بحجة الاحتفالات الدينية.

المساهمون