حملة "بدنا نعيش" في غزة: أسئلة الأخطاء الأمنية وصمت "حماس"

20 مارس 2019
حملة "بدنا نعيش" شعاراتها الفقر والغلاء (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -
تتجه الأنظار مجدداً نحو غزة بعدما أعلن الحراك الشعبي "بدنا نعيش" إضراباً شاملاً في مناطق القطاع كافة، اليوم الأربعاء وغداً الخميس، لمعرفة المسار الذي ستتخذه الاحتجاجات وما إذا كانت القوات الأمنية في القطاع ستكرّر أخطاء التعاطي الأمني العنيف مع المتظاهرين، على غرار ما حصل قبل أيام. وأكد الحراك في بيان وصل إلى الصحافيين أمس الثلاثاء، أنّ "الحراك مستمر بدون تراجع، لإرغام حماس على الاستجابة للمطالب العادلة لأبناء شعبنا (حرية، عيش، كرامة)". ودعا إلى ضرورة التجمّع في كل الميادين والساحات، وفي الشوارع والحارات في تمام الساعة الرابعة عصراً من كل يوم. كما طالب بالتجمع في مناطق القطاع كافة والهتاف والتهليل والطرق على الأواني والأنابيب، في الساعة الثامنة مساءً من كل يوم.

وتسود حالة من الترقّب لمعرفة كيفية التعاطي الأمني مع التحركات اليوم وغداً، خصوصاً بعد أن ذكرت قناة "الأقصى" التابعة لـ"حماس"، نقلاً عن من وصفتها بمصادر أمنية في غزة، أنّ "أجهزة أمن السلطة (الفلسطينية) وضعت مخططاً أمنياً إعلامياً بالتنسيق مع جهات دولية وبتمويل مفتوح، يستهدف غزة وحركة حماس محلياً وإقليمياً ودولياً"، مضيفةً أنّ "قيادات أمنية رفيعة المستوى، وشخصيات من حركة فتح من أعضاء اللجنة المركزية، تشرف على المخطط الأمني الإعلامي ضدّ غزة وحماس". وتابعت المصادر أنّ "المخطط الأمني الإعلامي يبدأ بمواقع التواصل الاجتماعي وينتهي بحراك ميداني"، موضحةً أنّ "تنفيذه يتم على أربع مراحل، ومن أهدافه أيضاً ضرب علاقة حماس بفصائل منظمة التحرير".

وكان حراك "بدنا نعيش" قد بدأ بشكل عفوي عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، طارحاً مطالب عامة، تتعلّق بالضرائب المفروضة أخيراً في القطاع المحاصر، وبالغلاء والفقر والبطالة والجوع والعوز. ولم يكن الحراك منذ يومه الأول وحتى الآن يحمل مطالب سياسية، بل اقتصر على المطالب المعيشية والحياتية. كما لم يطالب المحتجون الذين خرجوا للتظاهر في الأيام القليلة الماضية بإسقاط "حماس" ولا المسّ بسلاح المقاومة، كما حاول البعض الترويج. لكنهم قوبلوا بمواجهة عنيفة مبالغ فيها من الأجهزة الأمنية الحكومية ومن عناصر مدنية من حركة "حماس"، وتم تنفيذ اعتقالات طاولت العشرات منهم، ولا يزال بعضهم رهن الاحتجاز.

ووفق شهادات ميدانية لـ"العربي الجديد"، فقد أفرجت الأجهزة الأمنية بشروط عن عشرات المعتقلين بعد ثلاثة أيام من اعتقالهم. ومن هذه الشروط عدم العودة للتظاهر تحت طائلة المسؤولية، فيما ظهرت على بعض الذين خرجوا من السجون علامات الضرب، كما تعرّض جلهم لحلق شعر رأسهم. وفي حين تمّ منع الصحافيين من تغطية الأحداث، منع الحقوقيون كذلك من توثيق الانتهاكات. في مقابل ذلك، غابت تصريحات الأطراف ذات العلاقة لأيام حول الموضوع، قبل خروج تصريحات أمنية مقتضبة عبر قناة "الأقصى"، حول الأحداث ومن يقف خلفها.

وتفتح طريقة معالجة الأجهزة الأمنية وحركة "حماس" للحراك الشعبي الذي سماه القائمون عليه "بدنا نعيش"، أسئلة كثيرة، في ظلّ التعاطي الأمني القاسي مع المتظاهرين، وغياب موقف سريع للحركة التي تدير المشهدين السياسي والأمني في القطاع المحاصر منذ أكثر من اثني عشر عاماً. ويرى البعض أنه كان باستطاعة "حماس" التي تخوض مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي حول تفاهمات الهدوء وكسر الحصار عن القطاع، أن تستغلّ الحراك الجماهيري للضغط على الوسطاء والاحتلال لتسريع التفاهمات وتحصيل "إنجازات" إضافية يمكن أن تحقّق من خلالها مطالب المتظاهرين.

ولم تصدر الحركة بياناً ولا تصريحاً صحافياً صريحاً حول ما جرى مع المتظاهرين، لكنّ جهازها الجماهيري أخرج تظاهرات متزامنة مع الحراك في بعض المناطق، وكاد الاحتكاك بين الطرفين يؤدي إلى مزيد من العنف بين المتظاهرين وأبناء "حماس". وحاول "العربي الجديد" الحصول على تصريحات من قياديين في "حماس" والأجهزة الأمنية حول ما جرى، والاتهامات المتبادلة في هذا الشأن، لكنها لم تنجح. غير أنّ مصادر في الحركة أشارت إلى أنّ "حماس" تدرك أنّ السماح للحراكيين بالتظاهر في ظلّ الخصومة السياسية مع "فتح"، قد يفضي لانفلات أمني لا تحمد عقباه، كما أنها تدرك في المقابل أنّ التعاطي الأمني مع الحدث، بمثابة إشعال له وتحريض للمزيد من المواطنين على الخروج للمشاركة في التظاهرات.

من جهته، وفي تصريح هو الأوّل حول الأحداث، أعلن الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة، إياد البزم، في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، أنّ "الوزارة مع التظاهر السلمي، ولكن استغلال الاحتجاجات لإثارة الفوضى والتخريب والتكسير ورشق الشرطة بالحجارة هو عودة للفلتان الأمني، ولن نسمح به". وذكر البزم أنّ لدى وزارته "معلومات عن ضباط من السلطة في رام الله يبتزون من قُطعت رواتبهم في غزة، ويحرضونهم على إثارة الفوضى مقابل إعادة رواتبهم من قبل السلطة".
وعن التعاطي الأمني القاسي مع التظاهرات، أوضح البزم أنّ "الأجهزة الشرطية والأمنية تعاملت مع الاحتجاجات بعد أن تحوّلت لأعمال تخريب وفوضى، وكانت أمام خيارين، إمّا استمرار حالة الفوضى والعودة بغزة لمربع الفلتان، وإمّا الحفاظ على حالة الأمن والاستقرار". ولفت البزم إلى أنه تمّ الإفراج عن عدد كبير من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية والشرطية، و"الأمور ذاهبة باتجاه الهدوء، وهي هادئة في معظم مناطق قطاع غزة".

ويشير رصد ميداني للأحداث وتسلسلها إلى أنّ الحراك كان من الممكن أن ينتهي في ساعات، إن لم يتعرض له أحد، لكن التعاطي الأمني العنيف زاد من أعداد المشاركين فيه. كما لاحظ "العربي الجديد"، وجود بعض الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي منذ اليوم الأول للحراك، بإعلان أطراف مجهولة وقوع قتلى جراء القمع الذي مارسته قوات الأمن في غزة، إضافة إلى محاولة "خجولة" لتبني الحراك من أطراف في السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، لكن بطريقة غير مباشرة وغير رسمية. كذلك، لم يكن الحراك بمنأى عن محاولات التوظيف، خصوصاً من منسق أعمال الاحتلال في المناطق الفلسطينية كميل أبو ركن، غير أنّ بعض الحراكيين على وسائل التواصل الاجتماعي شنوا هجوماً عنيفاً عليه وعلى قيادات في "فتح" حاولت استغلال الحراك.
المساهمون