اليوم الإثنين، الولايات المتحدة الأميركية على موعد مع حدثين هامين: تصديق المجمع الانتخابي عبر التصويت على نتائج انتخابات الرئاسة، وفي الوقت ذاته وصول أولى شحنات لقاح كورونا إلى المراكز المحددة، حسب الأولوية في الولايات، للمباشرة باستخدامه.
من المفترض أن يكون ذلك بداية النهاية لأزمتي الوباء والانتخابات. احتمال عزز الأمل وأشاع حالة من الانفراج والتفاؤل، لعله يكون إيذاناً بالخروج من دوامة الكابوسين. لكن بتحفظ كبير في أحسن الأحوال. ذلك أن الأمور على الأرض مختلفة. فلا فصول المشكلتين انتهت ولا تداعياتهما التي خلخلت الأوضاع والأنماط السائدة، السياسية والانتخابية والاقتصادية والصحية والاجتماعية الأميركية من أساساتها. وثمة من يذهب إلى حد التنبؤ، في ضوء الضرر الذي وقع حتى الآن، بتعذر العودة إلى ما قبلهما في المستقبل المنظور. وربما الأبعد. خاصة أن عملية الخروج من الأزمتين غير مضمون مسارها، لأن تجربتهما غير مسبوقة وبما يبقي المواجهة معهما مفتوحة على انتكاسات محتملة.
ينطبق ذلك بدرجة أكبر على اللقاح، جوانبه الإيجابية أنه بات متوفراً بدرجة عالية من الفعالية (حوالي 95%) وأن عملية إنتاجه بكميات تجارية انطلقت بكامل قدراتها، على أن تتزايد مع حصول عدد من شركات الأدوية على إجازة تصنيع لقاحها (شركة موديرنا أواخر هذا الأسبوع) وغيرها مثل جونسون أند جونسون وسواها، على الطريق. حسب وزير الصحة، 20 مليون حقنة متوقعة قبل نهاية الجاري و50 مليونا مع أواخر يناير/كانون الثاني المقبل و100 مليون مع مطلع الربيع. ويشير ذلك إلى أنه جرى التغلب على صعوبات توزيع المنتج في ظل حرارة مئة درجة تحت الصفر.
لكن في المقابل، هناك جوانب سلبية كثيرة ومنها ما يهدد المواجهة مع الفيروس ليطيل أمد حضوره ومخاطره. المفارقة الأولى أن نزول اللقاح إلى الساحة لن يقوى على البدء بوقف الاجتياح الراهن في الولايات المتحدة قبل حوالي 3 أشهر بمعدل 3 آلاف حالة وفاة يومياً. بعدها ثمة مشكلة أخرى تهدد عملية التلقيح. حتى الآن، حوالي ثلث الأميركيين لا يعتزم المشاركة فيها. كثرة الحديث عن "سلق" المنتج والاستعجال بتصنيعه "بدوافع سياسية"، أسست للتشكيك بسلامته ومدى فعاليته. وهذا عائق كبير حسب المرجع أنتوني فاوشي، إذ لا بدّ من مشاركة "75% إلى 80% من الجمهور" للحيلولة دون تفشي الوباء. يضاف إلى ذلك، حسب فاوشي أيضاً، أن "وقف انتشار الفيروس غير مضمون حتى بعد التلقيح، في حدود ما نعرفه حتى الآن". وهذا ما زاد من الريبة، لكن من دون أن يقلل ذلك من أهمية اللقاح الذي يمثل خشبة الخلاص المتاح حتى الآن.
الأهمية ذاتها المتحفظة يعطيها المراقبون، لتصويت المجمّع الانتخابي، اليوم الإثنين، والمتوقع أن يحسم بفوز جو بايدن. فهذه المحطة الدستورية فاصلة ولو أن على الكونغرس التصديق عليها في السادس من يناير/كانون الثاني المقبل. "بعدها ينبغي أن تنتهي العملية والمطلوب أن يسلّم الرئيس دونالد ترامب بالأمر ويقوم بتهنئة بايدن"، على حد قول السيناتور الجمهوري المحافظ لامار ألكسندر الذي لم يعترف حتى الآن بفوز بايدن مراعاة للرئيس ترامب.
ملاحظته عشية قرار المجمّع، تشي بأن عدداً من الجمهوريين قد يخرج اليوم عن صمته ليطالب بضرورة طي صفحة الأزمة بعد هذه المصادقة. لكن غالبية التوقعات تستبعد انتقال الرئيس ترامب إلى هذه الضفة، بل ثمة احتمال بحصول تظاهرات لأنصاره في أعقاب هذا التصويت، على غرار ما قاموا به، في اليومين الماضيين، في واشنطن رداً على رفض المحكمة العليا لدعوى تطالب بنقض نتائج الانتخابات في أربع ولايات تطيح بفوز بايدن. كما صدرت في أعقابها تهديدات خطيرة تراوحت بين الدعوة "لانفصال" بعض الولايات وبين التهويل "بإزاحة بايدن بصورة أو بأخرى". لغة إثارة المخاوف ولو جرى تصنيفها في خانة الرد المنفعل في "لحظة فورة غضب".
اليوم الإثنين، سيشهد نقلة نوعية ولو مشوشة، على الجبهتين الانتخابية والصحية. متى تتم ترجمتها المطلوبة، مسألة ثانية محكومة بمدى الاحتكام للدستور واللقاح.