بايدن ينفض يده من حرب غزة بزعم أن حلها عند أصحابها

15 مايو 2021
لا يريد بايدن حرق أصابعه بنزاع لا مخرج له ولا يمكن فرض حل على أصحابه من الخارج (Getty)
+ الخط -

لم يعد سرّاً أن إدارة بايدن اختارت ألّا تتدخل لوقف حرب غزة، وأن تتعاطى معها كواقع متروك ليأخذ مجراه. وكانت الإدارة قد أخّرت جلسة مجلس الأمن بشأن الوضع إلى الأسبوع المقبل، بعد أن عرقلت مطلع الأسبوع الماضي صدور قرار عنه بشأن الموضوع، ولو غير ملزم.

حتى موفدها، صاحب المهمة غير الجدية، أُخِّر وصوله إلى إسرائيل حتى مساء الجمعة. وإمعاناً في التجاهل، وربما الإهانة، خصصت الإدارة مبلغ 10 ملايين دولار للفلسطينيين "لتعزيز السلام" مع إسرائيل، فيما الماكينة الحربية الإسرائيلية تدك قطاع غزة.

وقد اعتمدت إدارة بايدن منذ البداية هذا التوجه، وتبدّى ذلك في خطابها ومستوى انخراطها في النزاع، وعدم مطالبتها حتى الآن بوقف إطلاق النار، فضلاً عن الاكتفاء بتكليف عواصم المنطقة هذه المهمة. وقبل يومين، دعا وزير الخارجية بلينكن إلى وقف إطلاق نار شامل في اليمن، لكن ليس في غزة.

ولعل من التفسيرات أن الرئيس بايدن "لا يريد حرق أصابعه بنزاع لا مخرج له... ولا حل يمكن أن يُفرض على أصحابه من الخارج". وهي ذريعة مزمنة تلطّى خلفها أكثر من رئيس سابق، ليغطي انحيازه إلى إسرائيل، أو يتحاشى المجازفة برأس مال سياسي قد يوظفه خصومه ضده في الانتخابات.

وتبيّن أن بايدن لا يشذّ عن هذه القاعدة، حيث تخفي إدارته هذه النية بالتركيز المتكرر على مقولة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وهي شيفرة إعطاء تل أبيب الضوء الأخضر لمواصلة عملياتها العسكرية.

بهذا الموقف، يلتقي الرئيس عملياً مع موقف الجمهوريين في الكونغرس، الذين قاموا بحملة كاسحة، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، تضامناً مع إسرائيل. وقد شملت جمع تواقيع على بيان يطالب البيت الأبيض بوقف مفاوضات النووي في فيينا، بذريعة أن إيران تزوّد "حماس" بالسلاح والصواريخ المستخدمة ضد إسرائيل. كذلك شنوا حرباً وصلت إلى حد التخوين الضمني، على "الجناح التقدمي" من الديمقراطيين في مجلس النواب، الذي أدانت بعض عناصره عدوانية "دولة الأبارتايد" في إخلاء الفلسطينيين من منازلهم في حيّ الشيخ جراح، "إذ لا يمكننا إدانة صواريخ حماس وتجاهل عنف الشرطة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وإخراجهم من بيوتهم"، كما قال النائب مارك بوكان.

كلام كثير غير اعتيادي من هذا العيار تردد في تغريدات عدد من النواب، ما أثار ردود فعل ناقمة من الجمهوريين، وصل بعضها إلى حدّ الاستفزاز، والدخول في عراك مع النائبة الديمقراطية إلكسندريا أوكازيو كورتيز، التي دعت إلى "الوقوف مع العائلات الفلسطينية التي تعرضت للعنف في شهر رمضان". وواكب هذا التوتر في الكونغرس حملة تحريض وكراهية فاقعة ضد الفلسطينيين في وسائل الإعلام المحافظة والموالية للرئيس السابق ترامب، وعلى رأسها شبكة "فوكس نيوز". شمل ذلك خطاب دعم مفتوح للحرب على القطاع، ودعوات من نوع مطالبة إسرائيل "باستئصال حماس" هذه المرة.

لم يسبق لحروب غزة في الماضي أن أثارت من التعاطف الصريح مع الشعب الفلسطيني كما يحدث الآن. ولعل مردّ ذلك إلى أن هذا العدوان جاء على خلفية تنامي مشاعر رفض متراكم للاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً لدى القطاع الجامعي، ومن الحزب الديمقراطي تحديداً، الذي تجلى موقفه هذا خلال السنوات الأخيرة في المعركة ضد المنتجات الإسرائيلية المصنّعة في المستوطنات، والمطالبة بتحريم دخولها تحت هذا الاسم. ثم جاءت الخطوات التي اتخذها الرئيس ترامب في القدس والجولان، لتزيد من مشاعر النفور لدى هذه الأوساط وغيرها من الدوائر الليبرالية واليسار الديمقراطي، وحتى اليهودية المؤيدة لحل الدولتين.

لا يعني ما سبق أن هذا التغيير الملحوظ قد أدّى إلى انقلاب في المعادلة وتوازناتها. ففي الصورة الكبيرة، لا تزال العلاقات العضوية والاستراتيجية مع إسرائيل على حالها، لكنها تخلخلت خارج دائرة صنع القرار. ويتبدّى ذلك في تزايد الأصوات والمنابر المؤثّرة التي صارت تجرؤ على طرح التساؤلات والمساءلات بخصوص أمور حساسة، مثل المساعدات الأميركية لإسرائيل، التي كان وضعها تحت المجهر في خانة المحرمات. وقد جرى تداول هذا الموضوع خلال الأيام الأخيرة في عمود الرأي بصحف رئيسية، ومن باب الدعوة إلى ربط هذه المساعدات بعدم استخدامها في العنف ضد الفلسطينيين. ولعل طرح السناتور والمرشح الرئاسي الديمقراطي بيرني ساندرز قد أسس لذلك.

في مقارنة بالسابق، ثمّة تطور ما، ما زال متواضعاً، يساهم في بلورة الفرز البطيء الجاري في الساحة الأميركية تجاه إسرائيل، بيد أن حسابات الرئيس بايدن السياسية وعودته في الملف الإسرائيلي إلى المؤسسة التي جاء منها، والمدمنة مناوئة حقوق الفلسطينيين، دفعته كغيره من أسلافه إلى نفض يده من الأزمة الراهنة.

 
المساهمون