تشير التوجهات في واشنطن إلى أن طبخة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة صارت وشيكة وإن على نار خفيفة، فإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، خرجت من التجاهل إلى مفاتحة تل أبيب ولو بصورة خجولة، بالحاجة إلى الفرملة.
وحملت الضغوط المتزايدة الداخلية والدولية، البيت الأبيض على "حثّ" (وليس دعوة) الاحتلال الإسرائيلي للقبول بوقف العدوان العسكري، فيما ترك تحديد موعد ذلك لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي توعّد خلال مقابلة أمس الأحد مع شبكة "سي بي أس"، بمواصلة ضرب قطاع غزة "لوقت أتمنى أن يكون غير طويل لكن ليس على الفور"، كما قال.
كلام نتنياهو بدا إشارة إلى قرب بداية النهاية للعدوان، لكنه ترك الاحتمال مفتوحا ورهناً بتوقيته. وكان من اللافت أن إشارته ترافقت مع اتصالات أجراها أمس الأحد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظرائه في السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، وفرنسا، جان إيف لودريان، وقطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومصر، سامح شكري، وباكستان، محمود قريشي.
وكأن في ذلك محاولة للاستعانة بهذه البلدان طلباً لمساعدتها في تسويق شروط إسرائيلية مطلوبة من الجانب الفلسطيني؛ فبايدن يتوسل الوساطة كبديل عن ورقة الضغط المتاحة له لحمل إسرائيل على وقف التدمير في غزة. غيره من الرؤساء استخدم هذه الورقة. الرئيس الأميركي الراحل، رونالد ريغان، أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن على وقف قصف بيروت سنة 1982، في غضون أقل من عشر دقائق. بإمكان بايدن لو أراد ذلك أن يكرر السيناريو نفسه، لكن ليس في الوارد حدوث هذا الأمر.
فالرئيس الأميركي ترك من البداية الحبل على غاربه لإسرائيل، ولم يغير موقفه حتى اللحظة. فهو من خريجي مدرسة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، الذي مارس "القيادة من الخلف" فيما يخص القرارات الخارجية الكبيرة وبالتحديد في الشرق الأوسط. حتى حزبه الديمقراطي في الكونغرس خاطبه كثيرون من رموزه في مجلسي الشيوخ والنواب بلغة أقرب إلى التأنيب لسكوته عن العدوان على غزة. السيناتور الديمقراطي والمرشح الرئاسي السابق بيرني ساندرز، كتب أمس مقالة لاذعة بهذا المعنى في صحيفة "نيويورك تايمز" جاءت بمثابة إدانة لموقف بايدن ومحاكمة لانحياز واشنطن المزمن "لأنها لا تسأل عن حقوق الفلسطينيين ولا تتحدث عن العنف إلا عندما تتساقط الصواريخ على إسرائيل".
وفي كلام موجه ضمنا للرئيس الديمقراطي، شدد ساندرز على أن "أميركا التي تمنح إسرائيل 4 مليارات دولار مساعدات سنوية، ما عاد بإمكانها الدفاع عن حكومة نتنياهو اليمينية العنصرية". حتى السناتور الديمقراطي بوب مانديز، الذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والمقرب من الرئيس والمحسوب بقوة على فريق إسرائيل في الكونغرس، لم يحتمل الانفلات الإسرائيلي ولا موقف البيت الأبيض من العدوان. وبذلك لم تعد جوقة الاعتراض من الديمقراطيين مقتصرة على "الجناح التقدمي" منهم في مجلس النواب. ولا شك أنهم لعبوا دورا في حمل الإدارة على التحرك. ساهمت في ذلك دعوات من مسؤولين سابقين وجهات يهودية نصحت البيت الأبيض بـ"الضغط على إسرائيل لتختم عملياتها العسكرية" في غزة "لأن المردودات بعد الآن صارت هامشية بعد أن تمت إعادة تثبيت حالة الردع"، على ما يقول السفير والمبعوث الأميركي الخاص السابق في إسرائيل، مارتن إنديك.
وفي سياق المطالبات لإيقاف إسرائيل عدوانها، تبرز المخاوف من تطور ردود فلسطينيي الداخل، الذين انتفضوا هذه المرة ردا على قضية الإخلاء والطرد القسري للفلسطينيين القاطنين في حي الشيخ جراح بالقدس والعدوان على غزة. في ضوء ذلك بدأت تتبلور إشارات حول توليفة يجري إعدادها لوقف العدوان الإسرائيلي، والتوصل لهدنة؛ ومنها موافقة الإدارة الأميركية على اجتماع افتراضي جرى أمس الأحد لمجلس الأمن الدولي، بعد أن كان بلينكن قد أشار قبل يومين إلى عدم عقده قبل الأسبوع القادم وبما يعطي إسرائيل المزيد من الوقت للمضي في عدوانها العسكري. بيد أن الحسابات تغيرت مع تزايد المطالبات بطي هذا الملف الذي قد يعمد الاحتلال الإسرائيلي لتأخيره لاعتبارات ميدانية وسياسية.