بايدن وقرار الردّ المتفاهم عليه على عملية "البرج 22"

31 يناير 2024
قال بايدن إنه لا حاجة لتوسيع الحرب في الشرق الأوسط (Getty)
+ الخط -

بعد 3 أيام من الالتباس وحبس الأنفاس في واشنطن، كشف الرئيس جو بايدن الثلاثاء أنه اتخذ قراره بشأن كيفية الرد على عملية "البرج 22" في شمال شرقي الأردن، والتي أودت بحياة 3 جنود أميركيين وجرح أكثر من 30 منهم.

أكّد ذلك بجواب مقتضب لدى سؤاله أثناء مغادرته البيت الأبيض، لكنه أضاف قائلاً "لا أعتقد أننا بحاجة إلى توسيع الحرب في الشرق الأوسط"، ملمّحاً بصورة ضمنية إلى أن الردّ لن يستهدف إيران باعتبارها غير مسؤولة "سوى عن توفير السلاح فقط" للمجموعات التي قامت بالعملية، "والتي تتحمل المسئولية" المباشرة.

عادة الايماء بهذه اللغة يكون بمثابة الإنذار الذي يسبق الفعل بوقت قصير، ربما بساعات. وقد استوقف في هذا السياق التزامن بين كلام الرئيس وبين ما صدر عن "حزب الله" العراقي من شبه تعهّد بالتوقف عن القيام بأعمال عسكرية ضد مواقع أميركية في المنطقة. وكأنه كان هناك تفاهم، وإن بالواسطة مع واشنطن، لتخفيف ردها، مما أعاد التذكير بالتفاهم الذي حصل بين طهران وواشنطن في 2020 حول قصف ثكنة عين الأسد العراقية التي كانت تتواجد فيها قوات أميركية، رداً على اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بصاروخ من مسيّرة أميركية.

آنذاك، توعدت إيران بجواب قوي على اغتيال الجنرال، لكن الانتقام الفوري اقتصر على قصف الثكنة بعد أن تمّ إبلاغ الأميركيين مسبقاً بحسب ما تردد، وبما أعطى الفرصة لاتخاذ تدابير التحوط والحماية. لا يعني ذلك بالضرورة أن السيناريو يكرر نفسه، لكن ظروف الحالتين فيها ما يوحي بشيء من الشبه.

منذ البداية، اتّسم ردّ الإدارة على العملية بالغموض والالتباس. الرواية الرسمية تنقلت بين الظن "بمليشيات عراقية تدعمها إيران"، وبين قول البنتاغون إنه يواصل "تحليل الأدلة"، ثم تبيّن أن خطأ قد حصل في التعرف إلى المسيّرة المهاجمة واعتقادها أنها أميركية، وبما أدى إلى تعطيل الدفاعات الجوية ذاتية الحركة لإسقاطها.

سواء صح هذا التعليل أم لا، تسببت الحادثة التي استقرت التهمة فيها على الجهة العراقية المسلّحة، بإحراج كبير، وإرباك أكبر. توقيتها وضع البيت الأبيض في مأزق. "الرد المناسب"، خاصة بالمواصفات التي حرّض عليها الصقور، ينطوي على مجازفة في توسيع الحرب، بما يتعارض مع حسابات بايدن الانتخابية، كما قد يهدّد احتمال التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى مع هدنة بين شهر وشهرين في قطاع غزة، قال رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني إنه "جرى إحراز تقدم بشأنها"، وذلك خلال مقابلة معه أمس الاثنين في "مجلس أتلنتيك" للدراسات والأبحاث في واشنطن.

من ناحية ثانية، لا يقوى الرئيس على تسويق الاكتفاء بردّ على غرار المرات السابقة التي لم يسقط فيها جنود أميركيون، وذلك بعدما توعد بجواب يتوازى مع الهجوم على القاعدة، خصوصاً أن بعض المحافظين في الكونغرس وخارجه طالب "بضرب طهران"، على غرار السناتور الجمهوري جون كورنين.

في مقابل عملية الشحن والتعبئة هذه، سارعت الرؤوس الباردة إلى التحذير من الاندفاع باتجاه ردّ يتدحرج معه الوضع إلى حرب (ريتشارد هاس ودافيد إغناش=سيوس).

ومن جهة ثانية، سارع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، مثل السناتور تيم كاين، إلى تطويق أي احتمال من هذا النوع، من خلال طرح مشروع يقضي باستئذان الكونغرس مسبقاً بشأن أي عمل عسكري كبير في المنطقة التي ما زالت حروبها الأفغانية والعراقية حيّة في الذاكرة الأميركية.

ويبدو أن هذه الخلفية ساهمت في حمل بايدن على الحسم باتجاه ردّ لا يقود إلى توسيع الحرب في المنطقة، حسب ما يشي به تصريحه هذا أمس الثلاثاء. يبقى الانتظار لحين حصول الردّ المفروغ منه "لتصفية حساب" العملية، ولتوظيفه "كردع" يحول دون تمدد حرب غزة، وإن كان التمدد قد صار أمراً واقعاً في تقدير العديد من المراقبين، يصعب احتواؤه طالما بقيت حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل متشبثة باستمرار الحرب، وربما حتى نهاية العام، وبقيت الإدارة عازمة على توفير المظلة الواقية لإسرائيل لتمكينها من مواصلة حرب تدمير البشر والحجر في القطاع؛ فمنع توسيع الحرب مفتاحه في غزة.