بإعلانه، الخميس، تقديم حزمة دعم نوعي وكمّي غير مسبوق لأوكرانيا بقيمة 33 مليار دولار، يراهن الرئيس بايدن على إنهاك القوات الروسية كما جرى لها بعد تزويد المجاهدين الأفغان بسلاح نوعي، مثل صواريخ ستينغر، المضادة للطائرات في 1986، التي عجلت في الانسحاب الروسي.
الفارق هذه المرة أن واشنطن تسلّح قوات نظامية وملحقاتها. من أصل المبلغ، خصّص البيت الأبيض 20 مليار دولار لتعزيز الدفاعات الأوكرانية بأحدث الأسلحة ما عدا الطيران الحربي، ولغاية نهاية سبتمبر/أيلول القادم، أي لفترة خمسة أشهر. يُضاف إليها 13.50 مليار دولار، وافق عليها الكونغرس في مارس/آذار الماضي، ليصبح إجمالي الدعم أكثر من 46 ملياراً في سبعة أشهر. أي بما يقارب 7 مليارات دولار شهرياً.
الرقم ذاته الذي تنفقه روسيا شهرياً على موازنتها العسكرية السنوية، التي تبلغ حوالى 70 مليار دولار (من أصل تريليونَي دولار موازنات عسكرية في العالم). وفي ذلك رسالة واضحة إلى الكرملين بأن واشنطن قررت النزول إلى الميدان عبر الحليف - الوكيل الأوكراني، بوزن عسكري يوازي كامل إنفاقها في هذا المجال. قفزة أقدمت عليها الإدارة، ليس استجابة لإلحاح كييف على المزيد من السلاح، بل لاستثمارها مع العقوبات "لإضعاف روسيا"، كما قال وزير الدفاع لويد أوستن، ولاستنزاف قدراتها و"شلّها"، بحيث لا تعود جديرة بلقب القوة الكونية.
هذا التحول في تعامل الإدارة مع الحرب، طرح سؤالين: الأول: إلى متى تقوى واشنطن وحلفاؤها على مواصلة الدعم بهذه الوتيرة، في زمن تنذر فيه الأوضاع بالمزيد من الصعوبات والتحديات الاقتصادية؟ والثاني: إلى أي مدى يمكن إنهاك روسيا وحشر بوتين في الزاوية من غير رد كاسر، مثل استخدامه للسلاح النووي التكتيكي الذي كثر تلويح الكرملين به؟
ردود المتابعين والمعنيين توزعت بين مؤيد ومتحفظ ومحذِّر.
الأكثرية من مختلف الاتجاهات والمواقع مع الدعم، من منطلق أن الأوكرانيين "أثبتوا القدرة على المواجهة والتصدي"، وفرضوا على القوات الروسية استبدال الزحف العسكري بسياسة الأرض المحروقة. وبذلك "برهنوا على إمكانية لكسب الحرب"، وبما يبرر السخاء في مدّهم بالسلاح. يُضاف إلى ذلك أن دفق الأسلحة على أوكرانيا، من شأنه "ردع" موسكو عن توسيع الحرب والتراجع عن تهديداتها لدول الجوار من حلف شمال الأطلسي. وقد تحفزها مثل هذه "المنازلة" على إعادة حساباتها، وسلوك طريق التسوية الدبلوماسية. فهي "قد خسرت الحرب"، بصرف النظر عن فصولها اللاحقة حسب مايكل ماكفول، السفير الأميركي السابق في موسكو. وبالتالي، إن المزيد من التسليح يُفترض أن يؤدي إلى المزيد من الخسائر للروس. خلاصة يعتقد أنّ من المبكر، إن لم يكن من الصعب، اعتمادها. على الأقل الآن.
لكن هذه القراءة تلقى التحفظ حتى في صفوف المساندين لدعم كييف. من جهة، فيها تسرّع، وربما مبالغة. ومن جهة ثانية، كلفتها عالية، وقد استوقفت كثيرين حتى في الكونغرس، ومن المتحمسين لتسليح أوكرانيا. فالظرف الراهن صعب. الميزانية يتزايد عجزها، والأرقام تؤشر على حال "ركود عميق" قادمة. وكان من اللافت أن يعترض البعض على دعم أوكرانيا أساساً، ملوّحاً بتأييده لتسويغات الرئيس بوتين، مثل السيناتور الجمهوري راند بول.
الأهم أن في الساحة من يحذّر من التمادي في مثل هذا التصور. ففي اعتقاد المحذرين أن الإدارة بهذا القرار أرادت "تحدي بوتين وكشف خدعته"، وأنه لجأ إلى التهويل بالبديل النووي بعد فشل خطته وحساباته وانكشاف ضعف أداء قواته، وبالتالي فهو لن يجرؤ على سلوك هذا السبيل. لكن ثمة من سارع إلى التذكير بأن بوتين اعتاد ترجمة إنذاراته من جورجيا إلى القرم مروراً بسورية وانتهاءً بأوكرانيا.
بوتين "استراتيجي جدّي"، كما عرّفه مرة هنري كيسنجر. وثمة من يدعو إلى أخذ تصريحات الوزير سيرغي لافروف قبل أيام على محمل الجدّ، عندما قال إن "المجازفة الآن كبيرة، ولا ينبغي التقليل من أهميتها". ويقصد تلويح بوتين بالرد الخاطف"، بوسائل لا يقوى أي كان على التبجّح بامتلاكها، التي قد نستخدمها لو اقتضت الحاجة إليها". هذا الكلام ما زال صداه يتردد في واشنطن، بالرغم من الحديث عن "الخدعة" فيه. في العمق يؤخذ في الحسابات، لكن يبدو أن الإدارة أخذت برأي "دعاة المواجهة"، القائلين بأن بوتين لا يتوقف إلا إذ فُرض عليه التوقف. نظرية تبقى تحت الاختبار.
الرئيس بايدن وضع مشروعه في إطار الدفاع عن "قيادة أميركا للعالم". والمتوقع أن يوافق عليه الكونغرس خلال مايو/أيار القادم، وتدبير كلفته أو ما يقاربها. وبذلك، فإن العالم ينتظره صيف قادم كل شيء فيه نار، من الحرب إلى الأسعار.