بالتزامن مع عودة الاجتماعات بين مفاوضي الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" في العاصمة القطرية الدوحة، في محاولة للتوصل إلى سلام ومصالحة في أفغانستان، برز موقف لافت صدر عن باكستان، الدولة صاحبة النفوذ الكبير في الساحة الأفغانية، وتمثل بإعلان الجيش الباكستاني قبل أيام رفضه استيلاء "طالبان" بالقوة على السلطة. هذا الموقف الذي يتقاطع مع مواقف أخرى لدول الجوار الأفغاني، أبدى متابعون تفاؤلاً بأن يترجم على الأرض، فيما اعتبر آخرون أن إسلام أباد لن تتنازل عن أوراقها في أفغانستان سريعاً لتسريع الحل.
وأكد المندوب الأفغاني الخاص للشؤون الباكستانية، محمد عمر داود زاي، عقب زيارة أجراها أخيراً إلى إسلام أباد، أن السياسة الباكستانية إزاء بلاده قد تغيّرت إيجاباً، مبدياً تفاؤله بأن هذا البلد يعمل بصدق دعماً للقضية الأفغانية. وقال داود زاي إن باكستان تواصل التأكيد أنها لعبت دوراً كبيراً في إنجاح المفاوضات بين الولايات المتحدة و"طالبان"، وفي عقد المفاوضات الأفغانية - الأفغانية، لافتاً إلى أن كابول تقدر تلك الجهود، لكنها تطلب المزيد. كذلك أكد المندوب الأفغاني أنه طلب من إسلام أباد القيام بدور في المفاوضات القائمة بين كابول و"طالبان"، لا سيما في ما يتعلق بدفع الحركة للموافقة على وقف شامل لإطلاق النار.
وكان المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الجنرال بابر افتخار، قد أكد في تصريح له للصحافيين الأجانب قبل أيام أنّ بلاده لن ترضى باستيلاء "طالبان" بالقوة على سدّة الحكم في كابول. ولفت افتخار إلى أن هدف بلاده الوحيد "هو إحلال الأمن في الجارة أفغانستان"، لأن ذلك يصب في "مصلحة الجميع"، مشدداً على أن مستقبل هذا البلد "يتعلق بشعبه الذي يقرر ذلك، وليس أي قوة خارجية".
رحّبت كابول بتصريحات باكستان الأخيرة، مطالبة بالمزيد
وتعليقاً على الموقف الباكستاني الأخير، رأى الأستاذ الجامعي لطف الله حفيظ أنه "يبدو أن باكستان غيّرت سياساتها إزاء أفغانستان، ما يعد تطوراً هائلاً، ويعطي إشارة إلى أن المصالحة الأفغانية ستصل إلى برّ الأمان، لأن دور باكستان ريادي وأساسي، ونحن نعرف أن لها نفوذاً كبيراً على طالبان، وبإمكانها لعب دور كبير لجهة إرضاء الحركة لوقف النار". لكن حفيظ أشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى وجود "تصور خاطئ لدى الكثيرين، وهو أن باكستان تملك في يدها كل شيء، وأن طالبان تعمل وفق ما ترتضيه"، معتبراً أن هذا التصور هو "ظنّ خاطئ، لكن دون شك فإن لباكستان نفوذاً على الحركة، إلا أن الأخيرة تملك الحرية في قراراتها وأعمالها".
وشدّد حفيظ على أن العلاقات الجيّدة بين باكستان وأفغانستان، بل وتعاون الدول الجارة لأفغانستان بشكل عام، سواء أكانت إيران أم روسيا أم الصين، كلّها أمور تصب لمنفعة المصالحة الأفغانية، كما أن استتباب الأمن في أفغانستان يصب في مصلحة الجميع، فيما للحرب تأثيرات وتبعات على المنطقة بأسرها، وتحديداً باكستان، التي عانت ولا تزال من ظاهرة الإرهاب ووجود جماعات مسلحة بأشكال مختلفة.
مقابل ذلك، رأى الخبير الأمني الجنرال عتيق الله أمرخيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه من السابق لأوانه الاعتماد على كلام باكستان، فهذا البلد لم يلعب دوره في السابق بصدق وإخلاص مع السلام الأفغاني، لذا فإن على الحكومة الأفغانية أن تتعامل بحذر مع مثل هذه تصريحات، لأن باكستان لن تضحي بمصالحها وعمقها الاستراتيجي، كما أن ما تريده لا يمكن لكابول أن تلبيه، وهو قطع علاقاتها مع الهند.
واعتبر أمرخيل أن سياسة باكستان الحالية هي نفسها منذ أربعة عقود، لكنه شدّد على أنه إذا تغيرت فعلاً هذه السياسة، فسيكون لها أثر كبير على سياسة "طالبان". لكنه اعتبر أنه "ما دامت طالبان ملتزمة بسياستها، فهذا يعني أن إسلام أباد لم تبدل استراتيجيتها". وذكّر بأن للدولة الجارة مشاكل كبيرة في المنطقة، تحديداً في ما يتعلق بالمنافسة مع الهند، ولذلك فإن "الملف الأفغاني ورقة قوية في يدها، ويصعب جداً عليها التخلي عن هذه البطاقة".
وتتبنّى دول أخرى في الجوار الأفغاني الموقف الباكستاني ذاته برفض استيلاء "طالبان" بالقوة على السلطة. فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك له مع نظيره الأفغاني محمد حنيف أتمر، عقد في موسكو أول من أمس الجمعة، أن بلاده تعمل مع الأطراف الأفغانية للوصول إلى حل دائم، لكنها لن تقبل عودة إمارة "طالبان" كما كانت في تسعينيات القرن الماضي. وأعرب لافروف عن تأييده لاتفاقية الدوحة، داعياً "الأطراف الدخيلة" على القضية الأفغانية إلى تطبيق ذلك التوافق. كذلك شدّد الوزير الروسي على ضرورة إخراج قيادات "طالبان" من القائمة السوداء لمجلس الأمن الدولي، والسعي الحثيث بهذا الخصوص. من جهته، رحّب وزير الخارجية الأفغاني محمد حنيف أتمر بالموقف الروسي حيال القضية الأفغانية، وتحديداً عملية السلام، ملقياً باللوم على "طالبان"، التي اتهمها بعدم الوفاء بالوعود التي قطعتها ضمن اتفاقية الدوحة.
أعلن الجيش الباكستاني أخيراً رفضه سيطرة "طالبان" بالقوة على الحكم
وحيال الموقف الروسي، رأى الخبير الأمني الجنرال عتيق الله أمرخيل أنّ موسكو مهتمة بأمنها، وهي تحتاج إلى الحفاظ على علاقاتها مع كلّ من "طالبان" والحكومة الأفغانية، لأنها تخشى من تهديد "داعش" على حدودها، لذا فإنها تحافظ على علاقتها مع الحركة، لكنها لا تريدها كجماعة تقود البلاد، وهو ما تريده إيران أيضاً برأيه، التي تحافظ على علاقتها بـ"طالبان" بسبب عدائها للولايات المتحدة، لكن طهران لا تريد في الوقت ذاته أن تسيطر الحركة المتشددة على أفغانستان. وذكّر أمرخيل بالتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والتي أدلى بها لقناة "طلوع" الأفغانية، وأكد فيها أن بلاده لن تقبل بإمارة أفغانستان التي تسعى "طالبان" إلى إقامتها، كما لن ترضى بوصول الحركة إلى سدّة الحكم.