باكستان: خشية من صراع طائفي بعد استهداف أماكن عبادة

18 فبراير 2015
ارتفاع وتيرة استهداف المساجد والحسينيات في باكستان (الأناضول)
+ الخط -

يزداد القلق في صفوف الباكستانيين من اندلاع صراع طائفي شامل، يمتدّ إلى المدن الرئيسية كافة، مع ارتفاع وتيرة الهجمات المنسّقة ضد الأقلية الشيعية في باكستان، والتي تمثل 20 في المائة من سكان البلاد. وتبدو الحكومة الباكستانية والقوات المسلّحة، رغم الحملات الأمنيّة المتواصلة، عاجزة عن التصدّي لموجة الاغتيالات الطائفيّة التي تطال رموز السنّة والشيعة وقيادات في الأحزاب السياسيّة والدينيّة، في بعض المناطق الباكستانية، كمدينة كراتشي، جنوبي البلاد، ومدينة راولبندي المجاورة للعاصمة إسلام آباد.

وكان آخر تلك الهجمات في الثالث عشر من الشهر الحالي، حين استهدف هجوم انتحاري حسينية "إمامية" في حي حياة آباد، في مدينة بشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا، شمال غربي باكستان. وتبنّت حركة "طالبان باكستان" الهجوم، الذي أودى بحياة نحو عشرين شخصاً وإصابة العشرات، معتبرة إياه انتقاماً لتنفيذ حكم الإعدام في حقّ أحد قيادة الحركة المعروف باسم "دكتور عثمان"، والمدان في محاولة اغتيال الرئيس الباكستاني الأسبق، الجنرال المتقاعد برويز مشرف عام 2003.

ويبدو أنّ الهجوم نُفذ بطريقة منسّقة ومخططة، تهدف إلى قتل كل من بداخل الحسينية، وفق ما يذكره أحد شهود العيان، موضحاً أنّ "الهجوم نفذه أكثر من ثلاثة انتحاريين، وكان أحدهم يلقي القنابل اليدوية على المصلين، فيما تسلل انتحاريان إلى الداخل، وفجر أحدهما حزامه الناسف، فيما قُتل الآخر بيد أحد المصلين".

ويشير المصدر ذاته إلى أنّ "مجموعة مسلحة أخرى كانت قد تحصّنت عند البوابة الرئيسية، وكانت تطلق النيران على قوات الأمن والمصلين"، معرباً عن اعتقاده بأنّ القوات شبه العسكريّة والشرطة، كانت عاجزة عن مواجهة المسلحين، المدربين إلى أقصى الدرجة"، على حدّ وصفه.

وعلى عادتها، لم تتأخر الحكومة الباكستانية في اتخاذ إجراءات صارمة، للحدّ من الهجمات التي تستهدف أماكن العبادة، فيما اكتفت الأحزاب السياسيّة بالإدانة، معربة عن استيائها للخسارة التي لحقت بأرواح المدنيين. وسارعت الأحزاب الدينيّة، خصوصاً التي تنتمي إلى الأقلية الشيعية، إلى إغلاق بعض المدن الرئيسية ليومين عقب الهجوم، مهدّدة الحكومة بنتائج وخيمة إذ لم يتم التصدي للجماعات التي تخطط لعمليات مماثلة.

وكان أكثر من ستين شخصاً قد قتلوا قبل أسبوعين، في واحدة من أكثر الهجمات الطائفيّة دموية في البلاد منذ عامين، والتي طالت مسجداً للشيعة في مدينة شكاربور، التي تبعد نحو 460 كيلومتراً عن مدنية كراتشي، عاصمة إقليم السند. وتبنّت جماعة جند الله المحظورة، العملية التي نفّذتها داخل المسجد، تزامناً مع زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف للمدينة، بهدف مناقشة الوضع الأمني في المدينة مع المسؤولين في الحكومة المحليّة.

وكان هجوم تفجيري آخر قد استهدف في التاسع من الشهر الماضي، تجمعاً دينياً في مدينة راولبندي المجاورة لإسلام آباد، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة العشرات. وتبنّت الهجوم "جماعة الأحرار"، إحدى الفصائل المنشقة عن "طالبان".

وبالنظر إلى الجهات المنفّذة للهجمات الأخيرة، يبدو بشكل واضح أنّ هناك العديد من الجماعات المسلّحة التي تستهدف الأقلية الشيعيّة في البلاد، كما أنّ حركة طالبان، التي كانت استراتيجيتها قائمة على استهداف المنشآت الحكومية والمؤسسات العسكرية، قد غيّرت إستراتيجتها في الآونة الأخيرة، وبدأت تكثّف من هجماتها ضدّ الشيعة، ما يثير الخشية من تحوّل هذه الهجمات إلى صراع طائفي، يمتدّ إلى المدن الباكستانيّة كافة.

وفي سياق متصل، تشهد مدن باكستانية كمدينتي كراتشي، عاصمة السند، وراولبندي المجاورة للعاصمة، موجة اغتيالات طائفية تطال علماء الدين السنّة والشيعة، وقيادات بارزة في الجماعات الدينيّة والسياسيّة. وتؤدي الاغتيالات الطائفيّة إلى قتل العشرات كل شهر، في حين تعتبر الأحزاب الشيعية، أنّ عمليات الاغتيال التي تستهدف علماءها، تنفّذها جماعات مسلحة كـ "طالبان" وجماعة جندالله، بالإضافة إلى بعض الجماعات المحظورة التي تحظى بنفوذ في أوساط السنّة، كجيش الصحابة المحظورة والمدعومة من قبل بعض الأحزاب السياسية على حدّ قولها.

في المقابل، تتجه أصابع الاتهام إلى جماعة "جيش محمد"، وهو فصيل شيعي مسلح يلقى دعم إيران، بالوقوف وراء اغتيالات رموز السنة. وكان القيادي البارز في جماعة "أهل السنّة" العلامة أورنكزيب فاروقي، قد تعرض في الرابع عشر من الشهر الحالي، لكمين نصبه مسلحون وسط كراتشي، لكنّه نجا بأعجوبة وأصيب عدد من حراسه. وبعد ساعات من محاولة اغتيال فاروقي، تمكّن مسلحون مجهولون من اغتيال المتحدث باسم الجماعة مولانا أظهر صديقي، في هجوم مسلح استهدفه في ضواحي العاصمة.

ويبدو أنّ تزايد نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المنطقة، قد يزيد الطين بلّة. وتداولت بعض وسائل الإعلام بياناً أصدره التنظيم في الآونة الأخيرة، يشير إلى وقوفه وراء الاغتيالات المتعمّدة، التي أدّت إلى مقتل 29 من رجال الشرطة ورموز ومناصري الأحزاب الشيعيّة الشهر الماضي، وهو ما يشير إلى أن التنظيم قد دخل في الصراع الطائفي في البلاد.

من جهتها، تكثّف الحكومة الباكستانية جهودها لاجتثاث جذور العنف، بكافة أشكالها طائفية كانت أو غيرها. ولمّح رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، في خطاب له قبل يومين، إلى أنّ الحرب على ما وصفه بالإرهاب، عملية صعبة ومستمرة، ويحتاج القضاء عليها إلى عمليات عسكرية شاملة داخل المدن الباكستانية، على غرار ما حصل في المناطق القبلية المحاذية على طرفي الحدود.

وأعرب شريف عن ارتياحه البالغ إزاء التعاون العسكري بين باكستان وجارتها أفغانستان، التعاون الذي سيقضي على العنف في المنطقة برمتها، ولكن الأمر يحتاج إلى الصبر والمثابرة، على حدّ تعبيره.