باكستان: بوادر تهدئة بين خان والجيش والحكومة

14 ديسمبر 2022
أنصار خان في روالبندي، نوفمبر 2022 (عامر قريشي/فرانس برس)
+ الخط -

قبل تقاعد قائد الجيش الباكستاني السابق الجنرال قمر جاويد باجوه نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان رئيس الحكومة السابق عمران خان وحركة الإنصاف التي يرأسها يتهمان المؤسسة العسكرية بالتدخل في الساحة السياسية، ويصوّبان على دورها في سحب الثقة من حكومته في إبريل/نيسان الماضي. وكان خان يُطالب بإجراء انتخابات مبكرة بهدف الضغط على المؤسسة العسكرية من أجل تغيير تعاملها مع حزبه.

وحتى بعد التغييرات في المؤسسة العسكرية واستبدال باجوه بقائد الجيش الجديد عاصم منير، أخيراً، لم يبدّل خان من موقفه لكن أصبح من الممكن ملاحظة أن تغييراً طرأ في مواقف خان حيال المؤسسة العسكرية وتدخلها في الشؤون السياسية. كما أن مواقفه من الحكومة بدأت تتبدل إلى حد ما رغم إصراره على مطلب تحديد موعد الانتخابات المبكرة، وأن يتم تشكيل حكومة جديدة قبل شهر مارس/ آذار المقبل وعدم انتظار موعدها في أكتوبر/تشرين الأول 2023. 

مفاوضات سرية بين حزب خان والجيش

ويبدو أن المفاوضات السرية التي جرت بين خان والمؤسسة العسكرية، بحسب ما أعلنه أكثر من قيادي في حزب خان، منهم وزير القانون السابق فؤاد شودري ووزير الدفاع السابق برويز ختك، قد نجحت أو على الأقل تشهد تقدماً ملحوظاً، خصوصاً بعد تعيين منير، المعروف برغبته بالاهتمام بالأمور العسكرية وعدم التدخل في الشؤون السياسية وكذلك عدم انحيازه إلى أي طرف.

مشاورات بشأن تقديم نواب حزب خان استقالاتهم من البرلمانات الإقليمية

مع العلم أنه قبل تقاعد باجوه، حاول الرئيس الباكستاني عارف علوي تحسين العلاقة بين خان وباجوه. كما أجرى ختك مفاوضات سرية مع المؤسسة العسكرية عبر قنوات مختلفة، إلا أن كل تلك الجهود باءت بالفشل. وذهبت تقديرات إلى أن السبب في هذا الفشل هو إصرار الطرفين على موقفهما. وبينما كان خان يؤكد أنه يجب أن لا تتدخل المؤسسة العسكرية في الشؤون السياسية وأن يتم ضبط ميزانيتها من قبل الحكومة، كان الجيش يرفض أي قيود على ميزانيته والتخلي عن دوره في الحياة السياسية. وهو ما لمح إليه خان سابقاً بالقول إن "باجوه كان يلعب على الحبلين، وتسببت تدخلاته في إثارة الكثير من المشاكل".

تهدئة من خان وتلويح بأوراق ضغط

أولى مؤشرات التهدئة، برزت بعد طلب خان في 28 نوفمبر الماضي من أنصاره الذين كانوا يشاركون في المسيرة الكبرى بالعودة إلى منازلهم. وكانت المسيرة تعرقلت في المرة الأولى بسبب محاولة اغتيال خان في الثالث من شهر نوفمبر قبل أن تُستأنف في السابع من شهر نوفمبر وتصل إلى مدينة راولبندي في 28 نوفمبر لكن الحكومة رفضت دخولها العاصمة إسلام أباد، ما دفع خان للطلب من أنصاره العودة.

لكن خان أعلن فيه اليوم نفسه أنه سيجري مشاورات بشأن تقديم نواب حزبه استقالاتهم من البرلمانات الإقليمية بعد أن استقالوا من البرلمان المركزي عقب سحب الثقة منه في إبريل الماضي، ما سيؤدي إلى حل برلمانيْن وحكومتيْن هما حكومة إقليم البنجاب، أكبر الأقاليم الباكستانية من حيث الكثافة السكانية، وحكومة إقليم خيبربختونخوا شمال غربي البلاد، في مؤشر إلى رغبته بالاحتفاظ بأوراق ضغط في يده بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات.

وعلى الرغم من أن حزب خان يمتلك الأكثرية في برلمانيْ الإقليميْن، فإنه يمتلك القدرة على التحكم بمصير البرلمان والحكومة في إقليم خيبربختونخوا منفرداً لكنه في إقليم البنجاب يحتاج إلى توافق مع حزب الرابطة جناح قائد أعظم الحليفة معه. مع العلم أن الدستور الباكستاني يعطي الخيار للحكومة المركزية أن تجري انتخابات فرعية أو تمضي نحو إجراء انتخابات عامة.

ويعتبر خان أنه نظراً لأحوال البلاد واستقالات نوابه من البرلمان المركزي، وفي حال أضيف لكل ذلك حل البرلمانيْن في الإقليمين يتعين على الحكومة المركزية التوجه نحو انتخابات عامة بدل الفرعية.

جاويد حسين: المفاوضات السياسية تسير باتجاه إيجاد حل وسطي

وفي هذا الصدد، أشار خان، في تصريح صحافي في مدينة لاهور في العاشر من الشهر الحالي، إلى أنه في "حال تقديم الاستقالات لن يبقى أمام الحكومة سوى الإعلان عن موعد الانتخابات المبكرة لأن الحكومة لن يكون لديها أي مبرر (أخلاقي لا دستوري) للاستمرار في العمل". كما لفت إلى أن "المشاورات لا تزال متواصلة بشأن القضية داخل الحزب"، مضيفاً أنه "يأخذ رأي خبراء القانون أيضاً، وستتضح الأمور نهاية هذا الشهر".

من جانبه، أشار شودري، في تغريدة على موقع تويتر في العاشر من الشهر الحالي، إلى أنه "إذا لم تعلن الحكومة عن آلية خاصة وموعد معين للانتخابات حتى الـ20 من هذا الشهر، فنحن سنقوم بحل برلمان البنجاب وبرلمان خيبربختونخوا لأننا نملك الأكثرية في البرلمانين والحكومة، كما سنستقيل من البرلمانات الإقليمية الأخرى".

حسابات معقدة في البنجاب وخيبربختونخوا

لكن الإعلامي والمحلل السياسي إنعام الله ختك خرديس، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن حزب عمران خان "لا يستطيع أن يعلن حل البرلمانين في الإقليمين اللذين يسيطر فيهما على الحكومتين، وذلك لأنه متحالف مع "حزب الرابطة الإسلامية" جناح قائد أعظم، وهذا الحزب لن يقبل بذلك". ولفت إلى أن كل هذه التحركات "من أجل الضغط على الحكومة وإلا فلن يكون في البلاد انتخابات مبكرة".

كما أشار خرديس إلى أن "خان غيّر لهجته حيال المؤسسة العسكرية وهو ما كان له تأثير على علاقاته مع المؤسسة، لأنه أدرك أنه من دون دعم الجيش لا يمكن له المضي قدماً في السياسة، وأن الصدام معها ليس في صالح حزبه".

عبد الله ميمن: كل ما حدث على الساحة السياسية كان نتيجة الخلافات بين خان وباجوه

وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي عبد الله ميمن لـ"العربي الجديد"، إن "كل ما حدث على الساحة السياسية كان نتيجة الخلافات بين خان وباجوه، وعندما تقاعد باجوه وجنرالات آخرون في الجيش، منهم رئيس الاستخبارات السابق الجنرال فيض حميد، انتهت تلك الخلافات". ولفت إلى أن ذلك كان "له تأثير كبير على الساحة السياسية، فقد باتت تشهد هذه الساحة هدوءًا كبيراً مقارنة بما حدث قبل أسابيع".

كما أكد ميمن، وهو صحافي في قناة دان المحلية، أن "حزب خان لن يتخلى عن الحكومتين في الإقليمين لأنه يسيطر عليهما ويستخدم كافة الوسائل من أجل توسيع دائرة نفوذه، مضيفاً أن كل ذلك "مجرد ذريعة للضغط على الحكومة والجيش ومن أجل تحريك الشعب، وتوسيع دائرة نفوذه".

وفي ما يتعلّق بإستراتيجية الحكومة، لفت الإعلامي والمحلل السياسي جاويد حسين، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة أكدت بكل صراحة أنها سوف تسير نحو الانتخابات الفرعية قبل الانتخابات العامة، كما أن لديها عددا كافيا من النواب لتشكيل الحكومة الإقليمية، خاصة في إقليم البنجاب، أو إدارة الشؤون الإقليمية عبر مكتب الحاكم".

كما أكد حسين أن "الحكومة لن تغلق أبوابها في وجه التفاوض مع خان لأن الاجتماعات الأخيرة بين وزير الاقتصاد إسحاق دار، الذي يُعد من أهم قيادات الحزب الحاكم، والرئيس الباكستاني عارف علوي الذي ينتمي لحزب خان، تسير باتجاه إيجاد حل وسطي". وأشار إلى أن هذا الحل "قد يكون تقديم موعد الانتخابات إلى ما قبل الموعد الدستوري بعدة أشهر، وبالتالي لدى الحكومة أكثر من خيار، إلا أن حزب خان ما زال يحظى بنفوذ كبير، وهو ما سيكون له تأثير كبير في الانتخابات العامة".

المساهمون