تنفسّت الحكومة الباكستانية برئاسة عمران خان، أخيراً، الصعداء، إلى حدّ ما، بعد تفكّك التحالف المعارض الذي كان يضّم 11 حزباً، والمسمى بـ"التحالف من أجل الديمقراطية"، والذي كان هدفه إسقاط حكومة خان، من خلال الحراك الشعبي والاستقالات الجماعية من البرلمان المركزي والبرلمانات الإقليمية. وفيما تحاول المعارضة ترميم تصدعاتها، وإعادة إحياء حراكها السياسي، تسعى حكومة حزب "حركة الإنصاف" إلى الاستفادة من الوقت، لكنها لا تبدو في حال أفضل، وسط ما يشبه "الانشقاقات" المعلّقة داخلها، حيث ستخضع لاختبار مهم خلال الأيام المقبلة، مع طرحها ميزانية 2022 أمام البرلمان. ويجري كل ذلك وسط ترقب لموقف المؤسسة العسكرية، وما إذا كانت ستستمر في توفير الغطاء لخان.
شودري: التحالف المعارض تفكك، ولا يمكن إعادة صياغته من جديد
وكانت الخطوة الأخيرة للمعارضة (الاستقالات من البرلمانات الإقليمية والبرلمان المركزي) قد تسبّبت، خلال الأشهر الماضية، في تفكك التحالف، ووقوع انشقاقات في داخله، بعدما رفض حزب الشعب الباكستاني، بزعامة الرئيس الباكستاني السابق آصف علي زرداري، وحزب "عوامي" القومي الوطني البشتوني، الإقدام عليها، مع تمسّكهما وإصرارهما على مواصلة الحراك الشعبي. هذا الأمر لم يحظ بتوافق مع الأحزاب الأخرى، تحديداً حزب "الرابطة الإسلامية" - جناح نواز شريف، و"جمعية علماء الإسلام"، أكبر الأحزاب الدينية في البلاد. ولاحقاً، أعلن حزبا "الشعب" و"عوامي الوطني" القومي الانسحاب من التحالف، ما جعل جميع برامج الأخير معلّقة حتى إشعار آخر.
المعارضة: ترميم مشروط
وخرج زعيم المعارضة في البرلمان، وزعيم حزب "الرابطة الإسلامية" - جناح نواز شريف، شهباز شريف، من السجن، بكفالة (حيث كان مسجوناً بسبب ملفات فساد)، أواخر شهر إبريل/نيسان الماضي. وفور خروجه، بدأ العمل من أجل إعادة توحيد صفوف المعارضة في وجه الحكومة. وتمكن شهباز شريف من أن يجمع في جلسة خاصة، في 24 من شهر مايو/أيار الماضي، جميع قيادات "التحالف" المعارض، بمن فيهم قيادات حزبي "الشعب" و"عوامي" القومي الوطني، من دون أن تخرج نتائج تلك الجلسة إلى العلن. لكن مصادر أكدت تباحث تلك القيادات حول مستقبل التحالف، فيما لم تستبعد التسريبات الصحافية أن يستأنف "التحالف من أجل الديمقراطية" مشواره من حيث انتهى بسبب خلافاته، على الرغم من التصريحات الحادة التي أطلقتها بعض قيادات الأحزاب التي ظلّت في داخله. وقالت نائبة زعيم "الرابطة" - جناح نواز شريف، مريم نواز، خلال مؤتمر صحافي عُقد في إسلام أباد في 24 مايو، إن "التحالف يرضى بعودة الأحزاب التي خرجت منه، ولكن عليها أولاً أن تصفّي حساباتها السابقة مع التحالف". من جهته، شدّد رئيس الوزراء السابق، شاهد خاقان عباسي، وهو قيادي أيضاً في "الرابطة"، في المؤتمر الصحافي ذاته، على أن الأحزاب التي خرجت من التحالف "عليها أن تعلن عن رضاها من خلال تقديم استقالة مشرّعيها وأعضائها من البرلمان المركزي والبرلمانات الإقليمية"، معتبراً أنه "في حال لم يحصل ذلك، فلا موجب لعودة هؤلاء بعدما تركوا التحالف".
الحكومة مرتاحة
ولكن ما هو موقف الحكومة الباكستانية حيال عودة الحراك داخل المعارضة؟ وهل ستشكل هذه المعارضة خطراً عليها في المستقبل، علماً أن الحزب الحاكم نفسه (حركة الإنصاف) يواجه مشاكله الداخلية، وسط خلافات حادة تسود داخل الصف الأول من قيادته؟ جواب ذلك جاء على لسان القيادي في الحزب الحاكم (حركة الإنصاف)، وزير الإعلام فواد شودري، الذي رأى في بيان صحافي له، أصدره السبت الماضي، أن "التحالف المعارض تفكك، ولا يمكن إعادة صياغته من جديد"، مؤكداً أن "مشاكل وخلافات جمّة تسود بين تلك الجماعات، ولكن ما جمعها هو أمر واحد، وهو الوقوف في وجه رئيس الوزراء عمران خان، الذي بات مصراً على محاربة الفساد". وأكد أن "معظم قيادات تلك الأحزاب ترتبط بملفات فساد".
وأياً تكن الحال التي سينتهي إليها التحالف المعارض في المستقبل، فإن الحكومة تبدو اليوم مرتاحة نسبياً، وذلك لتأكدها أن الجهود التي تبذلها المعارضة حالياً لترميم نفسها تحتاج وقتاً معتبراً. وبينما لا يزال من غير المعلوم مدى إمكانية نجاح الطرف الآخر في عملية ترميم تصدعاته، فإن الحكومة الباكستانية تمتلك في الأثناء فرصة للعمل من خلف الكواليس من أجل التصدي لمعارضيها.
خلافات داخلية
لكن مشكلة المعارضة ليست الوحيدة التي تقلق حكومة خان. فثمة أزمة أخرى داخلية، ناجمة عن الخلافات داخل الحزب الحاكم، مع الإعلان عن ولادة جماعة داخل "حركة الإنصاف" بقيادة أحد المقربين السابقين من رئيس الوزراء، ومن المؤسسة العسكرية أيضاً، وهو جهانكير ترين. وخرجت توقعات أيضاً بتشكيل جماعة ثانية أخرى داخل الحزب، قريباً جداً، وذلك على مستوى إقليم البنجاب، أكبر الأقاليم الباكستانية، بسبب الخلافات على المشاريع التنموية وتوزيعها على الأقاليم.
ولطالما سادت الخلافات داخل "حركة الإنصاف"، ومنذ وقت طويل، ولكنها خرجت إلى العلن بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة الماضية. ودفع تمسّك رئيس الوزراء عمران خان بفتح قضايا فساد في حقّ أعضاء حزبه، وعدم استجابته لتطلعات بعض قيادات الحزب، تحديداً الأمين العام السابق له، جهانكير ترين، إلى حدوث "الانشقاق" بشكل أوضح. وفي هذا الإطار، أعلن تجمع لقياديين في الحزب الحاكم، في 19 مايو الماضي، عن تشكيل جماعة داخل الحزب "حركة الإنصاف" بقيادة ترين، وتضم عدداً من أعضاء البرلمان المركزي، و24 عضواً من البرلمان الإقليمي في إقليم البنجاب، بينهم وزيران في الحكومة الإقليمية في البنجاب، هما نعمان لنكريا وأجمل تشيمه، ومستشاران اثنان لرئيس وزراء الحكومة الإقليمية، عثمان بوزدار، هما فيصل حيات وعبد الحي.
ومن شأن هذه التشكيلات أن تخلق مشاكل كثيرة لحكومة عمران خان، في الفترة المقبلة تحديداً، إذا لم تتوقف الحكومة عن ملاحقة القياديين في الحزب الحاكم بتهم الفساد. وأكد جهانكير ترين أن جماعته لن تقف في الوقت الراهن ضد الحكومة، وهي لا تتوقع أن تفعل ذلك، رابطاً قضية الخلاف بما اعتبره طلب "العدالة والإنصاف في حقّه وفي حقّ قياديين من جماعته الجديدة". ووصف ترين، أخيراً، رئيس الوزراء بـ"الرجل الرزين"، و"الذي رفع علم العدالة دائماً"، لذا فإنه ومؤيديه يتوقعون من خان "العدالة في قضايا الفساد الموجهة ضدّه". وشدد ترين على أنه لا يقف في وجه خان، لكن ثمّة قياديين في الحزب يحرضون رئيس الوزراء ضدّه.
أعلن عن ولادة جماعة داخل الحزب الحاكم بقيادة أحد المقربين السابقين من خان، جهانكير ترين
ويشير تعامل الحكومة الباكستانية مع ملفات الفساد في البلاد، وتحديداً المتعلقة بترين وأفراد أسرته، إلى أن الأمور بين الحزب الحاكم والجماعة المشكّلة داخله ذاهبة نحو الأسوأ، وأن احتواء تلك الخلافات غير ممكن، إذا ما استمرت الحكومة في سياساتها الحالية. وتبدو حكومة خان مصرّة على موقفها (ملاحقة قضايا الفساد)، ومرغمة عليه أيضاً، لأن صراعها الحالي مع الأحزاب المعارضة لها، يتمحور تحديداً حول ملفات الفساد الموجهة إلى قيادات تلك الأحزاب، ما يضطرها إلى فعل مثل ذلك داخل "حركة الإنصاف"، وملاحقة قياديين في الحزب الحاكم، وفق سياسة محاربة الفساد. ويأتي ذلك على الرغم من أن جهات لا تزال تتهم الحكومة بازدواجية التعامل مع معايير المحاسبة. وفي هذا الصدد، رأى الإعلامي الباكستاني، سليم صافي، السبت الماضي، خلال برنامج تلفزيوني على قناة "جيو" المحلية (جركه)، أن الحكومة تشكل لجاناً من القياديين في الحزب، من أجل إجراء التحقيق في قضايا فساد تتعلق بالقياديين في الحزب الحاكم، لكنها تترك المهمة لهيئة المحاسبة الوطنية، إذا ما تعلق الأمر بقضايا فساد في حقّ المعارضين لها.
في المقابل، تؤكد حكومة خان أنها تسير وفق "آلية واحدة لمحاسبة الجميع". وقال خان، في تصريح صحافي في 25 مايو الماضي، إن "الشعوب تسير نحو الدمار إذا كانت العدالة مفقودة في بلدانها، وبالتالي فإنه لا بد أن يحاسب الجميع"، ما يشير إلى تصميمه على المضي قدماً في ملاحقة أعضاء حزبه، بأي ثمن.
وتواجه حكومة خان اختباراً مهماً خلال الأيام المقبلة، حين تقوم بطرح ميزانية العام المقبل أمام البرلمان. وسيكون عليها مواجهة وضع صعب، إذا لم تحصل على دعم المشرعين المنضوين داخل الجماعة الجديدة التي ولدت من داخلها (جماعة ترين). كما أن حكومة إقليم البنجاب ستكون في خطر، في حال وقوف أعضاء الجماعة الجديدة من الحزب الحاكم المختلفة معه، خصوصاً أن حزب "الرابطة" – جناح قائد أعظم، المتحالف مع الحزب الحاكم، غير راض عن أداء الأخير، إذ اتهم القيادي فيه، شودري برويز إلهي، الحكومة، بعدم الوفاء بتعهداتها له.
أين المؤسسة العسكرية؟
في خضمّ الخلافات داخل الحزب الحاكم من جهة، ومساعي المعارضة لتوحيد صفوفها من جهة أخرى، يبدو دور المؤسسة العسكرية اليوم في غاية الأهمية، بعدما تمكنت حكومة خان في السابق من إفشال جميع مخطّطات المعارضة بفضل دعم الجيش.
تواجه حكومة خان اختباراً قريباً مع طرحها ميزانية العام المقبل أمام البرلمان
لكن هل بدّلت المؤسسة العسكرية في باكستان من سياستها هذه؟ هذا ما لفت إليه الإعلامي حامد مير، في حوار له مع قناة "جيو"، أخيراً، إذ أكد أن وراء المعارضة الباكستانية ومساعيها الأخيرة، ووراء تشكيل جماعة جهانكير ترين، تقف "جهة واحدة"، في إشارة إلى المؤسسة العسكرية.
في الأوساط الباكستانية، من المعروف أن جهانكير ترين يمتلك علاقات جيّدة بهذه المؤسسة، كما أن زعيم المعارضة في البرلمان شهباز شريف، لا ينفك يتحدث عن تحسين علاقة الأحزاب (المعارضة) بالمؤسسة العسكرية، التي لا شكّ في أنها إذا ما ارتأت تغيير نظرتها حيال الحكومة، فإن الأخيرة ستكون على المحك. هذا الأمر لا ينطبق في الداخل فقط، إذ يعرب كثيرون في باكستان عن اعتقادهم اليوم أن حكومة خان لا تسير في الاتجاه الذي يتطلع إليه العسكر، لا في الملفات الداخلية، ولا في الخارجية، وتحديداً ملف أفغانستان وملف العلاقات مع الهند.