تجددت الخلافات بين مكونات هيئة التفاوض التي تمثل المعارضة السورية في المفاوضات مع النظام التي ترعاها الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، وفق قرارات دولية ذات صلة، أبرزها القرار 2254، ووصل صداها هذه المرة إلى المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، الذي تلقّى قبل أيام رسالة من كل من هيئة التنسيق الوطنية، منصة موسكو، وجزء من منصة القاهرة، يطالبونه بالتصرف سريعاً، والدفع نحو التوافق ضمن هيئة التفاوض السورية.
الخلافات داخل هيئة التفاوض بدأت مع ظهور تيارين داخل منصة القاهرة
وفي السياق، أكدت منصة "القاهرة"، في بيان صحافي نشر أول من أمس الأحد، أنها "تتعرض لحملة هدفها الإساءة لها"، مشيرة إلى أنّ "بعض الأطراف نقلت الحملة إلى داخل هيئة التفاوض، من أجل استبعاد ممثلي منصة القاهرة فيها وفي اللجنة الدستورية". وتشير المعطيات إلى أنّ الخلافات داخل هيئة التفاوض بدأت مع ظهور تيارين داخل منصة القاهرة أواخر العام الفائت، يدّعي كل منهما شرعية تمثيل هذه المنصة. ويحاول كل تيار فرض ممثلين عنه في هيئة التفاوض وفي اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، ويشارك فيها أغلب ممثلي المعارضة السورية المنضوين في هيئة التفاوض. ويبدو أن الأخيرة التي يرأسها أنس العبدة، اعتمدت التيار الذي يقوده فراس الخالدي ممثلاً لمنصة القاهرة، فوافقت على طلب الأخير استبدال قاسم الخطيب، وهو عضو هيئة التفاوض وعضو اللجنة الدستورية، ليحلّ مكانه نضال محمود الحسن عضواً في الهيئة، وتليد صائب عضواً في اللجنة الدستورية.
من جانبه، قال عضو الهيئة السياسية في "الائتلاف الوطني السوري"، يحيى مكتبي، إنّ "ما يجري داخل هيئة التفاوض مردّه خلافات داخل منصة القاهرة". وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ العبدة "تعامل مع الأمر بالطرق الرسمية حسب الأصول"، مستبعداً أي محاولة لسحب البساط السياسي من تحت الائتلاف في الهيئة. وأضاف: "هيئة التفاوض هي نتاج تفاهم إقليمي ودولي وبناء على القرار 2254".
وكانت الهيئة العليا للمفاوضات السورية تأسست في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2015 خلال اجتماع عقدته أطراف المعارضة السورية في الرياض، وضم أبرز تيارات قوى الثورة والمعارضة السورية، منها "الائتلاف الوطني السوري"، وهيئة التنسيق الوطنية التي يُنظر إليها كممثلة لمعارضة الداخل السوري. وتمخض اجتماع المعارضة الرسمي الثاني في الرياض والذي عقد أواخر عام 2017، عن تغييرات في بنية الهيئة، حيث تشكلت من 36 عضواً، يمثلون "الائتلاف الوطني السوري"، وهيئة التنسيق الوطنية، والمستقلين، والفصائل العسكرية، ومنصتي القاهرة وموسكو اللتين دخلتا الهيئة نتيجة ضغوط إقليمية، خصوصاً من مصر والسعودية وروسيا. وجرى استبعاد عدد من "الصقور" في المعارضة السورية عن الهيئة، أبرزهم رياض حجاب الذي رأس الهيئة في الدورة الأولى لها، بينما اختارت شخصيات أخرى الانسحاب من المشهد.
مصادر: ربما نشهد مؤتمر "رياض 3" خلال الأشهر القليلة المقبلة
في السياق، عبّر الباحث السياسي في "مركز الحوار السوري"، محمد سالم، عن اعتقاده بأنّ الخلافات داخل هيئة التفاوض اليوم "هي نتيجة طبيعية لقبول المعارضة الرسمية الارتهان بشكل تام لإملاءات الدول والمضي في مسار الحل السياسي وفق الرؤية الروسية، والقبول بدخول منصة موسكو تحديداً إلى داخل صفوف المعارضة كحصان طروادة". وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "طلب بعض مكونات هيئة التفاوض من المبعوث الأممي إلى سورية، التوسّط بين أطراف المعارضة، يعكس وضعاً بائساً جداً ويرثى له، كما يعكس حالة التخبط لدى المعارضة الرسمية".
وأكدت مصادر في هيئة التفاوض، فضّلت عدم ذكر اسمها، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ المحاولات الأميركية "لم تنقطع خلال العام الفائت من أجل ضم مجلس سورية الديمقراطي (الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية) إلى هيئة التفاوض"، مضيفةً: "لهذا، ربما نشهد مؤتمر "رياض 3" خلال الأشهر القليلة المقبلة، من أجل إعادة ترتيب أوراق المعارضة السورية وفق الرؤية الأميركية". وأشارت المصادر إلى أنّ تعيين بريت ماكغورك، منسقاً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن "رسالة واضحة إلى أن واشنطن ربما تفرض قوات سورية الديمقراطية طرفاً رئيسياً في العملية السياسية". وأوضح: "من المعروف أنّ ماكغورك كان من أكبر الداعمين لهذه القوات إبان مرحلة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، عندما كان مبعوث واشنطن إلى التحالف الدولي". ورجحت المصادر ألا تتأثر هيئة التفاوض أو أن يتراجع دورها السياسي، نتيجة الخلافات داخل مكوناتها، مشيرةً إلى أن الهيئة "هي حتى اللحظة الممثل المعترف به إقليمياً ودولياً في مفاوضات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، ولكن من الممكن أن تجري عليها تغييرات خلال العام الحالي".