- المحللون يرون في الهجمات تحولاً في استراتيجية إسرائيل إلى "حرب الظل"، مفضلة العمليات التخريبية والهجمات الإلكترونية لتجنب التصعيد العسكري المباشر ضد إيران.
- إيران تعرضت لأعمال تخريبية ضد منشآتها العسكرية والنووية، متهمة إسرائيل بالوقوف وراءها، وردت بتعزيز قدراتها النووية والعسكرية، مؤكدة على استراتيجية الحرب غير المتناظرة.
ما زال الغموض سيد الموقف حول حقيقة انفجارات إيران اليوم الجمعة، فبينما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية وأخرى أميركية وغربية عن هجوم إسرائيلي داخل الأراضي الإيرانية، رداً على هجمات إيران فجر الأحد الماضي على أهداف داخل الأراضي المحتلة، نفى مجلس الأمن القومي الإيراني تعرض البلاد لـ"أي هجوم أجنبي" اليوم الجمعة، وفق وكالة "نور نيوز" المقربة من المجلس.
وفي السياق، كشف قيادي سابق في الحرس الثوري الإيراني عن أن الهجوم الإسرائيلي على إيران تم عبر مسيّرات صغيرة أطلقت داخل البلاد صوب أهداف في أصفهان وتبريز. وقال القيادي حسين كنعاني مقدم لـ"العربي الجديد"، إن الدفاع الجوي الإيراني قد تصدى لهذه المسيّرات التي أطلقتها "مجموعات أو أفراد مرتبطون بالكيان الصهيوني"، وتم إسقاطها بنجاح. وأوضح أن الهدف من إطلاق هذه المسيّرات "التي عادة تستخدم في التصوير، هو اختبار الدفاع الجوي الإيراني وشنّ عملية نفسية" على إيران، مؤكداً أنه "لم تسجل أية أضرار في المنشآت الإيرانية". وقال إن "الكيان الصهيوني وأميركا يسعيان إلى الترويج بأن ما حصل هو عملية كبيرة، بهدف حرب نفسية".
من جهته، نفى المحلل السياسي الإيراني المقرب من المؤسسة العسكرية علي عبدي، في حديثه مع "العربي الجديد"، تعرّض إيران لـ"أي هجوم إسرائيلي مباشر"، قائلاً إن ما حصل اليوم في إيران "يؤكد أن الكيان الصهيوني قد تخلى تماماً عن القيام بهجوم مباشر داخل إيران"، مشيراً إلى أن مرّد ذلك هو "المخاوف الإسرائيلية من ردّ إيراني قوي". وأضاف عبدي أن عملية "الوعد الصادق" الإيرانية، فجر الأحد الماضي، "قد حصلت نتيجة خطأ إسرائيلي في الحسابات، وكانت رداً غير متوقع بالنسبة لهم"، قائلاً إن "الإسرائيليين لا يريدون مرة أخرى أن يحصل ذلك".
كما قال إن "الهجوم المباشر على إيران لا يحظى بإجماع داخل النخب الأمنية والعسكرية الإسرائيلية"، لافتاً إلى أنهم يوصون بـ"تفعيل المساحة الرمادية ضد إيران بدلاً من الهجوم العسكري". وتابع عبدي في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "عملية الوعد الصادق قد تركت تأثيراً كبيراً في حسابات إسرائيل وأصابتها بحالة انفعال وخلل"، بحسب تعبيره، غير أنه يتوقع أن يتبع الاحتلال "حرب الظل" ضد إيران، بدلاً من الهجوم المباشر، قائلاً: إنها "أقل تكلفة وربما أكثر نجاحاً، فلماذا يتحملون الثمن الباهظ للاعتداء المباشر؟".
وتابع أن "التفوق الإسرائيلي في مواجهة إيران هو في الصراع الأمني، وحرب الظل، والمعركة في المنطقة الرمادية، والحرب المركبة"، عازياً ذلك إلى "تجارب كثيرة في هذا المجال، والثقة الكبيرة بسبب تحقيق نجاحات"، فضلاً عن "دعم وتعاون كاملين من قبل أجهزة استخبارات غربية وشرقية على نحو غير مسبوق".
في المقابل، رأى المحلل الإيراني في حديثه مع "العربي الجديد" أن "الميزة والتفوق الإيرانيين هما في مجال الصراع العسكري والصلب"، عازياً ذلك إلى "العمق الاستراتيجي الكبير والتجربة المحلية العسكرية الثرية، فضلاً عن الثقة بالنفس في المجال العسكري المحلي، وأهم من ذلك هو اتباع استراتيجية الحرب غير المتناظرة التي يمكنها إطاحة ميزات متناظرة للعدو". وأكد عبدي أن "إسرائيل تبحث في نهاية المطاف عن طريقة استهداف تمكّنها من استغلالها إعلامياً واستهلاكها محلياً، وتمنع في الوقت نفسه إيران من الرد الصعب".
عمليات "تخريبية" داخل إيران
شهدت إيران منذ أكثر من عقد أعمالاً "تخريبية" ضد بعض منشآتها العسكرية والنووية، فضلاً عن اغتيالات لعدد كبير من علمائها النوويين في الداخل وقيادات عسكرية. واتهمت إيران، الكيان الإسرائيلي بالوقوف وراء هذه العمليات.
في أغسطس/آب 2023، كشف مسؤول في وزارة الدفاع الإيرانية، لم يذكر هويته، عن "إحباط عملية تخريبية صناعية" ضد صناعاتها الصاروخية، متهماً "منظمة مهنية وماهرة" مرتبطة بالموساد الإسرائيلي بالوقوف وراءها، وفق وكالة "نور نيوز". كما أعلنت استخبارات الحرس الثوري الإيراني، في مارس/ آذار 2022، عن إحباط "عملية تخريبية" في منشأة نطنز النووية، أحد أهم المواقع النووية في إيران، على بعد 90 كيلومتراً من العاصمة طهران، والقبض على "خلية مخربين".
وفي 23 يوليو/ تموز 2021، استُهدف موقع "تسا" بمنطقة كرج غربي العاصمة طهران. والموقع تنتج فيه أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في عمليات تخصيب اليورانيوم. واتهمت السلطات الإيرانية، إسرائيل، بتنفيذ "العملية التخريبية". وقبل هذا الهجوم، وقع هجوم آخر استهدف منشأة نطنز، يوم الرابع من إبريل/شباط، بعد يومين من إطلاق المباحثات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا بواسطة أطراف الاتفاق النووي لإحياء الاتفاق. وهدف الهجوم إلى وقف عملية التخصيب، وذلك عبر تفجير استهدف التيار الكهربائي بالمنشأة، لكن السلطات الإيرانية نفت وقف العملية، معلنة لاحقاً أنها أوصلت الكهرباء إلى الجزء الذي تعطل فيه بسبب "العملية التخريبية" التي وصفتها بأنها "إرهاب نووي"، مع توجيه الاتهام إلى إسرائيل بالوقوف وراءها.
وردت إيران على هذا "العمل التخريبي" برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، وهي أعلى نسبة لتخصيب اليورانيوم في إيران، ما أثار قلق الأطراف الأميركية والأوروبية التي قالت إن هذه النسبة تقرب إيران من صناعة سلاح نووي. كما كشف رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية السابق البرلماني فريدون عباسي، مطلع شهر مايو/ أيار 2021، عن أن منشأة نطنز تعرضت لـ"5 عمليات تخريبية كبيرة خلال السنوات الـ15 الأخيرة"، مع الحديث عن وقوع عمليات "صغيرة" أخرى في هذه المنشأة. وقال عباسي في مقابلة مع وكالة "فارس" الإيرانية، إن الانفجار الأول وقع خلال عام 2011 عبر "وضع متفجرات في مستشعرات قياس الهواء في أجهزة الطرد المركزي"، مشيراً إلى أن هذه المتفجرات كانت بحجم "العدس" ووقع الانفجار منتصف الليل.
وبدأت الهجمات "التخريبية" في المواقع النووية الإيرانية، عام 2010 بهجمات إلكترونية، حيث استهدف فيروس "ستاكس نت" المصنف على أنه أخطر فيروس عسكري، عام 2010 منشأة نطنز الأكبر في البلاد لتخصيب اليورانيوم، ومفاعل بوشهر النووي بالقرب من الخليج.