يلف الغموض والضبابية انطلاقة البرلمان الجديد بعد تحذير الرئيس التونسي قيس سعيد من الكتل، وسط تساؤلات عن كيفية تنظيم العمل والتوافق بين البرلمانيين المنتخبين حديثا.
وكان سعيد قد دعا البرلمان الجديد لعقد أولى جلساته صباح الإثنين، بعد نحو عام من حل المجلس المنتخب في 2014 إثر تجميد أعماله لأشهر في 25 يوليو/ تموز 2021.
وأصدر سعيد أمر رئاسيا لتنظيم الجلسة الافتتاحية بانتخاب الرئيس الجديد ونائبيه وتشكيل لجنة النظام الداخلي، فيما انتخب المجلس أمس إبراهيم بودربالة رئيسا له.
بدوره، قال بودربالة: "نحن كتلة واحدة نعمل لرفع التحدي ليكون المجلس محل رضا الشعب التونسي".
وحول الجدل القائم بشأن تنظيم كتل برلمانية من عدمه، قال رئيس المجلس النيابي "إن هذه المسألة ستكون من أنظار لجنة النظام الداخلي وستكون محل بحث وتدقيق"، معبرا في الآن ذاته عن عدم اعتقاده في أن اختيار تنظيم الكتل سيكون الخيار الأمثل.
وأضاف في هذا الصدد أنه سيتمّ اختيار الوسيلة الأنجع للعمل البرلماني، كما قال "إن الكتل المتصارعة والمتصادمة، لا تخدم الحياة البرلمانية".
وأثار تصريح للرئيس سعيد تساؤلات حول كيفية التنظيم في المجلس الجديد وطرق تنظيم أعماله بعد تحذيره من نظام الكتل الذي كان معمولا به سابقا.
وقال سعيد خلال زيارته لمقر جريدة الصحافة الحكومية، السبت: "ليعلم هؤلاء النواب أنهم تحت رقابة الشعب التونسي، وما يحصل اليوم حتى مع عدد من النواب في تكوين الكتل، هذا أمر يعتبرونه من التاريخ، ولن يكون البرلمان كما كان في السابق، والتشريعات يجب أن تعبر عن الإرادة العامة، لا عن إرادة بعض الجهات التي ما زالت تحن إلى العشرية الماضية وإلى البرلمان الماضي".
من جهته، دعا حزب حراك 25 يوليو/ تموز، في بيان، "جميع النواب بالمجلس التشريعي إلى الوقوف صفا واحدا مساندة لمسار 25 يوليو/ تموز"، كما دعا النواب إلى "ممارسة حقهم في مراقبة عمل أي نائب واعتماد آلية سحب الوكالة عند إخلاله بواجباته".
وبين أستاذ القانون العام يوسف عبيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "نظام الكتل منصوص عليه في الدستور الجديد في ما يتعلق بمنع السياحة البرلمانية والانتقال بين الكتل"، مشيرا إلى "أهمية الكتل في إعطاء صورة واضحة حول خيارات المؤسسة التشريعية، وتوضيح موقف كل كتلة من المسائل التشريعية في مختلف الميادين".
وبين أنها "تساعد (التكتلات) على إيجاد حوار واضح المعالم والمواقف القائم على حجج وحجج مضادة، باعتبار أن البرلمان فضاء للحوار، وهو ما يجعل الناخبين والمواطنين قادرين على متابعة ناخبيهم ومراقبتهم"، بحسب قوله.
وبين عبيد أنه "لا يمكن الجزم بغياب الكتل، وهو رأي الرئيس، كما لا يمكن أن نبني عليه، وخاصة أن المجلس الجديد هو من سيضع نظامه الداخلي وسيحدد الهياكل، بما فيها الكتل، وطبيعة تكوينها ودورها".
وأفاد بأن الضبابية تسود في ما يتعلق بنظام الكتل، وخاصة أن المجلس سيحدد طرق اشتغاله من خلال لجنة النظام الداخلي.
أهمية الكتل البرلمانية
وأكد رئيس المجلس الوطني لحركة الشعب، النائب بالبرلمان الجديد عبد الرزاق عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ضرورة تشكيل كتل برلمانية لبناء تشريعات، متسائلا عن قدرة البرلمان على الحوار وصياغة القوانين وتعديلاها دون وجود نقاش بين الكتل ورؤسائها لإيجاد توافق وأرضية على صياغة معينة.
وشدد على أن "نظام الكتل يقرب المجموعات البرلمانية ويزيد من قدرتها على التفاعل معاً".
وتابع: "التنظيم مهم ويسهل توزيع الأدوار على مستوى اللجان المختلفة حتى يتم التنسيق والمتابعة بين النواب، فلا يمكن للفرد أن يكون موجودا في مختلف المواقع، بل ينسق مع من يمثله في بقية اللجان، ما يزيد من الإجماع عند الصياغة ويعزز المقبولية عند المصادقة في الجلسة العامة بشكل نهائي".
وأكد أن "الكتل تجمع المواقف المتقاربة وتيّسر عمل الجلسة العامة واللجان، وإلا فإن دون ذلك سيتم مجابهة 154 موقفا أو رأيا مختلفا في الوقت نفسه.. لا يمكن التوافق بين 154 نائبا، وسيكون العمل أسهل بين الكتل التي تجتمع وتتفق في ما بينها، إذ ينقل رؤساء الكتل مواقف كتلهم لأجل ايجاد أرضية توافق".
وحول وصول نواب منتمين لأحزاب من العشرية السابقة لعضوية البرلمان بغطاء المستقلين، قال عويدات إن "حركة الشعب ترشحت بوضوح باسم الحزب، بينما هناك من ترشحوا متخفين وهم منتمون لأحزاب رافضة للانتخابات وسربوا من يمثلهم داخل البرلمان، ومن جهة أخرى هناك من كانوا منتمين لحزب ما واستقالوا منه وغادروه، فمقاطعة حزبه الانتخابات لم تلزمه وعبر عن استقلاليته بمخالفته موقف حزبه السابق".
دعوة إلى مقاطعة البرلمان الجديد والعمل على إسقاطه
وقال بيان لحزب العمال، أمس الإثنين، إن "قيس سعيّد عمد إلى ضبط توجهات النظام الداخلي للبرلمان، من خلال تصريحه باعتبار أن تشكيل الكتل البرلمانية أصبح من الماضي، حتى يبقى مجرّد أفراد معزولين بعضهم عن بعضهم"، واعتبر أن هذا "البرلمان الهجين أداة من أدوات الاستبداد".
ودعا حزب العمال الشعب التونسي وقواه التقدمية السياسية والاجتماعية والمدنية إلى "مقاطعة البرلمان الجديد، والعمل على إسقاطه"، معتبرا أن هذا البرلمان "فاقد للشرعية والمشروعية، إذ لم يشارك في انتخابه 90% من الناخبات والناخبين".
كذلك، قال حزب التيار الديمقراطي، اليوم الثلاثاء، إنه "لا يعترف" بالبرلمان الجديد، مشيرًا إلى أنه "فاقد للشرعية والمشروعية لكونه انبثق عن دستور وقانون انتخابي على المقاس وعن انتخابات قاطعها تسعة أعشار التونسيين".
وأضاف أن "مصير هذه المؤسسة سيكون مماثلا لمصير باقي الأجهزة التي يستعملها قيس سعيد كشماعة للتغطية على فشله والتنصل من المسؤولية".
ودوّن القيادي في حراك مواطنون ضد الانقلاب الأمين البوعزيزي ساخرا "الحاكم بأمره جرّم تشكيل كتل برلمانية داخل مسرح الدمى الذي فصّله على مقاسه، رغم أن دستوره ينص على الحق في تشكيل الكتل"، مضيفًآ: "قريبا سيتم تجريم الأحزاب في عصر العشوائية الشعبوية القومجية العظمى من تحزب خان والغوغاء في كل مكان".