تثير التغيّرات المتسارعة في الساحل الغربي لليمن، بعد الانسحاب المفاجئ ليل الأربعاء الخميس الماضي، للقوات المشتركة التابعة للحكومة اليمنية، والمدعومة من الإمارات، من مناطق مهمة في محيط مدينة الحديدة، مركز محافظة الحديدة الساحلية، والتي كانت تسيطر عليها منذ ما قبل اتفاق استوكهولم الموقع بين الحوثيين والحكومة في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، وتسليمها من دون قتال للحوثيين خلال الأيام الماضية، قبل أن تتجدد المعارك السبت، تساؤلات حول طبيعة التطورات المقبلة في اليمن، وما إذا كانت هذه الانسحابات قد تمّت بناء على تفاهمات مع الحوثيين. وجاءت التطورات في الحديدة بعد ساعات من زيارة المبعوث الأممي لليمن، هانس غروندبرغ، إلى الساحل الغربي لليمن، ولقائه قيادة القوات المشتركة، وقائد المكتب السياسي لحرّاس الجمهورية وقائد المقاومة الوطنية، العميد طارق محمد عبدالله صالح، وهو نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي قتله الحوثيون في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017.
جاءت تطورات الحديدة بعد ساعات من زيارة المبعوث الأممي لليمن إلى الساحل الغربي لليمن
ويقود طارق صالح القوات المشتركة، التي تجتمع فيها قواته المتمثلة في المقاومة الوطنية وحرّاس الجمهورية، إضافة الى القوات التابعة للشرعية، مثل الألوية التهامية وجزء من قوات "العمالقة" ومقاتلين سلفيين، فضلاً عن قوات المقاومة الجنوبية، لكن تطورات الأيام الماضية أظهرت عدم تنسيق في ما بينها، وهو ما ينتظر أن يتضح أكثر في الأيام المقبلة.
وأكدت قيادة القوات المشتركة أن انسحابها جاء تطبيقاً لإعادة الانتشار وفق اتفاق استوكهولم، ملمحة إلى عزمها الانتقال إلى جبهات يمنية أخرى، لم تحددها. وقدّمت القوات المشتركة، في بيان صدر عنها مساء أول من أمس الجمعة، عدداً من التبريرات المتناقضة لانسحابها الغامض من الحديدة، والذي استغله الحوثيون حيث قاموا بالسيطرة على مناطق واسعة تمّ إخلاؤها في مديريتي الدريهمي والتحيتا، جنوبي مدينة الحديدة. وقالت القوات المشتركة إن قرار الانسحاب يأتي كجزء مما سمتها "المعركة الوطنية لمواجهة المخاطر التي تهدد أمن الوطن والمواطن اليمني والأمن القومي العربي". وأضافت أن "قيادة القوات المشتركة تؤكد أنها اتخذت هذا القرار في ضوء خطة إعادة الانتشار المحددة في اتفاق استوكهولم"، فيما هاجمت في الوقت ذاته الاتفاق الأممي، معتبرة أنه "حرمها من تحقيق هدف استراتيجي لليمن والأمن القومي العربي". كما اتهمت الحكومة الشرعية بالتمسك في تنفيذه على الرغم من انتهاكات المليشيات الحوثية له منذ توقيعه.
بدوره، وصف رئيس المركز الإعلامي لـ"المقاومة الوطنية" وحرّاس الجمهورية، سمير رشاد اليوسفي، في سلسلة تغريدات عبر "تويتر"، أول من أمس، ما حدث بأنه "إخلاء للمناطق التي يحكمها اتفاق استوكهولم في محيط مدينة الحديدة"، مضيفاً أن الخطوة "جاءت لتصحح مسار العمليات العسكرية ولتزيل القيود عن مهام القوات المشتركة، وتحرّرها من سيطرة اتفاق السويد الذي عطّل كل إمكانياتها وهدّد قيمتها العسكرية". ولفت اليوسفي إلى أن قيادة القوات المشتركة "اتخذت قراراً بإعادة الانتشار، في وقت تتقلص فيه الخيارات العسكرية للشرعية، وسيكون له تأثيرات واضحة وفعّالة لإسنادها". وأشار إلى أن قرار إعادة الانتشار "جاء لتلافي الأخطاء السياسية التي شابت بنود اتفاق استوكهولم وأقحمت القوات المشتركة في معارك استنزاف يومية أبعدتها عن حماية الشعب اليمني".
واعتبر رئيس المركز الإعلامي لـ"المقاومة الوطنية" وحرّاس الجمهورية، أن الخطوة "تاريخية في توقيتها ودلالاتها، وجاءت تتويجاً لدعوات قيادة المقاومة الوطنية المتكررة لكافة الأطراف الحريصة فعلاً على مواجهة المدّ الإيراني، عبر تكوين اصطفاف وطني يضمن تشكيل جبهة موحدة في وجه كل ما يهدد الأمن الوطني والإقليمي". وخلص اليوسفي إلى القول إنه "بقرار إعادة الانتشار من محيط مدينة الحديدة، وضعت قيادة القوات المشتركة المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام مسؤولياتهم في تنفيذ اتفاق استوكهولم، لتتفرغ بدورها للقيام بمسؤولياتها وواجباتها الوطنية المتمثلة باستعادة الدولة والجمهورية".
أما البعثة الأممية لمراقبة اتفاق الحديدة، فأكدت في بيان أصدرته الجمعة، أنه لم يكن لديها أي علم مسبق بالتحركات التي شهدتها محافظة الحديدة بعد انسحاب القوات المشتركة. وقالت البعثة إنها "تقوم بالتنسيق ما بين الأطراف للتوصل إلى الحقائق، وتدعو لضمان أمن وسلامة المواطنين في مناطق تغير خطوط التماس"، مشيرة إلى أن "التقارير التي تشير إلى وقوع ضحايا من المدنيين جرّاء الضربة الجوية في التحيتا تثير القلق".
سيطر الحوثيون على مديريات جنوبي الحديدة، مثل الدريهمي والتحيتا
بدورها، نفت الحكومة اليمنية، فجر أمس، صلتها بانسحاب القوات المشتركة من جبهات عدة في الحديدة. وأكد الفريق الحكومي في لجنة تنسيق إعادة الانتشار بموجب اتفاق استوكهولم، مساء الجمعة، أن "ما يجري حالياً في الساحل الغربي من إعادة انتشار للقوات، يتم من دون معرفة الفريق الحكومي ومن دون أي تنسيق مسبق معه". وأوضح الفريق في بيان صحافي، أن إجراءات إعادة الانتشار يفترض أن تتم كما هو المعتاد، بالتنسيق والتفاهم مع بعثة الأمم المتحدة في الحديدة عبر الفريق الحكومي، والتي لم تكن في الصورة". واعتبر البيان أن "أي تقدم للحوثيين في مناطق سيطرة الشرعية بالحديدة تحت أي ظرف مخالفة صريحة لروح ونصوص اتفاق استوكهولم ويستدعي موقفاً واضحاً وصريحاً من المجتمع الدولي تجاهه".
ووفق مصادر عدة تواصلت معها "العربي الجديد"، فإن ما حدث من انسحاب للقوات المشتركة من الحديدة، بدأ ليل الأربعاء – الخميس الماضي، عندما تمّ إبلاغ القوات المشتركة داخل مدينة الحديدة بالانسحاب بناء على خطة تنفيذ لاتفاق السويد، لكن لم يتم تحديد مكان إعادة التموضع لهذه القوات بعد الانسحاب، فبدأ الخروج من المنطقة عشوائياً ومن دون تنظيم. وواصلت بعض تلك القوات الانسحاب حتى المخا (غرب تعز)، فيما وجدت بعض الوحدات المرابطة في الشريط الساحلي نفسها أمام وضع جديد، فأصابها القلق والارتباك خوفاً من وجود خيانة ومؤامرة، فقرّرت الانسحاب بدورها، فيما بقي البعض منها، حيث اندلعت اشتباكات بينها وبين الحوثيين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، لا سيما أن هذه الوحدات لم يتم تبليغها بالانسحاب، الذي استمر حتى مساء الخميس.
وبحسب مصادر في الساحل الغربي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن الحوثيين سيطروا على المواقع التي انسحبت منها القوات المشتركة، من دون أن ينسحبوا من أي من مواقعهم، حيث كان الاتفاق خديعة من الحوثيين تمكنوا من خلالها السيطرة على مناطق ومواقع دون أي مواجهات أو خسائر. وواصل الحوثيون حملة الاعتقالات ضد المواطنين في المناطق التي انسحبت منها القوات المشتركة في التحيتا والدريهمي، بحجة ولائهم وانتمائهم ومساعدتهم للقوات المشتركة حين كانت تلك المناطق تحت سيطرتها. كما أعلنت الجماعة أول من أمس، مقتل أربعة مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال، بغارة جوية للتحالف السعودي في التحيتا.
وفيما انسحبت بعض الألوية باتجاه المخا وتعز، ونقلت قوات طارق صالح بعض ألويتها إلى مناطق في تعز، لا سيما في الوازعية، عمدت قوات "العمالقة" والتهامية والسلفيين إلى إعلان حال الطوارئ، واستدعت كل عناصرها من عدن وباقي مناطق الجنوب للتوجه إلى الساحل الغربي، في ما يبدو أنه تحشيد لإعلان عملية عسكرية ضد الحوثيين بهدف استعادة المواقع التي سيطرت عليها الجماعة أخيراً، وهو ما يشير إلى عدم التنسيق داخل "القوات المشتركة".
في غضون ذلك، طالب يمنيون بتوضيح شامل وكامل من القوات المشتركة، لا سيما من قيادتها ممثلة بالعميد طارق صالح، الذي قيل إن الانسحاب جاء بأوامر منه، حول أسباب الانسحاب، فيما طالب آخرون بالكشف عن خفايا اتفاق السويد وما إذا كان يقضي بتسليم الحديدة للحوثيين وانسحاب القوات المشتركة من المحافظة، خصوصاً أن الانسحاب جاء بعد ساعات فقط من زيارة المبعوث الأممي إلى الساحل الغربي.