اندفاعة بولندا لدعم أوكرانيا: العداء لروسيا وتعزيز الدور دولياً

09 مارس 2022
تملك بولندا 28 مقاتلة من طراز ميغ 29(Getty)
+ الخط -

رفضت الولايات المتحدة، أمس الثلاثاء، العرض الذي قدّمته بولندا، لتسليم قاعدة "رامشتاين" الجوية الأميركية في ألمانيا، مقاتلاتها التي تملكها من طراز "ميغ 29" السوفييتية الصنع (تملك 28 مقاتلة من هذا الطراز)، بغية إرسالها إلى الجيش الأوكراني، وقواته الجوية، المتعطشة إلى المقاتلات الجوية الحربية في معركتها لصدّ الغزو الروسي المستمر على البلاد، منذ 24 فبراير/شباط الماضي.

وصدرت تصريحات من واشنطن، اعتبرت العرض البولندي، غير قابل للتطبيق، وأن الإدارة الأميركية تفاجأت به، علماً أن الطرفين لا يزالان قيد التفاوض حول المسألة، بحسب ما أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي. ويبدو العرض البولندي، بمثابة إحراج لواشنطن، التي كانت أكدت أنها تبحث مع وارسو، تسليمها مقاتلات حربية، لتزويد كييف بها. وتمكنت وارسو من فرض هذه القضية على طاولة البحث بشكل أكبر، وهو ما تعتبره كييف قضية حياة أو موت، فيما يستبعدها البيت الأبيض.

قلق أميركي من تزويد كييف بالمقاتلات الجوية

وتثير مسألة تسليم كييف مقاتلات جوية، قلقاً لدى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لاسيما أن موسكو كانت حذّرت أي دولة قد تفكر بالمشاركة جوّاً في الحرب، أو دعم الأوكرانيين بسلاح الجو، من أنها ستعتبر الأمر مشاركة في الحرب، وستواجه برد روسي. 

ويأتي الرفض الأميركي، على الرغم من الضغط الأوكراني الذي يمارس في هذا الإطار، ومحاولة إحراج الحليف الأميركي لإنهاء تحفظه حول الموضوع، ضمن حسابات "لوجيستية" أولاً، وعسكرية تتعلق بتواضع الدور الذي يمكن أن تقدمه مثل هذه المقاتلات لدعم الجيش الأوكراني، وتجنب أي مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا.

وفيما تركز واشنطن حالياً على جعل كلفة الحرب عالية جداً على الروس، فإن الاستراتيجية التي تبدو واضحة هي استمرار دعم أوكرانيا بالسلاح والعتاد الذي بإمكانه إبطاء التقدم الروسي، وإضعافه، ونزع هالة القوة عن الجيش الروسي، ثم إغراقه في مستنقع المقاومة الداخلية. وتطلب بولندا طائرات "إف 16" الأميركية الصنع، حتى لو كانت "مستعملة"، مقابل ما ستمنحه للقوات الجوية الأوكرانية، علماً أنها بصدد الحصول على دفعة جديدة من الدعم العسكري، والتعزيزات التي يواصل الناتو تثبيتها في أوروبا الشرقية، كجزء من خططه الدفاعية لمواجهة التهديدات الروسية.

تخشى بولندا أي هجوم روسي عليها، من بيلاروسيا

ولا يفسّر العداء التاريخي الذي يكنّه البولنديون لروسيا، وحده، اندفاعة وارسو، منذ بداية تصاعد الأزمة الأوكرانية – الروسية، لـ"تقديم الخدمات"، دعماً لكييف، ولفتح حدودها أمام اللاجئين الأوكرانيين، الهاربين من نيران الحرب. فبولندا، وهي أكبر دولة منضوية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شرق أوروبا، تجد الفرصة سانحة لها اليوم، من بوابة موقعها الاستراتيجي في الصراع، لتحسين ورفع حضورها على الساحة السياسية الدولية، فيما تخشى أيضاً أي هجوم روسي عليها، من بيلاروسيا. وتملك بولندا حدودا مشتركة مع أوكرانيا بمساحة 332 ميلاً، وهي شكّلت الوجهة الأولى والكبرى للقوات الأميركية الواصلة إلى شرق أوروبا منذ يناير/كانون الثاني الماضي، كما أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أعلن الشهر الماضي عن صفقة تسليح إضافية لوارسو بقيمة 6 مليارات دولار.

وجدّد رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيتسكي، اليوم الأربعاء، من العاصمة النمساوية فيينا، التأكيد على أن أي تزويد لأوكرانيا بالمقاتلات الجوية، يجب أن يحصل بالإجماع من قبل دول الناتو، وذلك بعد اضطرار البنتاغون الثلاثاء للخروج بقرار حول المسألة، رداً على الإعلان البولندي الحكومي في اليوم ذاته، بأن وارسو تضع مقاتلات "ميغ 29" التي تملكها بتصرف الولايات المتحدة، وهي جاهزة لتسليم هذه المقاتلات إلى أوكرانيا عبر "الناتو"، وليس مباشرة.

وقال مورافيتسكي، إن "مثل هذا القرار الجدّي يجب أن يؤخذ بالإجماع، من قبل حلف شمال الأطلسي بالكامل. نحن لم نوافق على تزويد كييف بالطائرات بأنفسنا". من جهته، قال نائب وزير الخارجية البولندي، بافيل جابلونسكي، في حديث إذاعي، أمس، إنه "لا يصلح أن تكون بولندا، وحدها من دول الناتو، التي ستقوم بهذه الخطوة الخطرة، وألا تقوم الدول الأخرى بالتعويض، أو تشارك الخطر معنا بأي شكل من الأشكال".

وضاعفت كييف، أخيراً، ضغوطها ومطالبتها دول الأطلسي والولايات المتحدة، بزيادة دعمها لها، وتزويدها بمقاتلات جوية، تعتبرها قادرة على قلب المعادلة في وجه الزحف الروسي. وتحاول كييف، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، الضغط أيضاً على المشرعين في الكونغرس الأميركي، لهذا الهدف. وحضّ زيلينسكي اليوم، الدول الغربية على اتخاذ "قرار بأسرع وقت" بشأن العرض البولندي. وقال في مقطع مصور: "اتخذوا قراراً في أسرع وقت، أرسلوا إلينا الطائرات"، داعياً إلى درس الاقتراح البولندي "فوراً". 

لكن حسابات البيت الأبيض، والبنتاغون، تبدو مختلفة. وأعلن البنتاغون أمس، أن الولايات المتحدة تعتبر عرض وارسو "غير قابل للتطبيق". وقال المتحدث باسمه، جون كيربي: "سنواصل التشاور مع بولندا ومع حلفائنا الآخرين في حلف شمال الأطلسي حول هذه المسألة وحول ما تطرحه من تحديات وصعوبات لوجستية، لكننا لا نعتقد أن مقترح بولندا قابل للتطبيق". واعتبر أن احتمال وضع مقاتلات بتصرف الولايات المتحدة وانطلاقها من قاعدتها في ألمانيا، وتحليقها في مجال جوي متنازع عليه مع روسيا "يثير قلقاً جدّياً لدى حلف الناتو". 

من شأن العرض إذا ما نفّذ، أن يقدم دعماً معنوياً للأوكرانيين، لكنه يرفع خطر أن تنزلق الحرب إلى خارج الحدود الأوكرانية

وكانت واشنطن أعربت الثلاثاء أيضاً عن "تفاجئها" بالمقترح البولندي، الذي جاء عبر بيان للخارجية في وارسو. وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند: "على حد علمي، لم يتشاوروا معنا مسبقاً"، في إشارة إلى الجانب البولندي، وإلى الإعلان بالذات، إذ أضافت: "أعتقد أنه إعلان مفاجئ من جانب البولنديين". وكانت الخارجية البولندية أعلنت أن "سلطات جمهورية بولندا وبعد مشاورات بين الرئيس والحكومة، مستعدة لإرسال كل طائراتها من طراز ميغ 29 من دون تأخير ومجاناً إلى قاعدة رامشتاين ووضعها بتصرف حكومة الولايات المتحدة".

ومن شأن العرض إذا ما نفّذ، أن يقدم دعماً معنوياً للأوكرانيين، لكنه يرفع خطر أن تنزلق الحرب إلى خارج الحدود الأوكرانية، بعدما حذّرت روسيا من أن دعم سلاح الجو الأوكراني من أي دولة، يعد مشاركة لها في الحرب، وقد يستدعي رداً. وتؤكد جميع دول حلف شمال الأطلسي، أنها لن تشارك في الحرب، بل تواصل هذه الدول إرسال الدعم العسكري لكييف.

وبحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا لوكالة "أسوشييتد برس"، فإن المسألة لم يثرها المسؤولون البولنديون خلال لقائهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي في وارسو. لكن بلينكن نفسه كان أكد من مولدوفا الأسبوع الماضي، أن بلاده تبحث إرسال مقاتلات جوية إلى بولندا، إذا ما قرّرت الأخيرة إرسال طائرات حربية إلى أوكرانيا. وأكد مسؤول أميركي، لـ"أسوشييتد برس"، أول من أمس، أن البيت الأبيض لا يعتقد أن العرض البولندي، بشكله المطروح، سيحل المشكلة اللوجستية المتعلقة بكيفية نقل الطائرات إلى الجيش الأوكراني، المدرب جيداً على استخدام هذا النوع من الطائرات.

من جهته، ندد الكرملين اليوم، باقتراح بولندا معتبرا أن هذا الإجراء "سيناريو خطر" إذا تحقق. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف: "هذا سيناريو بغيض وقد يكون خطراً".
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)