أثار المرسوم الرئاسي الصادر، اليوم الجمعة لتعديل بعض أحكام قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات جدلاً واسعاً في تونس، حيث وصفه سياسيون بالمنعرج الخطير، مؤكدين أنه لا يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة مستقبلاً وإنما عن هيئة وانتخابات الرئيس.
وأصدر الرئيس التونسي قيس سعيد في وقت سابق اليوم، مرسوماً يقضي باستبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بسبعة أعضاء جدد، في أحدث قرار له لفرض هيمنته على السلطات بعد حلّ مجلس النواب والمجلس الأعلى للقضاء، في سلسلة إجراءات توصف بأنها "انقلابية".
وأصدرت حركة النهضة بيانا اعتبرت فيه أن "الرئيس أصدر مرسوما ألغى بمقتضاه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الشرعية، معلنا عن تركيبة لهيئة جديدة يعيّن رئيسها وأعضاءها بالتنصيب لا بالانتخاب، في خطوة جديدة في اتجاه استكمال أركان الانقلاب".
وأعلنت حركة النهضة عن "رفضها لهذا المرسوم الذي يعبّر عن الاستخفاف بالشعب التونسي وثورته والإمعان في تفكيك الدولة والاستحواذ على كل السلطات وتخريب المكاسب الديمقراطية".
وقالت إنّ "الرئيس الذي وضع بلادنا على سكّة الانهيار الاقتصادي والمالي، يواصل الدّوس على الدستور الذي يمنع الفصل 70 منه أي تغيير للموادّ الانتخابية بالمراسيم".
وأكدت أن "الإجراءات الاستثنائية أنهاها القانون رقم 1 الذي صدر عن جلسة مجلس نواب الشعب يوم 30 مارس 2022" ودعت القوى الوطنية لـ"التصدّي لمشروعه الاستبدادي واتخاذ الخطوات الضرورية لإنقاذ البلاد واستئناف المسار الدستوري الديمقراطي".
وفي السياق، قال القيادي في حركة النهضة، العجمي الوريمي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الخطوة لم تفاجئه، بل هي حلقة جديدة من حلقات المسار الانقلابي، الذي كان قد انطلق في 25 يوليو".
وأوضح الوريمي أن "الهدف كان منذ البداية الإطاحة بالتجربة الديمقراطية والمؤسسات تحت باب الفصل 80، وحتى هذا الفصل نص على أن البرلمان يبقى في حالة انعقاد، ولكن هذا لم يحصل".
وأضاف أنه "بهذه الخطوة يتوغل سعيد خطوة أخرى في الانقلاب وفي التمدد غير عابئ بالنداءات وبأصوات الطبقة السياسية وخبراء القانون والمجتمع المدني بإنهاء حالة الاستثناء والعودة إلى الإطار الدستوري، لكي يبقى اللاعب الوحيد في الساحة السياسية بقواعد جديدة يرسمها بنفسه ويغيرها متى أراد".
التحكم بالعملية الانتخابية
من جانبه، أكد القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني، أنه "بعد إرساء المجلس الأعلى الرئاسي للقضاء، فإن سعيد يرسي الهيئة العليا الرئاسية للانتخابات ليختار تعيين 7 أعضاء بنفسه، ما يعني التحكم في كل مسار العملية الانتخابية".
وأضاف العجبوني في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن" الرئيس يريد أيضا تغيير المنظومة الانتخابية، رغم أن الدستور في الفصل 70 ينص على استثناء النظام الانتخابي من المراسيم، ولكن سعيد هو الرئيس والحكومة ومراسيمه غير قابلة الطعن، لأنه حصنها وكان ضد إرساء المحكمة الدستورية".
وتابع أن "هيئة الانتخابات ستصبح هيئة رئاسية، ورغم الحديث عن لجان ستسهر على متابعة الاستشارة وأخرى لتنقيح الدستور، ولكنه في الحقيقة بصدد ربح الوقت لوضع الفاعلين السياسيين والتونسيين أمام الأمر الواقع"، مضيفاً أنه" لم يعد يفصلنا سوى شهر ونصف على الاستفتاء في غياب نص قانوني للاستفتاء ودون إعلام رسمي لهيئة الانتخابات بالاستفتاء، فالدولة لا تسير بالتصريحات بل بوثائق".
بدوره، أفاد عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، الحبيب بوعجيلة، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "مثلما كان متوقعاً، تسير البلاد في نفس المسار الذي اختاره رئيس سلطة الأمر الواقع، والذي يتجه إلى حل كل المؤسسات التي بني عليها الانتقال الديمقراطي وآخر عنصر من عناصرها انتخابات حرة"، مضيفاً أنه "كان لابد من ضرب حرية الانتخابات حتى يتمكن الانقلاب من إحكام سيطرته".
الانقلاب لا يخفي نواياه، فهو يتحدث عن أي مؤسسة يريد استهدافها قبل شهر، ثم يمرّ إلى تفكيكها
ولاحظ بوعجيلة أن "الانقلاب لا يخفي نواياه، فهو يتحدث عن أي مؤسسة يريد استهدافها قبل شهر، ثم يمرّ إلى تفكيكها"، مضيفاً أن "كل من ظل يحمل شكاً أن الانقلاب حقيقة بكل ما يحمله من قوة فهذا رد إضافي على استهداف كل المسار الديمقراطي الذي انطلق منذ فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في يناير 2011".
وتابع أن "المعارضة لا تملك الآن إلا ما عبّرت عنه سابقاً، أي مواصلة التظاهر السلمي رفضاً للانقلاب، وفي المقابل فإن السلطة تملك الآن كل الإمكانيات لقمع التحركات، والزيارات المتتالية لرئيس الجمهورية للقوات المسلحة دليل واضح أنه يلوح باستعمال القوة".
استكمال بناء المنظومة الاستبدادية
وفي السياق، يرى الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي في تصريح لـ "العربي الجديد " أن هذا المرسوم استكمال لبناء المنظومة الاستبدادية الجديدة في تونس وإلغاء المسار الديمقراطي وضرب مقومات الدولة"، مضيفاً أنه "بعد حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، جاء الدور على الهيئة المستقلة للانتخابات لأن قيس سعيّد يعرف أن شعبيته تتراجع ولا مستقبل لمشروعه السياسي إلا باستعمال أدوات الدولة وفرض الأمر الواقع بالمراسيم".
وقال الشابي إنه" تم الانتقال من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى الهيئة المنصبة للانتخابات التي ستعمل على إفراز مجلس نيابي صوري يلبي طموحات الرئيس لفرض سيطرته على الدولة"، مؤكداً أن "هذا الأمر مرفوض وسيتم التصدي لهذا المشروع بالتعاون مع كل القوى الوطنية دون استثناء".
أما القيادي في حزب تحيا تونس، مصطفى بن أحمد، فأكد أن" المرسوم الصادر نتيجة للمسار الذي بدأ منذ 25 يوليو والمرسوم 117"، مبيناً أن" الرئيس عندما سمح لنفسه باختراق والتلاعب بالدستور فطبيعي جداً أن يتم تفكيك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فمشروع الرئيس قائم على الفرز والتطهير".
وأوضح بن أحمد أن "الفرز يعني أن من معه ستوضع أمامهم القواعد، ومن ضده سيكون أمامهم العزل والفصل"، مشيراً إلى أن" النظام الانتخابي الجديد جاء لعزل القوى السياسية من المشهد في إطار رؤية وشكل جديدين".
وبحسب ما أفاد الأمين العام لحزب العمال، حمة الهمامي لـ"العربي الجديد"، فإن هذا المرسوم "خطوة من الخطوات ضمن مسار متكامل انطلق منذ 25 يوليو"، لافتاً إلى أن "ما حصل لم يفاجئهم فالرئيس يسير نحو مشروعه الفردي والاستبدادي".
وأضاف أن "من يتفاجأ هو من كان له وهمٌ اسمه قيس سعيد"، مبيناً أنهم سيردون في بيان واضح على هذه الخطوة.
نسف مكاسب الثورة
وفي السياق، قال المدير التنفيذي لحزب أمل، رضا بلحاج، إن "سعيد يواصل نسف المكاسب التي حققها الشعب التونسي منذ الثورة، وآخرها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي عمل لتركيزها مناضلون ومناضلات تركوا مشاغلهم وتفرغوا لبناء هذه الهيئة حجرة حجرة".
وأوضح بلحاج أن هذه الهيئة بدأت برئاسة كمال الجندوبي وزملائه وكان عملهم شاقاً طيلة سنة 2011 ولم يكن الأمر سهلاً لإحداث كيان مستقل عن وزارة الداخلية ينظم الانتخابات بطريقة مستقلة".
وأضاف في تدوينة أن "انتخابات أكتوبر 2011 كانت أول انتخابات نزيهة في تاريخ تونس وفي كامل أنحاء الوطن العربي حضرها ملاحظون من كافة أنحاء العالم وشهدت بنزاهتها كل المنظمات العاملة في مجال الانتخابات".
وأكد أن ما قام به قيس سعيّد من وضع يده على هذه الهيئة "يعد ضرباً لأهم المكاسب التي حققها الشعب التونسي في تاريخه الحديث وهو نفس ما قام به تجاه البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء".
وقال رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني في تدوينة له إن "ما حصل هو خرق جديد للدستور وللقواعد الديمقراطية، رئيس الجمهورية يقرر حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بغير وجه حق دستوري، وتعيين هيئة الرئيس للانتخابات".