مع توصل الاتحاد الأوروبي والصين، أخيرا، لاتفاقية مبدئية حول الحماية المتبادلة للاستثمارات، برزت انتقادات في ألمانيا للمستشارة أنغيلا ميركل تتهمها بأنها، خلال الرئاسة الألمانية الدورية للاتحاد، أرادت جعل موضوع العلاقات بين الصين والاتحاد رئيسيا على أجندتها ودفعت بذلك حتى النهاية، متجاهلة انتهاكات حقوق الإنسان من قبل بكين، ومغامِرةً بالمصالح الجيوسياسية لأوروبا.
ويقرأ المنتقدون في عامل التوقيت مؤشرًا على الدور الضاغط الذي لعبته ألمانيا، بعد أن تسارعت وتيرة الاتفاق فجأة خلال الأيام الاخيرة من العام الماضي، قبيل تسليم ألمانيا الرئاسة، في مطلع يناير/كانون الثاني 2021، إلى البرتغال.
وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "دي فيلت" إلى أن ميركل استطاعت انتزاع موافقة رؤساء الحكومات المتشككين في العواصم الأوروبية الأخرى بنتيجة المفاوضات، وكل ذلك من منطلق أن ميركل لديها اعتقاد راسخ بأن تحولا في علاقات القوة العالمية في اتجاه آسيا أمر لا مفر منه، والصين آخذة في الصعود أوروبيا، بينما أوروبا في تراجع.
ومن الناحية الجيوسياسية، ترى بعض التعليقات أن ميركل تسرّعت في عقد اتفاق، مخاطِرةً بعرقلة استئناف العمل مع الولايات المتحدة، قبل أسابيع من دخول جو بايدن البيت الأبيض، لا سيما أن هذا الواقع الجديد من شأنه أن يقدّم دعما للصين في النزاع التجاري مع الولايات المتحدة، رغم أن الاتحاد الأوروبي أشار إلى أنه يتطلع نحو أجندة جديدة عبر الأطلسي مع بايدن، في وقت أعلن فيه هذا الأخير أنه سيعيد الاعتبار من جديد لحلفاء الولايات المتّحدة الدوليين.
وأمام هذا الواقع، اعتبر الكاتب فيليب ماتهايس، في مقابلة مع موقع "دير ستاندرد" الإلكتروني، أن الاتحاد الأوروبي بهذا الاتفاق عزل شريكه عبر الأطلسي، وأصبح من الصعب على بايدن تشكيل جبهة مشتركة ضد بكين، مشيرا إلى أن "الممارسات التجارية غير العادلة مع جمهورية الصين ستستمر، وبخاصة المشاريع المشتركة الإجبارية في الصناعات الرئيسية". وفي سياق آخر، قال إن الأمر "يصبح مهزلة عندما يبرم كبار السياسيين صفقة خلف الأبواب المغلقة مع دولة وصلت فيها انتهاكات حقوق الإنسان العام الماضي إلى أدنى مستوى في العالم، إذ حبست القيادة في بكين مئات الآلاف من الإيغور في معسكرات العمل، وبحكم الأمر الواقع أنهت الحكم الذاتي لهونغ كونغ، وحكمت على نشطاء الديمقراطية بأحكام سجن قاسية، وبذا خان الاتحاد الأوروبي قيمه بعد أن كان في وقت سابق قد دان العمل القسري".
أما موقع "كابيتال"، فأشار إلى بحث للخبير والناشط الصيني أدريان زينز، خلص إلى أنه، وفي بداية ديسمبر/ كانون الأول فقط، أجبر حوالى نصف مليون من الإيغور والكازاخيين والأقليات الأخرى على حصاد القطن. في المقابل، ترفض الصين هذه المزاعم وتنفي وجود أي عمل قسري على الإطلاق، لا سيما في التعامل مع هذه الفئة من الأقلية المسلمة المتواجدة في منطقة شينغيانغ الشمالية الغربية. وفي تأكيد على هذا الوضع، أفادت "دي فيلت" يأن دولا أوروبية معارضة، مثل هولندا، حذرت من أن التزام الصين بمزيد من حقوق العمال وضد العمل القسري "هو مجرد كلام"، عدا عن أنه "من غير الحكمة مواجهة الرئيس المستقبلي جو بايدن بأمر واقع" جديد في العلاقة مع الصين.
في مقابل ذلك، كان هناك اعتراف للمفاوضين بإدراتهم البراغماتية، وبأنهم حصلوا على أفضل ما تتيحه قواعد اللعبة مع الصين، بالنظر إلى أن تغيير النظام الاقتصادي الصيني بشكل جذري يبقى مجرد وهم، كما أن القرار الاستراتيجي سيخدم الكثير من القطاعات، كما تستخلص "دي فيلت"، وأبرزها قطاع صناعة السيارات الألمانية؛ فعلى سبيل المثال، تعد شركة "فولكسفاغن" ثاني أكبر مصدّر للسيارات إلى الصين، كما أن الأخيرة من أهم أسواق شركة "دايملر". كل ذلك وسط الخشية من أن يكون هناك تمييز بحق الشركات الأوروبية في المناقصات العامة وغياب الأمان القانوني والشفافية، وأن لا يسمح لها بأن تكون قادرة على العمل كما الشركات الصينية في أوروبا.