انتقادات لحل البلديات وتأسيس مجالس الجهات في تونس: "ضرب الديمقراطية"

انتقادات لحل البلديات وتأسيس مجالس الجهات في تونس: "ضرب الديمقراطية"

10 مارس 2023
أصدر سعيّد مراسيم رئاسية منها حل البلديات وتعديل قانون انتخابها (Getty)
+ الخط -

أثار إصدار الرئيس التونسي قيس سعيد مجموعة من المراسيم الرئاسية، أمس الخميس، المتعلقة بحل البلديات المنتخبة وتعديل قانون انتخاباتها وسن القانون المؤسس لمجالس الجهات والأقاليم، انتقادات واسعة، وسط تنديد من معارضيه لضرب الديمقراطية المحلية والإجهاز على مسار لامركزية السلطة.

ونص المرسوم الرئاسي الصادر أمس الخميس في الجريدة الرسمية على "حلّ جميع المجالس البلدية إلى حين انتخاب مجالس بلدية جديدة"، مع تفويض "الكاتب العام للبلدية، تحت إشراف محافظ الجهة، مهمة تسيير الشؤون العادية للبلدية وإدارتها".

كما أصدر سعيد مرسوماً يتعلّق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية الجديدة وشروط الترشح لها، ومرسوما لتنظيم تركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم وطرق عملها، والتي تمثل الجماعات المحلية والجهوية.

إلى ذلك، صدر أمر رئاسي يتعلق بدعوة أعضاء مجلس نواب الشعب لحضور جلسته العامة الافتتاحية  يوم الإثنين المقبل بمقر البرلمان بقصر باردو بالعاصمة.

توقيت حل البلديات

من جهته، قال أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن دستور 2022 الذي يشبه دستور 1959 تضمن فصلا وحيدا يتحدث عن الجماعات المحلية، مقابل باب كامل في دستور 2014 كان يتحدث عن الديمقراطية المحلية واللامركزية.

وشدد الدبابي على أن "هذه المراسيم تندرج في إطار تكريس رؤيته (قيس سعيد) وفلسفته وموقفه إزاء الديمقراطية المحلية واللامركزية".

وتابع: "من غير المفهوم هذا التسرع في حل المجالس البلدية في حين أن عهدتها ستنتهي بعد أشهر، ولا يتبين من وجهة نظر سياسية سبب هذا الاستعجال كما لا نعلم متى سيتم تنظيم انتخابات بلدية جديدة، فهذه المراسيم لا تحمل أجلا واضحا حول إعادة انتخابها".

وشدد على أن" اتخاذ هذه القرارات عبر مراسيم يؤكد نية رئيس الجمهورية التطبيق المتواصل للأمر 117 الذي مكنه من السلطة التشريعية.. لقد كان من الممكن انتظار المجلس الجديد حتى يشرع في عمله والتطبيق السليم لدستور 2022 وممارسة السلطة التشريعية عبر الغرفة الأولى البرلمان".

وأكد أن "اتخاذ مثل هذه القرارات الهامة بمجرد مراسيم بارادة أحادية من رئيس الجمهورية يبين رغبته في مواصلة ممارسة سلطة التشريع رغم دخول دستور 2022 حيز التنفيذ وإجراء انتخابات وقرب تنصيب البرلمان".

إلى ذلك، قال رئيس جامعة البلديات، عدنان بوعصيدة، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إن "توقيت حل البلديات غير مفهوم باعتبار أن المدة النيابية شارفت على النهاية بعد ثلاثة أشهر تقريباً في يونيو /حزيران القادم".

وتابع "القرار لم يكن مفاجئأ خصوصا بعد الضبابية في التعاطي والشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي"، وأشار إلى أن "مسار الديمقراطية المحلية واللامركزية مهدد منذ صدور الأوامر الرئاسية دون نقاش أو استشارة، ودون إرادة الناخبين بحل ممثلين عن الشعب منتخبين".

وعبر عن "أسفه للتخلي عن هذا المسار بعد ان قطعت فيه تونس أشواطا وخصوصا لنجاحه في عديد الدول الأوروبية والآسيوية".

وقال عضو جبهة الخلاص الوطني، القيادي في "حركة النهضة"، رئيس اللجنة الانتخابية بالبرلمان المنحل، بدر الدين عبد الكافي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "هذه القرارات منسجمة مع المسار الانقلابي التدميري في سياق ضرب كل المؤسسات المنتخبة وكل ما هو مرتبط بالثورة ودستورها في 2014".

وأضاف أن هذه "خطوة أخرى في سياق التدمير بعد تفكيك كل المؤسسات الدستورية والمنتخبة، بعد حل المحكمة الدستورية الوقتية لمراقبة مشاريع القوانين وحل البرلمان المنتخب والمجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات وكل المؤسسات الوسيطة والمستقلة في قرارها".

ودان عبد الكافي "هذه القرارات" مشيرا إلى أنها "مرفوضة ومدانة كمثل إدانة كامل مسار الانقلاب".

من جانبه، تحدث القيادي في حراك مواطنون ضد الانقلاب زهير إسماعيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن "عبثية هذه المرحلة في ظل الانقلاب"، مشيرًا إلى أنّ "المراقبين للمشهد السياسي في تونس أصبحوا يسألون: ما الذي لم يحلّه قيس سعيّد بمراسيمه بعد؟ في إشارةً إلى عملية التدمير المتواصلة لكلّ ما بنته عشرية الانتقال من مؤسسات دستورية ومحلية ومنها البلديات".

وأفاد بأن "ما يحدث خارج كلّ عقل وغير قابل للمقاربة بمعادلات السياسة المعقولة ومقتضياتها الواقعية.. تونس تدخل منذ 25 يوليو/ تموز 2021 منطقة اللامعقول السياسي، ولا يفهم منحى الهدم النسقي لمؤسسات الدولة إلا على أنّه ثأر للنظام القديم من ثورة الحرية والكرامة ومسارها الانتقالي".

وتابع: "قيس سعيّد الذي يجمع بين يديه كلّ السلطات ويبشّر في الآن نفسه بالديمقراطية القاعدية على أنها نقيض للمركزية، هو من يتولى هدم تجربة في الحكم المحلي تشق طريقها بصعوبة في ظل الأزمة المالية الاقتصادية التي حولها الانقلاب إلى نكبة اجتماعية".

وأضاف أنه "لم يبق سوى أقل من ثلاثة أشهر على موعد الانتخابات البلدية، وقد كانت هيئة الانتخابات المنصّبة أشارت إلى استعداداتها لها، وهو الموعد الذي يقلق سعيّد ويفسد عليه أجندته، فضلا عن أن البلديات تمثّل حضورا محليا مهما للأحزاب وخاصة لحركة النهضة الملاحقة قياداتها من الصف الأوّل".

وتابع: "سعيّد يستبق موعد الانتخابات البلدية القريب، وهو لا يبدو واثقا من برلمانه الغامض. وإذا ما انعقد، والبلديات الحالية قائمة، فإن مشروع حلها سيأخذ كثيرا من الوقت، وسعيّد في عجلة من أمره في تفكيك المؤسسات وتدمير ما بُني، مع حرص على خلط الأوراق وربط مسار الهدم بعنوان المحاسبة والتصدّي للمؤامرة على أمن الدولة".

"حراك تونس الإرادة" يدين حل المجالس البلدية

إلى ذلك، دان حزب "حراك تونس الإرادة"، الذي أسسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، في بيان رسمي، "إقدام رئيس سلطة الانقلاب على حل المجالس البلدية المنتخبة ديمقراطياً"، مشيرة إلى أنه يمثل خطوة جديدة في مسار تقويض المؤسسات الديمقراطية للبلاد، والتقدم حثيثاً نحو إرساء نظام شعبوي.

كما أكد أنّ "قرار حل المجالس البلدية جاء للتحايل على الرأي العام وصرف نظره عن الأضرار الجسيمة التي ألحقها رئيس سلطة الانقلاب بمصالح البلاد وسمعتها، ومصالح وأمن المواطنين التونسيين العاملين والمستثمرين المقيمين بالدول الأفريقية"، بحسب نفس البيان.

أعضاء من البلديات المحلولة: خطوة سعيد تعبّد الطريق للفاشية

من جانبهم، دان ممثلو "حزب العمال" من أعضاء البلديات المحلولة، في بيان، "قرار سنّ المراسيم وتعديل القوانين الانتخابية وحلّ المجالس البلدية بعد أن شارفت عُهدتها على الانتهاء"، مؤكدين "رفضهم المطلق للتراجع عن مكاسب الديمقراطية واللامركزية ومبدأ التناصف الأفقي والعمودي في القانون الانتخابي الواردة في دستور 2014، وضرب باب السلطة المحلية ومسار اللامركزية".

وندد ممثلو الحزب "بخطورة الخطوة التي تعبّد الطريق للفاشية، وتركز مبدأ التعيين عِوض مبدأ الانتخاب في النيابات الخصوصية التي ستتشكل على أساس الولاء والزبونية، والتي لا علاقة لها بالشأن المحلي والعام، من أجل ضرب الأجسام الوسيطة والقضاء على الأحزاب"، بحسب البيان.