انتخابات مجلس الشعب السوري: عسكريون ومتزعمو مليشيات أبرز المرشحين

23 يونيو 2024
من انتخابات مجلس الشعب السوري، 19 يونيو 2020 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- النظام السوري يتجاهل الضغوط لتحسين الأوضاع ويعزز سيطرته عبر انتخابات مجلس الشعب، مرشحًا شخصيات متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.
- اختيار المرشحين يتم بموافقة الأجهزة الأمنية، مما يؤكد دور العسكريين والأمنيين في العملية السياسية ويعكس هيمنة حزب البعث.
- استمرارية النهج القمعي للنظام وترشيح العسكريين يعرقل التقدم نحو السلام والاستقرار، محولًا مجلس الشعب إلى واجهة لتمرير قرارات النظام.

أظهر النظام السوري مجدداً عدم اكتراثه بالوصول إلى حل سياسي في البلاد، على الرغم من الضغوط الإقليمية عليه لحلحلة ملفات داخلية عدة، لا سيما مسألة المعتقلين وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، إضافة إلى إصلاح مؤسسات الدولة على مستويات عدة؛ تنفيذية وتشريعية. فقد أظهرت قوائم المرشحين في انتخابات مجلس الشعب السوري عشرات الأسماء لأشخاص معروفين بتورطهم في الانتهاكات في صفوف أجهزة النظام، أو لديهم سجل من الفساد والصيت السيئ، ومعظمهم من العسكريين، باتوا في طريقهم إلى دخول المجلس، إما عن طريق "الاستئناس الحزبي" لحزب البعث الحاكم، أو ترشحهم بصفتهم مستقلين. وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد أصدر، في مايو/أيار الماضي، مرسوماً قضى بتحديد موعد انتخابات مجلس الشعب السوري (البرلمان) للدورة التشريعية الرابعة، في 15 يوليو/تموز المقبل.

انتخابات مجلس الشعب السوري والبعث

في ظل هيمنة حزب البعث على المجلس، فإن قوائم مرشحيه في الدورة المقبلة هي الأكثر عدداً للمجلس، وفق اطلاع "العربي الجديد" على قوائم نتائج "الاستئناس الحزبي" في المحافظات التي أجريت فيها هذه العملية. والاستئناس الحزبي هو إجراء معتمد من "البعث" في الدورات الانتخابية لتقديم مرشحيه إلى الانتخابات، خصوصاً انتخابات مجلس الشعب السوري وذلك عبر طرح الأشخاص المتقدمين للترشح في فروع المحافظات على القواعد الحزبية. وعادة، فإن المرشحين بموجب هذا الاستئناس إلى انتخابات مجلس الشعب السوري يكونون من الأشخاص الحاصلين على أعلى نسبة أصوات في الاستئناس عن كل فرع، لكن هذا الإجراء ليس ملزماً بالمطلق. أما بالنسبة للمرشحين المستقلين، فمن المعروف على مدى عقود أن أي راغب في الترشح فلن يكون مسموحاً له بذلك إلا بالحصول على الضوء الأخضر من الأفرع الأمنية، وتشدد الأمر بعد اندلاع الحراك ضد النظام. ومن الناجحين في استئناس "البعث"، فراس الجهام، المعروف بفراس العراقي، المرشح عن فرع الحزب في محافظة دير الزور (شرق)، وهو قائد لمليشيات الدفاع الوطني في المحافظة، التي يتهمه أبناؤها بارتكاب عشرات الجرائم التي تصنف جرائم حرب إلى جانب النظام، إضافة إلى تاريخه المعروف في تجارة المخدرات.


سامر ضيعي: تدخّل القادة العسكريين في السلطة التشريعية يفاقم الأوضاع في سورية

أما في دمشق، فيظهر اسم اللواء محمد كنجو حسن، مدير إدارة القضاء العسكري السابق، المعروف بالحكم على آلاف المشاركين في الحراك الذي اندلع عام 2011 بالإعدام في السجون، إضافة إلى اللواء جهاد محفوض الأسعد الخازم. وفي محافظة حمص وسط البلاد، ورغم عدم إجراء الاستئناس في فرع "البعث" في المحافظة حتى الآن، إلا أنه يظهر تقدم العميد صايل أسعد داود، ضابط المخابرات الجوية، والمعروف بسجله الإجرامي في حمص، إلى انتخابات مجلس الشعب السوري مثل اللواء محمد عبد العزيز ديب، الضابط السابق في الفرع 211 التابع للمخابرات الجوية.

في السويداء، جنوبي البلاد، التي باشرت حراكاً ضد النظام في العام الماضي، شهدت المحافظة عدداً قليلاً من المقبلين على الترشح عبر الاستئناس، بينهم العميد قاسم الجرمقاني، وهو ضابط سابق في فرع التحقيق 285 بإدارة المخابرات العامة. أما بالنسبة للمستقلين، فقد أخذ النظام يدفع أشخاصاً أثبتوا الولاء له في السنوات السابقة للترشح. وبرز في محافظة حماة، وسط البلاد، الشيخ العشائري مهدي حسين العلي، المعروف بدعمه المالي لمليشيات النظام، إضافة إلى عدنان حسن حسين في محافظة حمص، وهو من أمراء الحرب الصغار الذين برزوا أخيراً، إذ كان الحسين عنصر شرطة، لكنه شكّل مجموعة (مليشيا صغيرة) ألحقها بالمخابرات الجوية، ومارس مع مجموعته أعمال الخطف والابتزاز والسرقة. هذه أمثلة عن بعض المرشحين للدورة المقبلة من انتخابات مجلس الشعب السوري غير أن هناك الكثير من الأسماء، سواء من الضباط أو قادة أو عناصر المليشيات، يستعدون لتقديم أوراقهم للترشح؛ سواء عن حزب البعث أو بشكل مستقل عبر دعم الأجهزة الأمنية.

صلاحيات مجلس الشعب السوري

يتولى مجلس الشعب، وفق الدستور، السلطة التشريعية في البلاد، لكن رئيس النظام بشار الأسد يتقاسمها معه من خلال المراسيم التشريعية التي يصدرها. ووفق التعريف، يمثل المجلس كل المنظمات الشعبية والمهنية وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والمستقلين، ويُدعى إلى ثلاث دورات عادية سنوياً، مع جواز دعوته إلى جلسة استثنائية بقرار من رئيسه أو بطلب من رئيس النظام أو طلب ثلث أعضاء المجلس. لكن في الوقت الحالي، ومنذ وصول حزب البعث إلى السلطة، تحوّل مجلس الشعب إلى أداة بيد النظام، ونزع منه الأسد صلاحيات كان يتفرّد بها، من بينها إقرار العفو العام وإقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية

ويبلغ عدد أعضاء مجلس الشعب 250 عضواً عن كل المحافظات السورية الـ14، يتوزعون ما بين قطاع "العمال والفلاحين"، وقطاع "باقي فئات الشعب"، وفق التوصيف المعتمد من النظام السوري. فعلياً، لم تعرف سورية حياة برلمانية حقيقية منذ الانقلاب العسكري الذي قاده حزب البعث في مارس/آذار 1963 الذي أنهى الحياة السياسية برمّتها في البلاد، لا سيما بعد الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد على رفاقه في الحزب المذكور أواخر عام 1970، الذي هيمن على المجلس، مع أحزاب تدور في فلكه، فيما يُعرف بـ"الجبهة الوطنية التقدمية" التي أسسها حافظ الأسد في سبعينيات القرن الماضي، وهي تضم عدة أحزاب تتبنى الفكر القومي العربي، إضافة إلى الحزب الشيوعي.

وفرض حافظ الأسد ما يسمّى بـ"مجلس الشعب" وفق دستور وضعه عام 1973 كرّس فيه "البعث قائداً للدولة والمجتمع". وهو ما يعرف بالمادة الثامنة من الدستور، التي طالب المحتجون في بداية الثورة السورية عام 2011 بإلغائها. ورغم إزالة المادة المذكورة في دستور 2012، إلا أن الحزب لا يزال يتصرف بمنطق الحزب الحاكم الذي يأتي عن طريق "الانتخابات الحرة"، وهي انتخابات لم تشهدها البلاد بالمطلق منذ وصول "البعث" والنظام الحالي للحكم. في الدورة الحالية في المجلس، فإنه من أصل 250 عضواً، يملك حزب البعث 166 مقعداً بنسبة 66.4% في المجلس، أي الغالبية. كما تملك بقية أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، حليفة حزب البعث، 17 مقعداً بنسبة 6.8%. أما المستقلون فيملكون 67 مقعداً بنسبة 26.8%، وفق بحث لمركز عمران للدراسات. لكن النظام يظهر في الإعداد للانتخابات الحالية وكأنه يريد هيمنة مطلقة على المجلس، تحسباً لأي تحديات أو محطات سياسية مقبلة، مرتبطة بالحل السياسي.

وحول ذلك، قال المعارض عدنان أبو عاصي، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام السوري ومنذ وصوله إلى الحكم زجّ العسكريين في صفوف حزب البعث، واستغل أعدادهم والمقربين منهم في كل انتخابات وعلى أي مستوى، والجميع يتذكر أن المُنتخب من العسكريين كان يُجبر على التوقيع بالدم في أي ترشيحات، ولهذا كانت المؤسسة العسكرية أحد أعمدة حزب البعث وما زالت. ومن هنا أرفقت السلطات السورية خلال السنوات السابقة بكل لوائح الترشيحات الحزبية ضابطاً متقاعداً على الأقل إلى مجلس الشعب، حتى أصبح هذا عُرفاً في جميع الترشيحات إلى مجلس الشعب".

وأضاف أبو عاصي أن "الغاية من وجود هؤلاء الضباط في مجموعة ممثلة عن أي محافظة، هو الاحتفاظ بالسلطة العسكرية على رأس أي مجموعة مدنية بما فيها مجلس الشعب، لما يمثله كل ضابط من مصدر للتخويف والتخوين لأي زميل مدني في الفريق، وفي نفس الوقت لامتلاكه صلاحيات أمنية تفوق أياً من المرشحين". أما عن ازدياد أعداد المرشحين ذات الخلفيات الأمنية والعسكرية وحتى المليشياوية خلال ما يسمى بالاستئناس الحزبي لهذه الدورة، فرأى أبو عاصي أنه "يعكس اتجاهاً أمنياً وعسكرياً متصاعداً للتمثيل في مجلس الشعب، وقد ساعد في هذا الاندفاع فرص تمويل انتخابات مجلس الشعب السوري علناً والتغلغل الأمني في أصحاب القرار الحزبي، إضافة إلى المصالح الاقتصادية المشتركة للعديد منهم، هذا الذي لا يتنافى مع سياسة الدولة بعسكرة مجلس الشعب".


عدنان أبو عاصي: لا يتنافى ترشيح العسكريين مع سياسة الدولة بعسكرة مجلس الشعب

ترشيح أنصار النظام

رأى المدير التنفيذي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، الحقوقي سامر ضيعي، أن "سياسة النظام القمعية تُعد عائقاً رئيسياً أمام أي جهود لتحقيق الاستقرار والانتقال السياسي". وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "ترشيح قادة المليشيات والدفاع الوطني ومجموعات الشبيحة التابعة للأمن السوري، إلى مجلس الشعب، يجسد هذه السياسة بشكل صارخ، لأن هؤلاء القادة، المعروفين بارتكابهم انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب، يتم دمجهم في السلطة التشريعية، مما يعزز نفوذ القوى العسكرية غير النظامية". وتابع ضيعي: "أسّس النظام السوري لهذه القمعية أداةً للإجرام، معتمداً على بناء شبكة ولاء شخصية من خلال منح هؤلاء القادة العسكريين وغيرهم أدواراً تشريعية، وهذا النهج يعزز سيطرة النظام ويقمع أي صوت مخالف، مما يؤدي إلى إصدار قوانين غير قانونية وغير إنسانية تدعم استمرار النهج القمعي، وهذه القوانين تصدر من برلمان يهيمن عليه أمراء الحرب، الذين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من هياكل السلطة السياسية".

وأشار الحقوقي السوري إلى أن "تدخّل هؤلاء القادة العسكريين في السلطة التشريعية يفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية في سورية، ويعزز النفوذ الإيراني في سورية لأن جزءا من القادة المليشياويين ممولون من إيران، والنتيجة هي مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، مما يعرقل أي أفق للسلام المستدام". ولفت ضيعي كذلك إلى أن "ترسيخ نفوذ أمراء الحرب في البرلمان يعد انتهاكاً لمبادئ الديمقراطية والعدالة، ويعزز من نظام عسكري أمني يُبقي البلاد في حالة من الاضطراب، كما أن هذا الأمر يعني تقديم جوائز ترضية لقادة الشبيحة الذين يستفيدون من الحصانات والوظيفة الجديدة في تعزيز قضايا اقتصاد الحرب وتعزيز شبكات تجارة الكبتاغون. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون المكان الطبيعي لهؤلاء الأشخاص هو السجن، لمساءلتهم عن الجرائم التي ارتكبوها". واعتبر أن "التوجه القديم والجديد والمستمر للنظام السوري يشكل تهديداً حقيقياً ومستمراً للاستقرار الإقليمي، ويعوق أي تقدم نحو تحقيق سلام حقيقي وعادل للشعب السوري".