استمع إلى الملخص
- المجلس يُعتبر واجهة للنظام الحاكم دون وزن سياسي أو تشريعي حقيقي، حيث يتجاهل النظام السوري الدور التشريعي المنصوص عليه في دستور 2012 ويستمر في إجراء انتخابات دون السعي لحل سياسي شامل.
- الانتخابات تعد باطلة قانونيًا وشرعيًا لعدم شمولها جميع السوريين ولعدم وجود بيئة انتخابية حرة ونزيهة، مما يجعلها أداة للنظام لتعزيز سيطرته وتمرير أجنداته دون تعبير حقيقي عن إرادة الشعب.
لن تشترك أجزاء واسعة من سورية في انتخابات مجلس الشعب السوري المقرر إجراؤها منتصف يوليو/تموز المقبل من قبل النظام، الذي أفقد الحياة البرلمانية أي قيمة سياسية أو تشريعية، منذ استيلاء حزب البعث على السلطة قبل نحو ستين عاماً في انقلاب عسكري أنهى الحياة السياسية برمتها في البلاد.
وبدأت الاثنين الماضي اللجان المشكلة من قبل النظام باستلام طلبات الترشح إلى انتخابات مجلس الشعب السوري وهو ما يعد مؤشراً آخر على عدم اكتراث النظام بحل سياسي للقضية السورية بالاشتراك مع المعارضة وفق القرار الدولي 2254، والذي نص على إجراء انتخابات عامة وفق دستور جديد. وتقتصر انتخابات مجلس الشعب السوري التي تُوصف بـ"المسرحية السياسية الجوفاء" من قبل قطاع واسع من السوريين، على المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بشكل فعلي، وهي دمشق وريفها وحمص وحماة وسط البلاد ومدينة حلب كبرى المدن في الشمال، وطرطوس واللاذقية في غربي البلاد وشطر من محافظة دير الزور شرقي البلاد.
وتُجرى انتخابات مجلس الشعب السوري في محافظة درعا جنوب البلاد، إلا أن الأوضاع الأمنية المضطربة وعدم الاستقرار الذي يغذيه النظام نفسه، ربما يحولان دون إجرائها في عدة أماكن في هذه المحافظة التي لا تزال خارج السيطرة الفعلية للأجهزة الأمنية. وفي محافظة السويداء المجاورة، والتي تشهد حراكاً مناهضاً للنظام لم ينقطع منذ أغسطس/آب 2023، هناك رفض شعبي واسع لهذه الانتخابات، لذا من المتوقع ألا تشهد هذه المحافظة أي نشاطات انتخابية. وفي شمال شرقي سورية، في ما يُعرف بـ"شرقي الفرات"، ليس للنظام أي وجود فعلي ما خلا مربعين أمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة، من المرجح أن تتم فيهما إجراءات شكلية. ولا يسيطر النظام على ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، ولا على الجزء الأكبر من محافظة الرقة، ما عدا عدة بلدات وقرى على أطراف ريفيها الشرقي والغربي.
وشطر كبير من ريف حلب هو خارج سيطرة النظام، إما تحت سلطة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، كريف حلب الشمالي الشرقي بما فيه منطقة منبج الواسعة غربي النهر، أو تحت سلطة الجيش الوطني المعارض الذي يسيطر على جانب كبير من الريف الشمالي والشمالي الغربي لحلب، بما فيه منطقة عفرين. وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على جانب من محافظة إدلب شمال غربي البلاد، بما فيها مدينة إدلب مركز هذه المحافظة التي يسيطر النظام على جانب من ريفيها الشرقي والجنوبي، إلا أنهما خاليان من السكان تقريباً.
عبد الناصر حوشان: انتخابات مجلس الشعب باطلة حتى وفق دستور 2012
لا وزن لمجلس الشعب السوري
وليس لدى مجلس الشعب السوري أي وزن سياسي أو تشريعي، وليس له أي دور في صنع القرار، خصوصاً السياسي والعسكري والأمني، بل هو واجهة لا أكثر، على الرغم من أن الدستور الذي وضعه رئيس النظام بشار الأسد في العام 2012 ينص على أنه "يتولى السلطة التشريعية في سورية، ومن مهامه: حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء، وإقرار الموازنة العامة للدولة وخطط التنمية، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة، والعفو العام".
وتسبّبت الحرب التي شنّها النظام على السوريين المطالبين بتغيير سياسي حقيقي في خروج ملايين السوريين من بلادهم، وتوزعوا إما في دول الجوار وخصوصاً تركيا والأردن ولبنان، أو في بلدان أوروبية ولا سيما ألمانيا والسويد. ولا توجد أرقام يمكن الركون إليها لعدد اللاجئين السوريين، إلا أن التقديرات تشير إلى أن نحو نصف الشعب السوري بات خارج بلاده، وقسما كبيرا منهم انقطعت صلتهم به بشكل أو بآخر. ويُقدر عدد السوريين الخاضعين لسيطرة النظام بنحو تسعة ملايين نسمة، بينما يسكن في الشمال والشمال الشرقي نحو ستة ملايين سوري هم خارج سلطة النظام.
وأوضح الخبير القانوني عبد الناصر حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قانون الانتخابات لدى النظام ينص على أنه تتم انتخابات مجلس الشعب السوري في الخارج قبل عشرة أيام من تاريخ بدئها في الداخل". وأضاف: "اشترط أن يكون الناخب حائزاً جواز سفر ساري المفعول، ومختوما في أحد المعابر الحدودية الرسمية".
انتخابات مجلس الشعب السوري باطلة
أما بالنسبة للناخبين الذين يقيمون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فقد بيّن حوشان أنه "جرت العادة أن تفتح مراكز انتخابية في مناطق سيطرة قسد في محافظة الحسكة، وتنقل المراكز الانتخابية في محافظتي إدلب وحلب وقسم من الرقة إلى مناطق أخرى"، مضيفاً: هذا الإجراء جاء نتيجة تعديل قانون الانتخابات في سنة 2016. وتابع: كل ذلك يعني أن أغلب السوريين الذين يقيمون خارج سيطرة النظام، أو اللاجئين في باقي الدول لن يستطيعوا ممارسة الانتخابات، فضلاً عن أن هناك دولاً لا يوجد فيها ممثليات دبلوماسية للنظام وبالتالي لن يكون هناك أي انتخابات فيها. وخلص حوشان إلى القول إن انتخابات مجلس الشعب السوري التي يعتزم النظام إجراءها في يوليو/تموز المقبل باطلة حتى وفق الدستور الذي وضعه النظام في 2012.
أحمد القربي: انتخابات مجلس الشعب شكلية من الناحية القانونية
من جهته، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن انتخابات مجلس الشعب السوري المقبلة "شكلية من الناحية القانونية بغض النظر عن عدد السوريين المشاركين فيها"، مضيفاً: لا تختلف من حيث المضمون عن الانتخابات التي كانت تُجرى قبل 2011. وتابع: كانت نسبة المشاركة في انتخابات ما قبل الثورة ربما لا تتجاوز الـ 10 في المائة، أي أن الشعب لم يكن مشاركاً في صنع القرار لا قبل الثورة ولا بعدها. وأشار القربي إلى أن الانتخابات في الأنظمة الاستبدادية "لا قيمة لها"، مضيفاً: ومن ثم فإن انتخابات النظام باطلة وأعضاء المجلس يمثلون النظام وحده وليس الشعب. وأضاف: "في الدورة الماضية كان جلّ أعضاء مجلس الشعب السوري هم من حزب البعث وقادة المليشيات والتجار التابعين للنظام، لذا أتوقع أن هذه التركيبة ستبقى في الدورة المقبلة. النظام يستخدم هذا المجلس أداة لتمرير أجنداته السياسية والإدارية وإصدار القوانين لمصادرة أملاك السوريين".
وكان النظام السوري أجرى منذ بدء الثورة ضده في ربيع العام 2011، ثلاث دورات انتخابية، الأولى في 2012، والثانية في 2016، والثالثة في يوليو 2020. وعلى الرغم من أن النظام ألغى في دستور عام 2012 المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث هو "القائد للدولة والمجتمع"، في الدستور السابق الذي وُضع في سبعينيات القرن الماضي، إلا أن هذا الحزب هيمن على غالبية مقاعد المجلس البالغة 250 مقعداً في الدورات الثلاث الماضية. وكانت سورية من أوائل الدول العربية التي كانت تشهد انتخابات برلمانية حقيقية منذ تأسيسها بعد خروج الأتراك منها في العام 1919، خصوصاً في حقبة الاستقلال.
بيد أن الحياة السياسية برمتها انتهت في البلاد بعد استيلاء حزب البعث على السلطة بانقلاب عسكري عام 1963. ورسّخ حافظ الأسد الذي تولى السلطة بعد انقلاب عسكري على رفاقه في حزب البعث عام 1970، هذه السياسة، إذ اعتمد حافظ الأسد على أسلوب تعيين أعضاء مجلس الشعب السوري من "البعث" الحاكم وأحزاب ما تُسمّى بـ"الجبهة الوطنية" التي تأسست في العام 1972، مع تطعيمها ببعض المستقلين المقربين من "البعث". وفي عقد التسعينيات سمح الأسد بانتخابات للمستقلين، ما سمح بدخول بعض الأسماء المعارضة للنظام، لعل أبرزها رياض سيف والذي انتهى إلى الاعتقال في سجون الأسد.