انتخابات مبكرة في صربيا: مناورة لفوتشيتش وسط أزمات بلغراد

09 يونيو 2023
فوتشيتش خلال تظاهرة مؤيدة له في بلغراد، مايو الماضي (ماركو ديوريتشا/رويترز)
+ الخط -

أعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، أول من أمس الأربعاء، عن انتخابات برلمانية مبكرة في غضون شهر، بعدما كان موعدها مقرراً العام المقبل. وقال في تصريحات صحافية: "من الواضح أن انتخابات نيابية مبكرة ستجرى"، لكنه لم يعلن عن موعد. وأضاف أنه "بعد استقالة رئيسة الوزراء آنا برنابيتش، يجب أن يعرض التفويض على شخص آخر في غضون الـ30 يوماً المقبلة".

الانتخابات الثالثة في 4 سنوات

وتعني الانتخابات المبكرة أن الناخبين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة خلال أربع سنوات. وكانت برنابيتش قد أعلنت استقالتها، لاختبار شعبية الائتلاف الحاكم بعد أسابيع من احتجاجات المعارضة.

وبدأت المعارضة بالاحتجاج عقب حادثتي إطلاق نار يومي 3 و4 مايو/ أيار الماضي، أودت بحياة 18 شخصاً على الأقل، بينهم 8 أطفال، وجرح العشرات. وسعى فوتشيتش لاحتواء الغضب، عبر الإعلان عن خطة تدوم شهراً لتسليم المواطنين الصرب سلاحهم طوعاً، من دون تعريضهم للمساءلة القانونية.

غير أن ذلك لم يكفِ المعارضة الصربية، التي وجدت في الحادثتين باباً لوضع حد لهيمنة فوتشيتش على السلطة منذ عام 2012. وطالب المحتجون الحكومة بإلغاء تراخيص قنوات تلفزيونية تروج لمحتوى عنيف، وفرض حظر على صحف موالية للحكومة يتهمونها بإثارة التوترات.

استقال فوتشيتش من رئاسة الحزب الحاكم في أواخر مايو
 

ولم تشهد صربيا تظاهرات بهذا الحجم منذ الاحتجاجات الضخمة التي أدت إلى الإطاحة بسلوبودان ميلوسيفيتش في عام 2000. وبدا فوتشيتش في الفترة الأخيرة تحت الضغط جراء جملة من الملفات. بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، حاول فوتشيتش بداية الوقوف في الوسط، فلم يؤيد الغزو الروسي ولا فرض العقوبات على روسيا.

غير أنه وقّع اتفاقاً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في ربيع 2022، سمع لبلغراد بالحصول على الغاز الروسي لمدة 3 سنوات. وجاءت خطوة فوتشيتش معاكسة للسعي الأوروبي في حينه للخروج من الاعتماد على الطاقة الروسية، كما أنه منع إلى جانب الرئيس المجري فيكتور أوربان توقيع حزم جديدة من العقوبات الأوروبية على موسكو بسبب تأثر الشركات الصربية والمجرية سلباً بأي عقوبة.

كما يعتبر فوتشيتش أن إصرار الدول الغربية على وحدة أراضي أوكرانيا يتعارض مع مطالبة هذه الدول بالاعتراف باستقلال كوسوفو في عام 2008.

غير أن تقريراً لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية كشف أخيراً أن "خطوط النقل التي تحول الذخيرة الصربية إلى الجبهة الأوكرانية كانت عاملاً حاسماً في تحول ملحوظ في موقف الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بشأن كوسوفو".

ويتعلق الأمر بانتقاد المعسكر الغربي كوسوفو بسبب تسليم رئاسة بلديات صربية واقعة في شمال كوسوفو لأشخاص من أصول ألبانية بموجب انتخابات قاطعها الصرب.

ونقلت "فاينانشال تايمز" عن فوتشيتش قوله إنه كان على علم بإدعاءات الحكومة الأميركية بأن الذخيرة المصنوعة في صربيا انتهى بها المطاف في أوكرانيا. وقال: "أنا لست أحمقاً. أدرك أن بعض الأسلحة قد ينتهي بها المطاف في أوكرانيا. ليس لدي شك في أنه قد يحدث"، متسائلاً: "ما هو البديل بالنسبة لنا؟ عدم إنتاج السلاح؟ ألا نبيعه؟".

وفي تأكيد للانفتاح الغربي على احتواء أزمة بلديات شمالي كوسوفو، طالبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أول من أمس الأربعاء، بريشتينا بتهدئة المواجهة المحتدمة مع الصرب، وإلا فستواجه "عواقب" من حلفائها الغربيين القدامى.

وجاءت التحذيرات في وقت اختتم فيه مبعوثا الولايات المتحدة غابرييل إسكوبار والاتحاد الأوروبي ميروسلاف لايتشاك زيارتيهما إلى كوسوفو وصربيا لتهدئة التوترات التي اندلعت في صورة أعمال عنف الأسبوع الماضي، وهو ما أدى إلى إصابة عشرات من جنود حفظ السلام التابعين لحلف شمال الأطلسي ومحتجين صرب في شمال كوسوفو.

وقال إسكوبار إن على كوسوفو منح قدر أكبر من الحكم الذاتي للبلديات ذات الأغلبية الصربية، إذا أرادت المضي قدماً نحو الانضمام إلى حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

وسمح هذا الموقف لفوتشيتش، الذي استقال من رئاسة الحزب التقدمي الصربي في أواخر الشهر الماضي، في التقاط أنفاسه، ومحاولة تجاوز المعارضة الداخلية، إذ إن الانتخابات المبكرة ستسمح له باستيعاب غضب الأحزاب المعارضة، فضلاً عن أنه سينال تفويضاً داخلياً جديداً يتيح له المضي قدماً في ملف كوسوفو.

صربيا تتطلع أيضاً إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، إذ سبق لفوتشيتش أن عبّر عن نواياه بشأن ذلك عبر إجراء مفاوضات مع كوسوفو، رغم عدم اعتراف بلغراد باستقلال بريشتينا. وتعهّد في مارس/ آذار الماضي بعدم الاعتراف باستقلال كوسوفو، رافضاً توقيع اتفاق أيّده الاتحاد الأوروبي لتطبيع العلاقات بين الخصمين السابقين، رغم تركه أبواب التفاوض مفتوحة.

فوتشيتش: أدرك أن بعض الأسلحة قد ينتهي بها المطاف في أوكرانيا. ليس لدي شك في أنه قد يحدث

 

لكن في المقابل، فإن سبل التعاطي مع المعارضة الصربية تحتاج إلى تغيير، خصوصاً في ظلّ التعتيم الذي تفرضه السلطات على الحريات.

200 تهديد لفوتشيتش يومياً

وفي محاولة منه لتلميع صورته كشخص ديمقراطي، قال فوتشيتش أخيراً، إنه يتلقى نحو 200 تهديد بالقتل كل يوم، لكن عمله كرئيس للدولة يفرض عليه "تحمل هذه الأشياء المقززة والبغيضة".

وقال: "لا أعرف ما إذا كان القانون يلاحق من يقومون بذلك، لكن بالنسبة لي، كل يوم يتم توجيه أكثر من 200 تهديد بالقتل ضدي". لكن فوتشيتش غير بعيد عن قرار أصدرته سلطات بلغراد القضائية، الاثنين الماضي، حين أمرت باحتجاز الكاتب الصربي بوسكو سافكوفيتش لمدة شهر، الذي أوقف عقب تظاهرة جمعت عشرات الآلاف في العاصمة الصربية، السبت الماضي.

وسافكوفيتش كان من أشد المنتقدين لنظام سلوبودان ميلوسيفيتش في التسعينيات، واتُّهم بحمل لافتة أثناء التظاهرة علقت عليها دمية مشنوقة تمثل فوتشيتش، وفق ما نقلت النقابة عن أسرته. وهو متهم "بالتحريض على تدمير النظام الدستوري عن طريق العنف".

واعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير إيرين خان في تعليقها على عملية التوقيف أن "المناخ الحالي للخطاب السياسي في صربيا مقلق للغاية". وطالبت الحكومة الصربية "بالتحقيق الفوري ومعاقبة الترهيب والتهديد والتحريض على العنف، خصوصاً من قبل المسؤولين الحكوميين والتأكد من أن جميع مؤسسات وهيئات الدولة تتبع إرشادات الأمم المتحدة بشأن مكافحة خطاب الكراهية والدفاع عن حرية التعبير".

(العربي الجديد، الأناضول، رويترز)