انتخابات كندا اليوم: غالبية ترودو مهدّدة

20 سبتمبر 2021
يخوض ترودو أصعب انتخابات له اليوم (جيف فينيك/Getty)
+ الخط -

بعد نجاحه النسبي في مواجهة تفشي فيروس كورونا في كندا، سعى رئيس الوزراء جاستن ترودو لاستغلال الأمر، بالدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، قبل موعدها المقرر بعد عامين. ونجح ترودو في الحصول على الموافقة من الحاكمة العامة للبلاد ماري ماي سايمن على ذلك، في 15 أغسطس/آب الماضي. وبعد تحديد موعد الانتخابات، المقررة اليوم الإثنين، أظهرت مختلف استطلاعات الرأي أن فوز حزبه "الليبرالي" غير مضمون، في ظلّ تقدّم "المحافظون" من جهة، ونموّ رقعة انتشار حزب "الديمقراطية الجديدة" من جهة أخرى، فضلاً عن تمكن "الكتلة الكيبيكية" من الصمود في استطلاعات الرأي. وهو ما دفع مراقبين للحديث عن انقلاب خطوة ترودو عليه، خصوصاً أن محاربة فيروس كورونا جاءت في خضمّ سخونة النقاشات حول اللاجئين والمهاجرين. وهي نقاشات نبعت من نموّ تيّارات يمينية متطرفة في أنحاء من العالم، أدت إلى اعتداءات دموية على مسجد مدينة كيبيك في عام 2017، أودى بحياة 6 أشخاص، وفي مقتل أربعة أشخاص في أونتاريو في يونيو/حزيران الماضي، عدا عن الاعتداءات الجسدية واللفظية المتفاقمة في مدن كندية عدة.

تقارب في نوايا التصويت بين ترودو وخصمه أوتول
 

حاجة ترودو للحصول على تفويض جديد، يضمن استمراره في السلطة التي يقودها منذ عام 2015، أربع سنوات إضافية لم تعد حاسمة، فمنافسه الرئيسي، زعيم "المحافظون" إرين أوتول، يزاحمه بقوة، إذ لا يتعدّى الفارق في الاستطلاعات بينهما نسبة الـ1 في المائة. كما أن زعيم حزب "الديمقراطية الجديدة"، جاغميت سينغ، حقق نجاحات مبهرة بفعل حضوره على مواقع التواصل الاجتماعي، مع حصوله على نحو 20 في المائة في معظم الاستطلاعات. ويخشى ترودو أن يخسر الغالبية النيابية التي يتمتع بها في الانتخابات، إذ يتوجب على من يرغب في ترؤس حكومة أغلبية، الحصول على 170 مقعداً من أصل 338 في البرلمان الكندي. لكن الاستطلاعات الأخيرة لـ"ماينستريت ريسيرتش" و"أباكوس داتا" و"أنغوس ريد"، أول من أمس السبت، أظهرت تقارباً حاداً بين "الليبرالي" بقيادة ترودو و"المحافظون" بقيادة أوتول. وتراوحت أرقام ترودو وأوتول بين 30 و32 في المائة. في المقابل، فإن حزب "الديمقراطية الجديدة" سيتمكن من الحصول على 20 في المائة، و"الكتلة الكيبيكية" على رقم يتراوح بين 6 و7 في المائة. وتعني هذه الأرقام، أن أياً من المرشحين لن يحصل على الـ170 مقعداً لتشكيل حكومة أغلبية، بل سيتعيّن عليه تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى. في السياق، إن "المحافظين" قادرون على التحالف مع "الكتلة الكيبيكية"، في المقابل سيسعى ترودو لتشكيل تحالف مع زعيم "الديمقراطية الجديدة" جاغميت سينغ. يدرك ترودو أن ملف اللاجئين والمهاجرين هو الأساسي في كندا، التي اعتادت على تقديم تسهيلات للهجرة واللجوء قياساً على باقي دول العالم. وسبق لترودو أن سهّل لجوء 25 ألف سوري إلى بلاده في عام 2015. كما أطلق وعداً باستضافة 20 ألف أفغاني، بعد سقوط كابول بيد حركة طالبان في 15 أغسطس الماضي. وفي برنامج ترودو، تسهيلات سكنية للوافدين الجدد إلى البلاد، فضلاً عن النية باستقدام 400 ألف مهاجر في السنوات الثلاث المقبلة.

في المقابل، يدعو "المحافظون" لاعتماد برنامج للهجرة يركّز على أصحاب المواهب، وتأمين اللجوء لنشطاء حقوق الإنسان والفارّين من ساحات الحروب. لكنهم يرغبون في الوقت عينه أن يدفع طالبو الهجرة رسوماً لتسريع مسار طلبهم، على أن تحوّل عائدات هذه الرسوم لتعيين موظفين إضافيين لمعالجة التراكم الإداري. كما يرغبون في استخدام التطبيقات على الهاتف لتسريع المعاملات وتقليل الروتين، فضلاً عن تسجيل كل المحادثات والطلبات، على أساس أنها "تساعد في ضمان الإشراف على الملفات المقدّمة". ويدعو "المحافظون" أيضاً إلى زيادة التدريب على الوعي الثقافي للتوفيق بين مقدّمي طلب الهجرة وموظفي الهجرة لفهم السياق الثقافي لمقدّم الطلب. بالنسبة إلى "الكتلة الكيبيكية"، التي تدعو للاستقلال عن كندا، فتريد تسريع عملية الهجرة، لأنها تأخذ وقتاً أطول في مقاطعة كيبيك قياساً على باقي المقاطعات الكندية. وتطرح "الكتلة" نقل كل الناطقين بالفرنسية إلى المقاطعة، التي تتحدث بها. بدوره، ينوي "الديمقراطية الجديدة" العمل على إلغاء القيود التي تفصل بين الآباء والأجداد، فضلاً عن العمل مع مختلف المقاطعات لتحسين خدمات الاستيطان والاعتراف بالشهادات الأجنبية. ويشدّد على إعطاء الأولوية للمساواة في العمل لإنهاء التمييز في الأجور على أساس الجنس، والذي يؤثر على النساء المهاجرات. لكن النوايا الحسنة لمختلف الأحزاب في ملف الهجرة لا تعني سهولة الاندماج في المجتمع الكندي، لأن صعود "الإسلاموفوبيا" في كندا لم يعد أمراً ثانوياً، بل يطاول نواباً وشخصيات مولودة في البلاد. ويكشف تقرير لموقع "غلوبال نيوز"، عن فوز المسلمين، الذي يشكّلون 3.2 في المائة من سكان كندا، بمقاعد نيابية عدة، هي الأكبر في تاريخهم، في انتخابات 2019، غير أنه ليس بالإمكان تقدير العدد الفعلي، لأن مكتبة البرلمان لا تحتفظ بسجلات عن المعتقدات الدينية للنواب. مع ذلك، فإن بعضهم خرج إلى العلن، وينافس في انتخابات اليوم. من هؤلاء، اللبناني الأصل محمد حمود، الذي ينافس على قوائم "الليبرالي" في أونتاريو. تحدث حمود للموقع عن كيفية لجوئه مع أهله من جنوب لبنان في عام 1976، حين كان في الثامنة من عمره، وتعرّضه للتنمّر والعنصرية في طفولته، لافتاً إلى أن الأمر ازداد سوءاً حين كبر. وعلى الرغم من سعيه لمحو الفوارق والتمييز، إلا أن موجة الكراهية لاحقته في حملته الانتخابية. وحدّد حمود برنامجه "على المسلمين الانخراط أكثر بالنشاطات الحكومية بدلاً من انتظاره ما ستفعله الحكومة". مع العلم أن عدد المتحدرين من أصول عربية يبلغ نحو 734 ألف شخص، يشكّلون ما نسبته 1.5 في المائة من سكان كندا. بالنسبة إلى سلمى زاهد المرشحة عن "الليبرالي" والمتحدرّة من أصول باكستانية، فإن معاناتها كامرأة أيضاً، دفعتها إلى تأسيس مركز لتعدد الأديان في سكاربورو أونتاريو. وتعرّضت زاهد لتعليقات عنصرية عدة بسبب ارتدائها الحجاب، مبدية خوفها من اعتداء يونيو الماضي، مشيرة إلى أن فتيات كثيرات عبّرن لها عن خشيتهن من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

ترجيح ألا يحصل أي مرشح على 170 مقعداً لتشكيل حكومة
 

أما سمير زبيري، المتحدر من أصول باكستانية، والمرشح عن "الليبرالي"، فكان لافتاً خلال نشره سيرته الخاصة قبل الانتخابات، أنه خدم في صفوف الجيش الكندي خمس سنوات. وحول ما تعرّض له بعد ذلك، قال لـ"غلوبال نيوز": "سُئلت مراراً في أي جيش خدمت، رغم وضوح ما كتبته"، مشيراً إلى أنه "حاولت التعامل بدبلوماسية مع هذا الأمر طيلة حياتي، لأشرح من أنا وما هي خلفيتي". لكن ترشيح عرب ومسلمين لا يكفي لمواجهة موجة "الإسلاموفوبيا"، ويعود السبب إلى "القانون 21"، الذي أُقرّ في مارس/آذار 2019 في كيبيك. ونصّ القانون على أن "ارتداء كل ما له رموز دينية، أو حملها مهما كانت صفتها، سيحظر على جميع الموظفين وحتى المسؤولين في مناصب سيادية في السلطة سواء كانت قضائية أو إدارية أو برلمانية". وتشمل هذه الرموز ارتداء النقاب، أو الحجاب، أو غطاء الرأس، أو البرقع، أو الصليب، أو نجمة داود أو قلائد غيرها من الرموز التي تحمل دلالات دينية. وهو ما أدى إلى فقدان العديد من المواطنين وظائفهم الرسمية، لرفضهم التخلي عن ارتداء رموزهم. كما أدى هذا القانون إلى نموّ موجة "الإسلاموفوبيا" بعنف.

(العربي الجديد)