انتخابات شرقي سورية: الإدارة الذاتية تناور أمام التهديدات التركية

07 سبتمبر 2024
مسلحون من "قسد" بدير الزور، 4 سبتمبر 2023 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تخبّط الإدارة الذاتية وتأجيل الانتخابات**: تعاني الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا من تخبّط وتأجيل متكرر للانتخابات البلدية بسبب التهديدات التركية، مما يعكس الانقسام الداخلي.

- **الهروب إلى الأمام وتداعيات القرار**: قرار المفوضية العليا للانتخابات بتفويض المقاطعات بإجراء الانتخابات يعكس محاولة لتجنب التهديدات التركية، مع تأجيلات سابقة بسبب الضغوط الأمريكية والتركية.

- **عدم اهتمام السكان والانتقادات المحلية**: الانتخابات تهم أحزاب الإدارة الذاتية فقط، مع ضعف البلديات وفسادها، وسط انتقادات محلية وتحذيرات من تكرار سيناريو إقليم كردستان العراق.

يبدو التخبّط واضحاً داخل الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سورية، حيال مسألة إجراء الانتخابات البلدية في مناطق سيطرة الإدارة، بعد ترحيل وتأجيل متكرر لموعد تلك الانتخابات، في ظل التهديدات التركية نحو الإدارة الذاتية وجناحها العسكري "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) باجتياح مناطق سيطرتهم في حال إجراء الانتخابات. وتكافح تركيا أي نشاط للإدارة والمجموعات الكردية في شمال وشرق سورية من شأنه أن يفضي إلى كانتون كردي في المستقبل، الأمر الذي تعتبره تهديداً لأمنها القومي وحدودها الجنوبية. وأصدرت المفوضية العليا للانتخابات في شمال وشرق سورية، التابعة إلى الإدارة الذاتية، قراراً يوم الخميس الماضي فوّضت فيه مفوضيات المقاطعات "بالعمل على إجراء انتخابات البلديات، وذلك في الوقت الذي تراه مناسباً، وحسب كل مقاطعة"، مع الإشارة إلى التنسيق مع المفوضية العليا في ذلك.

القرار الصادر عن المفوضية، لا الإدارة الذاتية، حمّال أوجه من جهة، ودليل على الانقسام من جهة أخرى، إذ تشير مصادر في الإدارة الذاتية لـ"العربي الجديد" إلى أن جزءاً كبيراً من قيادات "الإدارة" لم يكونوا على دراية بقرار المفوضية على الرغم من أهمية القرار، نظراً لمصيرية المنطقة في ظل التهديدات التركية في حال إجراء الانتخابات.

هروب الإدارة الذاتية إلى الأمام

كما يُنظر للقرار، لا سيما من خلال إصداره من قبل المفوضية، وليس الإدارة الذاتية، على أنه خطوة للهروب إلى الأمام، وذلك بتمييع مسألة إجراء الانتخابات من خلال تركها المقاطعات والبلديات كل حسب ظروفه، و"حفظ ماء الوجه" بعدم الرضوخ للتهديدات التركية واتخاذ قرار بإلغاء الانتخابات. وتتشكل "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" من سبع مقاطعات، وهي الجزيرة (محافظة الحسكة ومحيطها)، ودير الزور، والرقة، والفرات، ومنبج، وعفرين والشهباء، والطبقة.

وأعلنت الإدارة الذاتية، في 7 يونيو/ حزيران الماضي، أنها ستؤجل الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية، والتي كانت مقررة في الـ11 من الشهر ذاته، إلى أغسطس/ آب الماضي، وذلك "استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية". لكن وفق الوقائع، فإن الإدارة الذاتية اتخذت هذا القرار بسبب عدم الترحيب الأميركي بهذه الخطوة، والتهديد التركي بشنّ عملية عسكرية لتقويض هذه "الإدارة". وكان ذلك التأجيل هو الثاني لهذه الانتخابات التي كانت مقررة لأول مرة في 30 مايو/ أيار الماضي.

ولم تجر الإدارة الذاتية الانتخابات في أغسطس الماضي، في تأجيل أو ترحيل للموعد غير معلن، وذلك استجابة للضغوط التركية. وانتقدت أنقرة، على لسان أكثر من مسؤول فيها، الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية، مهددة بالخيارات العسكرية، وهي خيارات دائماً ما تلوّح بها في وجه المجموعات الكردية، فيما تطلب من حلفائها المشتركين، روسيا والولايات المتحدة، الضغط على تلك المجموعات لإبعادها عن الحدود السورية التركية.

أحمد البرو: في منطقتنا لا أحد يهتم بهذه الانتخابات أبداً

وتواصل "العربي الجديد" مع عدد من المسؤولين من مستويات مختلفة من الإدارة الذاتية للتعليق على قرار المفوضية الأخير حيال الانتخابات، لكن جميعهم امتنعوا عن التعليق والرد. وقال محمد موسى، سكرتير حزب اليسار الديمقراطي، وهو أحد الأحزاب المؤسسة للإدارة الذاتية، أنه "يمتنع عن التعليق سلباً أو إيجاباً في هذه المرحلة بالذات". وسابقاً أشارت الأحزاب الكردية، التي تشارك حزب الاتحاد الديمقراطي في "الإدارة"، إلى أهمية التروي بقرار إجراء الانتخابات وعدم الذهاب بالمنطقة إلى الهاوية أو حافتها، ووضعها أمام الاجتياح التركي، كما حصل سابقاً في عفرين وتل أبيض ورأس العين التي سيطرت عليها تركيا ودحرت عنها "قسد" في معارك سابقة.

لا أحد مهتم بالانتخابات

ورأى الباحث بالشأن السوري الكردي أحمد البرو أن الإدارة الذاتية تريد أن تستغفل تركيا بإجراء الانتخابات على فترات متعاقبة في كل مقاطعة على حدة، من دون أن يكون هناك موعد ثابت ورسمي بجميع المقاطعات، مشيراً إلى عدم جدوى هذه المناورة. وأضاف البرو، لـ"العربي الجديد"، أن "أي انتخابات يمكن أن تجرى، لا بد أن تكون لها أهمية بالنسبة للسكان، لكن في منطقتنا لا أحد يهتم بهذه الانتخابات أبداً، فالمهتمون هم فقط أحزاب الإدارة، لا سيما الحزب الحاكم (الاتحاد الديمقراطي)، وهم المستفيدون من هذه الانتخابات، لا سيما مع عدم وجود أطراف أو أحزاب معارضة ومنافسة يمكنها المشاركة، كأحزاب المجلس الوطني الكردي على سبيل المثال، وبالتالي فإن الأشخاص الذين سيتولون البلديات على ضوء نتائج الانتخابات، في حال حدوثها، سيأتون من نفس الطبقة السياسية وذات الأحزاب بدون تغيير حقيقي".

وتابع: "نحن نعرف ضعف قدرة البلديات على تقديم الخدمات للسكان في ظل الاحتكار السياسي، كما أن البلديات ينخرها الضعف والفساد، وهي إلى جانب السلطة وليس إلى جانب الناس بطبيعة الحال، ولطالما اصطفت البلديات إلى جانب الإدارة في مواجهة بعض الاحتجاجات النقابية أو الشعبية في المنطقة". وتابع: "على ضوء ذلك، ما الفائدة من الانتخابات باستثناء أنها ستؤدي إلى اتخاذها ذريعة من قبل الأتراك لتهديد المنطقة".

من جهته، رأى المحلل السياسي فريد السعدون، والمقيم في مناطق الإدارة الذاتية، أن "الإدارة وجدت نفسها في مسألة الانتخابات أمام خيارين أحلاهما مرّ، فهي إن تخلت عن الانتخابات ستخسر جمهورها وتناقض الادعاء بالديمقراطية والتشاركية، وهي فكرة رئيسية تقوم عليها الإدارة، وإن أجرت الانتخابات بطريقة علنية ورسمية، أي خلال يوم واحد ومحدد مع دعاية وبرامج انتخابية، فإنها ستفتح على نفسها أبواب الجحيم، فتركيا يمكن أن تتدخل عسكرياً، وحتى الولايات المتحدة الحليفة لهذه الإدارة غير راضية عن هذه الانتخابات نزولاً عند الرغبة التركية، كما أن النظام وروسيا لن يرضيا بهذا الإجراء".

وأشار السعدون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التخريج المناسب للتخلص من هذا المأزق، هو القرار الذي صدر من قبل المفوضية، ما يفهم منه بأنه قرار أو حل وسطي. فبإمكان القرى الصغيرة أن تجري انتخابات في ساعة أو ساعتين بدون ضجة، أما في المدن الكبيرة فمن الصعب الذهاب لإجراء انتخابات حقيقية، إلا إذا تم اللجوء إلى انتخابات شكلية خارجة عن المعايير المعروفة".

حسن شيخو: الانتخابات لا تلقى أي قبول أو مباركة، لا إقليمية ولا دولية

أما رئيس حركة "الكوردياتي" السورية حسن شيخو فأشار إلى أن "الانتخابات التي تريد الإدارة إجراءها لا تأتي في مرحلة مناسبة، لأنها ستفتح النار على المنطقة، كما أن السكان في شمال وشرق سورية غير مستعدين لأي تهديدات إضافية في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي"، آملاً أن تعيد الإدارة الذاتية النظر في مسألة إجراء الانتخابات. وشدد شيخو، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "الانتخابات لا تلقى أي قبول أو مباركة، لا إقليمية ولا دولية، وبالتالي علينا الاستفادة من الدرس الذي حصل بجوارنا، حين أجري الاستفتاء في إقليم كردستان، حينها خسر الإقليم مناطق كبيرة في كركوك وسنجار وطوزخرماتو شمال العراق، ونحن لا نريد ذات السيناريو".
وتأسست "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" في عام 2013 لإدارة المناطق التي سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب الكردية"، والتي أصبحت في 2015 الثقل الرئيسي لـ"قسد"، والتي تحكم اليوم نحو ثلث مساحة سورية يشكل العرب غالبية سكانه، ويعد الأهم لغناه بالثروات الزراعية والنفطية.