تترقب الولايات المتحدة، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، انتخابات نصفية للكونغرس، مفصلية على أكثر من صعيد، إذ إن الجمهوريين يسعون لاستعادة مجلسي النواب والشيوخ من يد الديمقراطيين، كما أنها ستكون عاملاً مهماً في اختبار قوة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب داخل الحزب الجمهوري، وقدرته على إيصال مرشحين له إلى الكونغرس، وكحكّام للولايات المتحدة.
ويضع هذا الاستحقاق الحزب الجمهوري في موضع حسّاس، لاسيما أن نتائجه ستحمل دلالات ومؤشرات هامة، للبناء عليها لانتخابات الرئاسة في 2024، والتي قد تشهد ترشح ترامب مجدداً. في الأثناء، يواصل السياسيون الجمهوريون نشاطاتهم السياسية والانتخابية، في إطارها التقليدي. وتدور طاحونة الاستعداد للانتخابات النصفية، بمهرجاناتها وعمليات جمع التمويل، على اعتبار أنها إحدى محطات الترفيع السياسي إلى واشنطن، حيث تسعى الوجوه القيادية داخل الحزب لدعم مرشحيها، واختبار قوتها الانتخابية في الوقت ذاته، وتوزع ثقلها بين الولايات في جسّ نبض أوّلي لطموحاتها الرئاسية.
دي سانتيس يعزّز موقعه في فلوريدا
ومن أبرز الأسماء التي تسطع اليوم لمنافسة ترامب، حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس، الذي يحاول جعل الولاية الواقعة في جنوب شرقي الولايات المتحدة، والتي تصوّت تقليدياً للجمهوريين ويسكن فيها ترامب، مركز استقطاب جمهوري، ليس بسبب الرئيس السابق، بل لما أصبح يشكّله دي سانتيس نفسه، من حالة جدّية داخل الحزب قادرة على فرض نفسها كبديل عن ترامب في المرحلة المقبلة. ويأتي ذلك، فيما ترامب نفسه محاصر بسلسلة من القضايا القانونية التي قد تقود إلى محاكمته، في وقت يعبّد دي سانتيس الطريق لنفسه من فلوريدا للتمدد انتخابياً وعلى صعيد وطني.
لم يتمكن ترامب من إطاحة حاكم ولاية جورجيا بريان كمب
ويحظى الرئيس الأميركي السابق بثقل انتخابي في أوساط القاعدة الشعبية الجمهورية، حيث أصبح علامة فارقة، يمكن معها الحديث عن الحزب قبل ترامب، وبعده. وتسمح هذه القاعدة لترامب بأن يبقى متصدّراً للمشهد الجمهوري، قبل انتخابات الكونغرس، لاسيما بعدما أبعد مشرعين جمهوريين صوّتوا لعزله عن السباق، على رأسهم ليز تشيني التي خسرت في الانتخابات التمهيدية للترشح في الانتخابات النصفية. كما يهيمن ترامب على سباق رئاسيات 2024، من دون الترشح رسمياً بعد، ما يجعل كلّ الجمهوريين بحالة انتظار.
لكن هذا المشهد لا يلغي أن الحزب المحافظ يواصل العمل بإطار دينامياته التقليدية، منها المهرجانات الجارية على قدم وساق في الولايات دعماً للمرشحين إلى الانتخابات النصفية، والتي تحاول من خلالها وجوه جمهورية ذات وزن إثبات جدارتها للرئاسيات. ومن بين هذه الأسماء، حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس، ونائب الرئيس السابق مايك بنس، والسيناتور (أركنساس) توم كوتون، والحاكمة السابقة لكارولينا الجنوبية نيكي هايلي وحاكم فيرجينيا غلين يونغكين وغيرهم.
ويدعم هؤلاء مرشحين مختلفين للكونغرس، ولحاكمية الولايات، ومن بينهم ترامب، الذي يدعم في الغالب اليوم، ويجول مع مرشحين جدد أو مؤمنين بغالبيتهم بنظريات المؤامرة وسرقة انتخابات 2020 من يد ترامب والجمهوريين. وقد تمكن الرئيس السابق إلى اليوم، من إزاحة 8 من أصل عشرة مشرعين في مجلس النواب، من السباق، كانوا صوّتوا لعزله في 2021، على خلفية اقتحام أنصاره الكونغرس لمنع المصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة.
من جهته، يجول بنس في الولايات، لدعم مرشحين بعينهم، بعدما وصل الخلاف والابتعاد بينه وبين ترامب إلى نقطة اللاعودة كما يبدو، بعد اقتحام الكونغرس. وتتهم القاعدة الجمهورية الداعمة لترامب، بنس، بعدم التحرك حيث كان بإمكانه عرقلة تنصيب جو بايدن رئيساً. كما يتوجه دي سانتيس، خارج فلوريدا، لدعم مرشحين آخرين للكونغرس، ومنهم مرشح من اليمين المتطرف لحاكمية ولاية بنسيلفانيا.
الجمهوريون يتحضرون لتمهيديات الرئاسة
ويزور المرشحون المحتملون داخل الحزب، ومن بينهم أيضاً بحسب تصنيفٍ للعشرة الأوائل نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أخيراً، السيناتور (كارولينا الجنوبية) تيم سكوت، والسيناتور (تكساس) تيد كروز، الولايات التي تشكل ثقلاً انتخابياً للحزب، لدعم مرشحيهم الذين سيتحولون إلى مفاتيح انتخابية لهم، في طريقهم إلى الرئاسيات.
يرى جمهوريون أن دعم ترامب لمرشحين بعينهم، في مواجهة آخرين أكثر اعتدالاً، قد يعقّد سعي الحزب لاستعادة مجلسي الشيوخ والنواب
وبحسب تقرير أخير نشر أول من أمس الأحد لـ"واشنطن بوست"، فإن هذا الحراك، بالإضافة إلى لقاءات المانحين ومنظمي الحملات الانتخابية، ونشر هؤلاء لأعضاء فرقهم في الولايات (يعتزم بعضهم أيضاً نشر مذكراته)، يسلّط الضوء على الاهتمام داخل الحزب للترشح للرئاسة، حتى مع بقاء هيمنة ترامب. ويقول الاستراتيجي الجمهوري بوب هكمان، للصحيفة: "إنها البزنس كالعادة"، مضيفاً أن الجمهوريين "لا يعيشون حالة جمود في وجه تلميحات ترامب المتواصلة بأنه قد يترشح مجدداً للرئاسة".
ولم يتمكن ترامب، رغم إزاحته النائبة الجمهورية الوسطية ليز تشيني، من سباق الكونغرس، من الإطاحة بحاكم جورجيا بريان كمب، الذي كان ترامب قد توعّده بعدما صادق الأخير على فوز بايدن بالولاية. ويخضع نفوذ ترامب لاختبار جديد في الخريف، إذ يرى العديد من الجمهوريين أن دعمه لمرشحين بعينهم، في مواجهة آخرين (أكثر اعتدالاً) قد يعقّد سعي الحزب لاستعادة "الشيوخ" و"النواب". ومن بين هؤلاء المرشحين، الطبيب محمد أوز، المرشح لمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية بنسيلفانيا، والذي يترنح في استطلاعات الرأي. كما يدعم ترامب مرشح أوز لحاكمية الولاية، دوغ ماستريانو.
ويختبر أيضاً حاكم ولاية ماريلاند الجمهوري، لاري هوغان، وهو جمهوري وسطي معارض لترامب، قوته الانتخابية، وحظوظه إذا ما قرّر المنافسة في تمهيديات الحزب الجمهوري للرئاسيات. وعلى لائحة "واشنطن بوست" للأسماء المرشحة للمنافسة في هذا السباق، أيضاً، دونالد ترامب جونيور، الذي يحتل المرتبة العاشرة، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، بالمرتبة التاسعة، فيما احتل ترامب المرتبة الثانية بعد دي سانتيس.
لكن بعض الجمهوريين يقولون، بحسب الصحيفة، إنهم يشككون في أن يكون أيٌّ من هذه الأسماء قادراً على تحدي ترامب. وقال معد استطلاعات الرأي للحزب، ويت أيرز، للصحيفة، إنه يصنّف الناخبين الجمهوريين ضمن 3 فئات: حوالي 10 في المائة يروعّهم ترامب، حوالي 40 في المائة يقولون إنهم قد يخترقون جدار نار من أجله، و50 في المائة يدعمونه، ويدافعون عنه إذا ما تعرض لهجوم، لكنهم منفتحون على مرشحين آخرين.