لم تنجح الجهود التي تبذلها الوساطات العراقية والإيرانية في حل الخلاف المحتدم منذ نحو تسعة أشهر بين الأحزاب الكردية على مرشح رئيس الجمهورية في العراق، والذي رسا العرف السياسي في البلاد منذ عام 2003 على أن يكون من نصيب القوى السياسية الكردية.
وتعثرت عدة وساطات للتوفيق بين الحزبين الكرديين الرئيسين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) للتوصل إلى "مرشح تسوية" للمنصب.
وكانت آخر هذه الوساطات، محاولة لقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، من أجل حسم الخلاف، لكن حتى الآن لم يتحقق أي تقدم، مع مغادرة الجنرال الإيراني الإقليم بعد لقاءين عقدهما مع زعماء الحزبين في أربيل والسليمانية، وفقاً لمصادر سياسية كردية تحدثت لـ"العربي الجديد".
تعثر التوافق بين الحزبين الكرديين
وفاقم بدء الأحزاب الكردستانية تحضيراتها الأولية لانتخابات برلمان الإقليم المقررة في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، من حدة الأزمة بين الحزبين الكرديين الرئيسين داخل الإقليم الذي يتمتع بحكم شبه مستقل عن بغداد، منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.
ومنذ أول حكومة عراقية دائمة تأسست بعد الاحتلال عام 2006 ظل المنصب من حصة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يديره حالياً بافل الطالباني ومقرّه في مدينة السليمانية، لكن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في 10 أكتوبر الماضي، التي أسفرت عن فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، الحاكم في أربيل ودهوك، فرضت واقعاً سياسياً جديداً.
بالتالي بات الديمقراطي الكردستاني يطالب بمنصب رئاسة الجمهورية وإبعاد الاتحاد الوطني، الأمر الذي أدى إلى تعطل الحياة السياسية حالياً، وتحديداً بعد انسحاب "التيار الصدري" من البرلمان وتصدر "الإطار التنسيقي" لتشكيل الحكومة.
يحاول الحزبان الكرديان فرض شروطهما قبل انتخابات برلمان كردستان
ويملك الحزب الديمقراطي الكردستاني أكثر من مرشح للمنصب، لكنه يتمسك حالياً بمرشحه ريبر أحمد، فيما لا يتراجع الاتحاد الوطني عن تمسكه بمرشحه الوحيد، وهو رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح.
ويسعى كل حزب إلى نيل المنصب الذي سيُعزز مكانته أمام جماهيره في الإقليم، للاستعداد لخوض الانتخابات التشريعية في برلمان كردستان.
وهو ما يعترف به سياسيون وأعضاء في الحزبين، إضافة إلى كون منصب رئيس الجمهورية سيؤدي إلى تغيير معادلة نيل بقية المناصب الوزارية والهيئات والدوائر الرسمية، في بغداد وكركوك وأربيل والسليمانية.
في السياق، اتهم عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي، الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنه "يريد الاستيلاء على كل شيء، ولا يريد الاكتفاء بما سيحصل عليه من وزارات في الحكومة الجديدة ببغداد".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الخلاف الرئيسي يكمن في سعي الحزب الديمقراطي إلى الحصول على منصب رئيس الجمهورية، ومنصب محافظ كركوك، والوزارات السيادية من حصة الأكراد في بغداد". واعتبر أن "هذا الاستيلاء يضرب روح العمل السياسي في إقليم كردستان، ويمثل حالة تعد على الاستحقاقات العرفية والانتخابية".
وأكد فقي أن "الاتحاد الوطني يطالب بمنصب رئيس الجمهورية، الذي سيُعزز قيمة الحزب أمام جماهيره في السليمانية خلال فترة الانتخابات التشريعية في الإقليم، وهذا التوجه يدركه الحزب الديمقراطي الذي يخشى على تراجع تمثيله البرلماني في الإقليم في حال لم يحصل على المنصب".
وأشار إلى أن "عملية اختيار رئيس الجمهورية إذا لم تنته خلال فترة ما بعد عيد الأضحى، فإنها قد تستمر إلى حين انتهاء الانتخابات البرلمانية في كردستان".
وفي السياق، يكشف مسؤول سياسي بارز في أربيل لـ"العربي الجديد"، عن فشل تحقيق تقارب بين الحزبين الرئيسين حيال الأزمة، مرجحاً الذهاب إلى البرلمان العراقي بمرشحين اثنين لرئاسة الجمهورية.
ويضيف: "حينها كل حزب يطرح مرشحه، ما سيضع الأحزاب في بغداد أمام موقف صعب، إذ إن نصاب الثلثين المفروض تحقيقه لجلسة رئاسة الجمهورية، لن يكتمل بحال انسحبت القوى العربية السنية (تحالف السيادة) والحزب الديمقراطي الكردستاني منها".
ووفقاً له فإن "أجواء الانتخابات المحلية المقررة بعد أكثر من 3 أشهر بقليل، بدأت تخيم على الإقليم وكل حزب يرى أنها مفصلية، فيما هناك استنفار في وسائل الإعلام لكلا الحزبين وكذلك عمليات تحشيد حزبية بالمحافظات الثلاث (دهوك، أربيل، السليمانية)".
تأثير انتخابات إقليم كردستان
عماد باجلان، وهو عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن انتخابات إقليم كردستان المقبلة باتت تؤثر على أزمة اختيار رئيس الجمهورية.
ويوضح أن "منصب رئيس الجمهورية يدعم ثقة الجماهير بالشارع الكردي بالحزب الذي سيخرج منه هذا الرئيس"، مشيراً إلى أن "لكل حزب سياسي جمهوره، وأن المناصب المهمة التي يحصل عليها تؤثر في الانتخابات".
الاتحاد الوطني: الحزب الديمقراطي يرغب بالاستيلاء على كل شيء
ويلفت باجلان إلى أن "الاتفاق بين الحزبين بشأن مرشح التسوية ليس مستحيلاً، إذ لم تنته لحد الآن جولات الحوار والتدخلات والوساطات بينهما، لكن إذا استمر الخلاف على منصب رئيس الجمهورية، فإن الخيار الأقرب إلى التحقق هو أن يذهب كل حزب بما يملك من مرشح إلى جلسة مجلس النواب وعرضه للتصويت، لكن ننتظر هذه الأيام نتائج ما ستؤول إليه الوساطات التي تقودها قوى الإطار التنسيقي في هذا الأمر".
ويؤكد أن "الحراك السياسي داخل إقليم كردستان، الخاصة بانتخابات برلمان الإقليم، بدأ تقريباً، ومنصب رئيس الجمهورية سيؤثر حتماً على النتائج، حتى ولو كان بشكلٍ طفيف".
بدوره، أشار المحلل السياسي الكردي، آرام سعيد، إلى أن "حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب رئيس الجمهورية، سيؤدي إلى تبدل كبير في نتائج انتخابات إقليم كردستان الذي يضمّ 111 نائباً، بسبب التوجه الذي قد يؤدي إلى انتخاب أعداد من جماهير السليمانية هذا الحزب (نال الديمقراطي 45 مقعداً في انتخابات برلمان الإقليم 2018 في مقابل 21 للاتحاد الوطني)، لا سيما وأنهم يشعرون بالإهمال من خطط الإعمار والتمكين. ولذلك يسعى حزب الاتحاد إلى نيل المنصب لشحن جماهيره على الانتخابات، وحصوله على مقاعد تمكنه من تشريع القوانين الخاصة بالإقليم، لذلك فإن الانتخابات الكردستانية باتت تؤزم عملية اختيار رئيس الجمهورية".
وأوضح سعيد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "أزمة اختيار رئيس الجمهورية قد تطول، خصوصاً إذا استمر الخلاف بشأن مرشح التسوية، أما التوجه إلى عرض مرشحين اثنين على مجلس النواب العراقي، فإنه سيدفع الحزبين إلى التوجه نحو بغداد والحصول على ضمانات التصويت، وبكل الأحوال، بما أن السيد مقتدى الصدر غاب عن المشهد السياسي فإن القبول بمرشح الاتحاد الوطني بات أسهل".
ولا يتمتع منصب رئاسة الجمهورية في العراق بأي صلاحيات تنفيذية، بحسب الدستور الذي أُقرّ سنة 2005 باستفتاء شعبي عقب نحو عامين من الغزو الأميركي، إذ حصر الصلاحيات التنفيذية بشكل كامل في يد رئيس الحكومة، بينما منح رئيس الجمهورية مهام تشريفية، مثل توقيع المراسيم الجمهورية، وتقليد الأوسمة، وتقديم مقترحات للقوانين والتشريعات، وتمثيل العراق في المحافل الدولية، فضلاً عن تكليف مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان، تشكيل الحكومة.