حققت أحزاب المعارضة في جمهورية ما يسمى بـ"أرض الصومال" (جمهورية صومالاند)، المعلنة من طرف واحد، أمس الأحد، فوزاً تاريخياً منذ قرابة عقدين من الزمن، حيث كان الحزب الحاكم (كلمية) منذ عام 2003 يتصدر المشهد السياسي، لكونه يضم قادة سياسيين بارزين ومن كبار الشخصيات التي ناضلت من أجل انفصال أرض الصومال عن بقية الصومال في مايو/أيار عام 1991. وتقدمت المعارضة في أقاليم كانت تحت سيطرة الحزب الحاكم، ونال حزبا الوطني وأوعد أصواتاً فاقت خمسين صوتاً من أصل 82 صوتاً من مقاعد البرلمان في صومالاند.
وانطلقت الانتخابات النيابية التي شارك فيها نحو مليون ناخب الاثنين الماضي، وشملت ستة أقاليم تتألف منها أرض الصومال، وخاض في هذه الانتخابات 246 مرشحاً لمقاعد البرلمان موزعة على الأحزاب الثلاثة في المنطقة؛ حيث حصل الحزب الوطني المعارض على 31 من المقاعد، بينما ضمن الحزب الحاكم (كلمية) 30 مقعداً، فيما حصد حزب أوعد 21 مقعداً، ما يجعل عدد المقاعد للبرلمان المحلي 82 مقعداً.
وأعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في أرض الصومال، أمس الأحد عن نتائج الانتخابات، التي كانت منتظرة منذ أن بدأت عملية الفرز مطلع الأسبوع الجاري بعد إغلاق الدوائر الانتخابية في الإقليم. وأعلنت الأحزاب المعارضة تشكيل تحالف ضد الحزب الحاكم، من أجل الظفر برئاسة مجلس البرلمان المحلي، إلى جانب رؤساء الأقاليم الستة التي تتكون منها إدارة أرض الصومال.
ووفق بيان صحافي لأحزاب المعارضة، أعلن عن تشكيل لجنة برلمانية مكونة من 10 أعضاء؛ حيث يتعين على كل من حزبي الوطني وأوعد تعيين 5 أعضاء من نواب البرلمان، من أجل رئاسة البرلمان وأقاليم الإدارة في المنطقة.
ويقول مسؤول الإعلام للحزب الوطني المعارض، مختار محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هذا الفوز بمثابة تتويج تاريخي لثمرة جهود الحزب منذ الفترة الأخيرة، ويعكس رغبة الشعب في أرض الصومال للتغيير، إلى جانب خيبات الأمل التي مني بها اليوم الحزب الحاكم، وهو ما يثبت أن المجتمع المحلي يحتاج إلى تغيير جذري للحكم في المنطقة.
ويضيف "هذا نصر حققه الحزب والشعب ضد الحزب الحاكم، الذي لم يقدر على فرض العدالة والمساواة بين فئات المجتمع".
ويلفت مختار إلى أن الحزب يسعى بعد فوزه بمقاعد البرلمان الوصول إلى رئاسة الحكم في أرض الصومال، وتحقيق العدالة بين مكونات المجتمع، مبيناً أن "صوت الشعب كان الفصل بين من سيختاره مستقبلاً لقيادة البلاد، وهو الهدف السامي للحزب في المرحلة المقبلة" .
أسباب فوز المعارضة
ويتساءل باحثون عن أسباب تراجع حزب كلمية الذي كان يقود أرض الصومال منذ انتخابات عام 2003، ولم تعرف "صومالاند" رئيساً غيره، ويرجح محللون أن من أسباب تراجع مقاعد الحزب في البرلمان عدم تحقيق وعوده للشعب طيلة هذه الفترة، هذا إلى جانب تقاعسه عن تحقيق نهضة اقتصادية للإقليم، الذي يعاني شبابه بطالة وفقراً مدقعاً، نتيجة تدني فرص العمل وعدم تكافئها بين الخريجين في الجامعات المحلية.
وفي هذا الصدد، يقول مدير مركز هرجيسا، محمود عبدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الحزب الحاكم يواجه مسألتين أساسيتين، أولاهما تراجع الشعبية الناتج عن تبدد الآمال التي كانت معلقة عليه من حيث تحقيق نهضة اقتصادية.
أما ثانياً، فإن آلية الترشيح في صومالاند طغى عليها دور القبائل في اختيار مرشحيها هذه الفترة، على حساب المرشحين المفضلين للأحزاب، وهو ما أدى إلى استفادة أحزاب المعارضة من إحجام الحزب الحاكم عن استقبال مرشحي عشائر ذات وزن ديمغرافي اعتبره ضئيلاً، وهو ما صبّ في مصلحة حزبي المعارضة، وكان لحزب وطني نصيب الأسد في ذلك، إضافة إلى قاعدته الشعبية التي استمرت في النمو، مستفيداً من أخطاء وإخفاقات الحزب الحاكم.
ويرى عبدي أن هذه الانتخابات تعد كسراً للجمود الذي دخلته العملية الانتخابية، بسبب التأجيلات التي استمرت لإحدى عشرة سنة، و ضمن المدة الرئاسية لرئيسين، فقد كان من المفترض أن تعقد هذه الانتخابات الحالية سنة 2010/2011 لكنها لم تنعقد حتى هذا الموسم الانتخابي.
وبحسب مراقبين، فإن خلافات عميقة داخل الأحزاب الثلاثة في أرض الصومال كانت تؤجل عملية تنظيم الانتخابات النيابية، بسبب خلافات حول اللجان الانتخابية، واشتدت تلك الخلافات منذ تولي موسي بيحي عبدي رئاسة أرض الصومال أواخر عام 2017؛ حيث ضمت اللجان الانتخابية مقربين منه، لكنه أصر على تنظيم الانتخابات، التي خسر حزبه ويواجه تحالفاً من حزبي المعارضة.
برلمان ذكوري
وخاضت 28 امرأة الانتخابات الأخيرة على مستوى البلديات والبرلمان، حيث ترشحت 13 امرأة منها لمقاعد المجلس التشريعي، لكن لم تتمكن إحداهن من الوصول إلى مقاعد البرلمان، بينما فازت اثنتان فقط بعضوية مجالس البلديات للمنطقة، ما يجعل نسبة الإناث في البرلمان المحلي غير موجودة في المنطقة التي تشهد منذ عقود عرساً ديمقراطياً بلا وزن سياسي للمرأة.
وفي هذا الصدد يقول الباحث الاجتماعي عبدالله راغي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ضعف مشاركة المرأة يرجع إلى نقطة أساسية تتمثل في غياب دور المرأة في الحياة السياسية في أرض الصومال، حيث لا مكانة للمرأة في المعترك السياسي في المنطقة، وهو ما حجّم مقاعدها على الأقل في البرلمان، لأن دخول قبة البرلمان عملية غير سهلة، وتحتاج جهداً أكبر، من خلال مشاركة سياسية فعالة في الوسط السياسي والعشائري في البلاد.
ويضيف راغي أن طموح المرأة في السياسة بالفعل شبه غائب منذ انتخابات عام 2005 التي تمكنت فيها نائبة واحدة من دخول البرلمان، بسبب أن العملية برمتها في يد رجال القبائل وأصحاب النفوذ والثروات من رجال الدولة، وهو ما يجعل مشاركة المرأة في المشهد السياسي غير متوقعة، والقليل من السيدات حظين بمقاعد في المجلس الوزاري في الحكومات في أرض الصومال.
وبحسب متابعين، فإن المرأة في أرض الصومال تزاحم الرجال في سوق العمل، وهو ما يجعلهن محركات الأسواق من أجل إعالة أسرهن، بعد فقدان دور الرجل في تدبير شؤون المنزل؛ حيث تتقاسم المرأة ضنك البحث عن أرزاق لأسرهن كغيرها من السيدات في بقاع الصومال.
مرحلة كسر العظام
ومع إعلان حزبي المعارضة تشكيل تحالف فيما بينهما لإمساك زمام البرلمان وإدارة الأقاليم الستة للمنطقة، فإن مرحلة كسر العظام ستشتعل بين المعارضة والحزب الحاكم، ما يجعل خيارات الحزب الحاكم لمواجهة المعارضة محدودة، ما لم يكسر تحالف الحزبين تحت ضغط تأثير نفوذ القبائل من جهة والتحالف مع نواب المعارضة عبر إغرائهم بالمناصب والثروات.
ويقول مدير مركز هرجيسا للبحوث والدراسات، محمود عبدي، إنه من المتوقع في الفترة المقبلة على المستوى السياسي في صومالاند، حدوث نشاط سياسي كبير، نظراً للحيوية التي اكتسبتها الساحة السياسية فيها، بدخول دماء جديدة، وما سيخفف من احتمالات نجاح حزب كلمية الحاكم في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة (2022)، مهما كان اسم السياسي المرشح لتلك الانتخابات من قبل الحزب الحاكم.
ويوضح محمود عبدي أن صومالاند تتجه حالياً نحو مرحلة من التغيير السياسي، ما يعني أن الطبقة الحاكمة من الحزب الحاكم، لم تعد وحدها بعد اليوم متفردة بالحكم، وستكون العملية السياسية بالتقاسم المشترك فيما بين الأحزاب الثلاثة.