اتّهم المدّعون الديمقراطيون الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الأربعاء، في اليوم الثاني من محاكمته في مجلس الشيوخ، بأنه كان "المحرّض الرئيسي" على اقتحام مقر الكونغرس في السادس من يناير/ كانون الثاني وأعمال العنف التي رافقت ذلك.
وبموجب القوانين المرعية في محاكمة الرؤساء أمام مجلس الشيوخ، أمام كلّ من طرفي الادعاء والدفاع 16 ساعة على مدى يومين لعرض حججهم.
ويتولّى تسعة نواب ديمقراطيين مرافعات الادعاء، وهم يعتمدون في مهمتهم هذه على عرض تسجيلات فيديو صادمة.
وعلى الرّغم من أنّ حظوظهم قليلة في إقناع ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ بإدانة ترامب، وهو العدد الذي يفرضه الدستور لذلك، يسعى المدّعون أقلّه إلى التأثير في الرأي العام خلال جلسات تبث مباشرة في أنحاء الولايات المتحدة كافة.
وقال رئيس فريق الادعاء جيمي راسكين: "ستظهر لكم الأدلة أن الرئيس السابق ترامب لم يكن متفرجاً بريئاً"، وأنّه "تخلّى عن دوره كقائد أعلى للقوات المسلّحة وصار محرضاً رئيسياً على تمرّد خطير".
واعتبر النائب خواكين كاسترو العضو في فريق الادعاء، أنّ اقتحام الكونغرس لم يأتِ "من عدم"، مشدّداً على أن ترامب غذّى غضب المحتجين "على مدى أشهر".
"الكذبة الكبرى"
وأضاف في القاعة نفسها التي اقتحمها مناصرو الملياردير الجمهوري، قبل أن يعبثوا بالمكاتب بعد لحظات من الإجلاء الطارئ لنائب الرئيس مايك بنس ولأعضاء مجلس الشيوخ، أن "الرئيس هو من أرسلهم".
وقال إن ترامب "ارتكب جريمة كبرى بحق دستورنا وشعبنا، وأسوأ انتهاك للقسَم الرئاسي في تاريخ الولايات المتحدة"، مضيفاً: "لذا يجب أن يُدان في مجلس الشيوخ".
وفي حال إدانته، سيطلب الديمقراطيون فوراً إجراء تصويت ثان بالأكثرية المطلقة، على اعتباره فاقداً للأهلية السياسية.
ووصف الديمقراطيون حملة التضليل التي أطلقها ترامب بشأن الانتخابات الرئاسية، من دون أن يعطي أي دليل على ذلك، بأنها "الكذبة الكبرى".
واعتبر النائب تيد ليو أن ترامب "انحسرت خياراته غير العنفية للبقاء في السلطة"، بعد رد طعونه في نتائج الانتخابات.
وقالت زميلته ستايسي بلاسكيت إن ترامب لجأ إلى "مجموعات غذّاها على مدى أشهر"، على غرار "براود بويز" التي شارك أعضاء بها في اقتحام الكونغرس، مذكّرة بأن الرئيس كان قد دعاهم في أكتوبر/ تشرين الأول إلى "البقاء على أهبة الاستعداد".
ويسكن ترامب حاليا في محل إقامته الفخم في فلوريدا، وهو لن يمثل أمام مجلس الشيوخ للإدلاء بإفادته. وبعدما تم تعليق حسابه على "تويتر" آثر الابتعاد عن الأضواء، وذلك ربما في إطار سعيه للتحضير لعودته إلى الساحة السياسية لخوض انتخابات العام 2024، وهو أمر كان قد لمّح إليه.
وقال ديفيد شون أحد محامي الدفاع عن الملياردير الجمهوري، إنّ "هذه المحاكمة "تُستغلّ سياسياً" وسوف تؤدي إلى "تمزيق البلاد".
وأضاف أن "أميركيين كثراً يرونها على حقيقتها: محاولة من قبل مجموعة سياسيين لإخراج دونالد ترامب من الحياة السياسية".
ولا يزال ترامب يحظى بدعم قوي في صفوف الحزب الجمهوري، وحظوظ تبرئته وافرة، وقد يتم إسقاط التهمة عنه في مطلع الأسبوع المقبل.
وأمام محاميه 16 ساعة لعرض حججهم.
والثلاثاء، بدا الديمقراطيون مصمّمين على تذكير أعضاء مجلس الشيوخ المائة الذين يشكّلون هيئة المحلّفين في هذه المحاكمة، وكذلك الأميركيين، بالعنف الذي سجّل في ذاك اليوم وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص.
وقد عرضوا تسجيلاً مدّته نحو عشر دقائق سلّط الضوء على تسلسل الأحداث التي سبقت اقتحام مقر الكونغرس، وتتمثل هذه الأحداث في خطاب ترامب الذي دعا فيه الآلاف من مناصريه المجْتمعين والمحتشدين أمام البيت الأبيض للتوجّه إلى مقرّ الكونغرس "للتظاهر بشكل سلمي ووطني". وقال: "لن تستعيدوا بلدنا إن كنتم ضعفاء"، إضافة إلى افتتاح جلسة مشتركة لمجلسَي الكونغرس للمصادقة على فوز خصمه جو بايدن بالرئاسة، فضلا عن مشاهد المتظاهرين وهم يتخطّون عوائق الشرطة ويقتحمون مقرّ الكونغرس ويجولون في أروقته بحثاً عن برلمانيين.
وذكّروا بأنّه بعد ساعتين، نشر ترامب تسجيل فيديو جدّد فيه التأكيد على أنّ الانتخابات "مزوّرة". وفي حين دعا المتظاهرين إلى العودة لمنازلهم قال لهم: "نحن نحبكم".
وهي تصريحات استعادها الأربعاء راسكين الذي قال إننا كنا نعتقد أن الرئيس سيعمد إلى "طمأنة الأميركيين (...) لكن هذا ما قاله: (أعلم أنكم مجروحون، الانتخابات سُرقت منا)".
وفي سياق متّصل، أعلنت النائبة العامة في ولاية جورجيا الأربعاء أنها فتحت تحقيقا بشأن مساعي ترامب لتغيير نتائج انتخابات الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني عبر ممارسة ضغوط على مسؤولين محليين للتلاعب بالفرز.
والإثنين، جاء في مرافعة مكتوبة لمحامي ترامب أن تحميل الرئيس السابق مسؤولية أعمال عنف ارتكبتها "مجموعة صغيرة من المجرمين" الذين "أساؤوا فهمه تماما" هو أمر "عبثي بكل بساطة"، مشددين على أن ترامب "حضّهم على البقاء سلميين".
والأربعاء، ردّت النائبة مادلين دين بالقول: "لقد تحقّقنا من خطابه المؤلف من 11 ألف كلمة، لم يستخدم الرئيس عبارة (سلمي) إلا مرة واحدة مقابل أكثر من 20 استخداماً لعبارة (قتال)".
ولا تزال التدابير الأمنية في محيط مقر الكونغرس تذكّر بأعمال العنف، مع انتشار عناصر الحرس الوطني والحواجز العالية.
والثلاثاء، تمحورت النقاشات حول دستورية محاكمة رئيس في مجلس الشيوخ بهدف عزله بعد انتهاء ولايته، وهو ما يشكل سابقة في تاريخ الولايات المتحدة.
ويعتبر محامو ترامب أن المحاكمة "عبثية وغير دستورية"، لأن الرئيس السابق أصبح "مواطنا عاديا" وبالتالي لا يمكن عزله من الرئاسة.
ويعتبر الديمقراطيون أن الجمهوريين يشددون على هذه الحجة، لتجنّب إبداء موقف من سلوك ترامب.
وفي نهاية المطاف، حسم الأمر بالتصويت بالأكثرية المطلقة على هذه المسألة. وإلى جانب الأعضاء الديمقراطيين الخمسين في المجلس صوّت ستة جمهوريين لصالح دستورية المحاكمة وبالتالي المضي بها.
(فرانس برس)