اليمين الإسرائيلي وبايدن: عودة "حل الدولتين" وطي "صفحة المصالحة"

29 نوفمبر 2020
الطاقم المحيط بدونالد ترامب بالإمكان اعتباره "صهاينة أكثر من هرتسيل (ليئور مزراحي/Getty)
+ الخط -

خسر اليمين الإسرائيلي، وتحديدًا الاستيطاني المتطرف، البيت الأبيض، وهذا ليس من قبيل المبالغة، إذ إن أفراد الطاقم المحيط والمؤثر بدونالد ترامب بالإمكان اعتبارهم "كاثوليكيين أكثر من البابا" أو "صهاينة أكثر من هرتسل". فالسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، صهيوني مستوطن ومتزمت لمشروع "أرض إسرائيل الكبرى"؛ ومبعوث ترامب الخاص سابقًا، جيسون غرينبلات، سيتشرف حزب "البيت اليهودي" المتطرف بعضويته؛ أما جاريد كوشنير و"الأوفيس بوي" الذي خلف غرينبلات، آفي بركوفيتش، فهما صهيونيان خدما أهداف بنيامين نتنياهو في المنطقة العربية مثلما خدما مصالح ترامب، وزارا إسرائيل أكثر مما زارا ولايات أميركية. 
هذه الخسارة يعترف بها كتاب اليمين الإسرائيلي، فيما يعتبر "مركز أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أن الطاقم الذي اختاره الرئيس المنتخب، جو بايدن، مهني أكثر من كونه عقائديًا كما في فترة ترامب. ولكن ذلك لا يعني أن الإدارة الأميركية في عهد بايدن ستكون خارج التأثير اللوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة.
لكن انعكاس فوز بايدن على سياسات اليمين الإسرائيلي لا يتوقف على الأفراد أو الأسماء، بل يرى هذا اليمين أن "الفترة الذهبية" خلال ولاية ترامب لن تتكرر، وأن أولى هذه الانعكاسات ستكون على الملف النووي الإيراني، وبات مسلمًا بأن بايدن سيدفع بإيران للعودة للاتفاق النووي بتعديلات جديدة، ويسعى نتنياهو حاليًا لوضع عراقيل لتقويضه مسبقًا، من خلال توثيق التنسيق مع الحلفاء الجدد في الخليج والتسريب عن اغتيال القائد الثاني بتنظيم القاعدة في طهران. حتى تولي بايدن الرئاسة، ستسعى إسرائيل نتنياهو إلى تصعيد ضد إيران بشكل مباشر أو غير مباشر، فيما من المتوقع أن تسعى لإجراء حوار سري و"هادئ" مع الإدارة الجديدة في مرحلتها الأولى، للتوصل إلى رؤى مشتركة بما يخص النووي الإيراني، في ظل الخشية الإسرائيلية من أن تقوم إدارة بايدن بتقليص الدعم الأميركي لميزانية الأمن الإسرائيلية، أو ربطها باشتراطات بإجراء مفاوضات مع الفلسطينيين أو ضبط الاستيطان.
ويدرك اليمين الإسرائيلي أن أولويات إدارة بايدن ستكون داخلية أميركية، في المرحلة الأولى على الأقل، بالإضافة إلى أولوية إعادة ترميم العلاقات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في العالم عمومًا والمؤسسات الدولية والأمم المتحدة، وفي أوروبا (الغربية) تحديدًا، وذلك ما يعزز مخاوفه من تسريع الانكفاء الأميركي من المنطقة العربية وما يترتب على ذلك على مصالح إسرائيل. لذا يسعى نتنياهو هذه الأيام لإثبات أن إسرائيل هي الحليف الدائم لخصوم إيران في المنطقة العربية، مثل السعودية والإمارات، وأنه لا يمكن التعويل على الولايات المتحدة، لأن سياستها تجاه إيران غير ثابتة وتتعلق بهوية الرئيس الحاكم. يسعى نتنياهو للبرهنة أمام حلفائه العرب بأن إسرائيل هي الحليف الإقليمي الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة إيران، ويبدو أن بعض العرب اقتنع أو مقتنع بذلك منذ فترة باراك أوباما.
أما على الصعيد الفلسطيني، فإن خشية اليمين وتحديدًا الاستيطاني، بأن يعود خطاب المفاوضات وحل الدولتين و"الشرعية الدولية" مع عودة الديمقراطيين للحكم، وما يترتب على ذلك من تقويض لمشاريعهم الاستيطانية و"صفقة القرن" وخطة ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية.  ووصل الحد بأحد كتاب اليمين أن يصف فترة حكم أوباما بـ"الصدمة" أو "التراوما"، في سياق حديثه عن السياسات الخارجية المتوقعة لإدارة بايدن، فيما يقلل محللون يمينيون من اهتمام بايدن بالقضية الفلسطينية والصراع العربي – الفلسطيني، ويعولون على انشغاله في ترميم الولايات المتحدة داخليًا بعد  4 سنوات من حكم بايدن.
كما يخشى اليمين من انعكاس سياسات ترامب في المنطقة على العلاقات مع يهود الولايات المتحدة الذين صوّت أكثر من 70 في المئة منهم لبايدن في الانتخابات الأخيرة، بل يخشون أيضًا من أن مواقف اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي، والنقدية تجاه سياسات اليمين ونتنياهو وتقويض حل الدولتين، بأنها ستكون مؤثرة في اعتبارات بايدن السياسية بكل ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين. 
لكن في موازاة الخشية من سياسات بايدن تجاه إيران وإمكانية طرح المفاوضات وحل الدولتين وعودتهما إلى الحياة، فإنهم يعولون على أن الحديث عن إمكانية عودة مسار المفاوضات يعني طي ملف المصالحة الفلسطينية، وتحديدًا بين حركتي فتح وحماس، والإبقاء على الحالة الفلسطينية مشرذمة مشتتة بين كيانين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهو ما دفع أحد أبرز الكتاب اليمينيين المقربين لنتنياهو باستحضار تصريح لمارتن إنديك الذي قال إن الموضوع الفلسطيني "لم يعد مصلحة أميركية حيوية".

 

المساهمون