استمع إلى الملخص
- **توريث الحكم وتداعيات الثورة**: سعى علي عبد الله صالح لتوريث الحكم لنجله أحمد، لكن الثورة الشعبية في 2011 أوقفت هذه الخطط، وأقال الرئيس الانتقالي أحمد صالح في 2012، مما أدى إلى ابتعاده عن السياسة واستقراره في الإمارات بعد مقتل والده.
- **التحديات والانقسامات داخل حزب المؤتمر الشعبي العام**: انقسم الحزب بعد مقتل علي عبد الله صالح، ويواجه أحمد صالح تحديات في توحيد الحزب، بينما ابن أخيه طارق صالح بنى نفوذاً سياسياً وعسكرياً مدعوماً إقليمياً، مما يجعل التنافس بينهما معقداً.
عاد اسم العميد اليمني أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، إلى الواجهة السياسية من جديد بعد قرار لجنة العقوبات الدولية التابعة لمجلس الأمن شطب اسمه واسم والده من قائمة العقوبات الخاصة بالأفراد والكيانات المعرقلة للسلام في اليمن. وكانت اللجنة الأممية قد أدرجت اسم أحمد صالح في القائمة بتاريخ 14 إبريل/نيسان 2015، وعُدّل القرار في 16 سبتمبر/أيلول 2015، كونه "لعب دوراً رئيسياً في تسهيل التوسع العسكري الحوثي، وشارك في أعمال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن".
وذكر بيان صحافي نشره موقع الأمم المتحدة أن لجنة مجلس الأمن، المشكلة عملاً بالقرار 2140 (2014)، أزالت في 30 يوليو/تموز 2024 صالح ونجله من قائمة العقوبات الخاصة بالأفراد والكيانات. قرار شطب اسم أحمد صالح من قائمة العقوبات جاء نتيجة ضغوط مارسها التحالف الدولي بقيادة السعودية والإمارات، وكذلك مجلس القيادة الرئاسي، ليبدأ عقب القرار بممارسة نشاطه السياسي من جديد من خلال لقائه، الاثنين الماضي، السفير الأميركي في اليمن ستيفن فاغن.
توريث أحمد صالح
وكان علي عبد الله صالح قد عمل على التمهيد لتوريث الحكم لنجله أحمد من خلال ترقيته إلى رتبة عميد ركن وتعيينه قائداً لقوات الحرس الجمهوري في العام 2004. وحظيت هذه القوات بدعم لا محدود من صالح الأب. بالتزامن مع ذلك، بدأت حينها أصوات ومبادرات من داخل حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي تأسس بقيادة الرئيس الراحل عام 1982، تطالب بترشيح أحمد صالح لمنصب رئيس الجمهورية تماشياً مع خطوات والده الممهدة للتوريث. غير أن هذه الأحلام سرعان ما تبددت مع انطلاق الثورة الشبابية الشعبية في فبراير/شباط 2011.
في ظل اتهام قوات الحرس الجمهوري بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق الثوار السلميين، بما في ذلك الاعتداءات على المتظاهرين والاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري، أقال الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، في 2012، أحمد صالح من منصبه العسكري، في إطار ما يعرف بعملية هيكلة الجيش. وعلى الرغم من خروج علي عبد الله صالح من السلطة، إلا أنه حافظ على نفوذه داخل الجيش، وساهم من خلال سيطرته ونجله أحمد على قوات الحرس الجمهوري في تسهيل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، ليدخل معهم في تحالف سياسي وعسكري. في العام 2015، وُضع اسم أحمد صالح على قائمة العقوبات الدولية، ليستقر به المقام في دولة الإمارات التي عُيّن فيها بمنصب سفير اليمن من العام 2013 حتى العام 2015. وبسبب العقوبات الدولية، ابتعد عن ممارسة العمل السياسي وغاب عن الأضواء رافضاً التعليق على الأحداث السياسية بما فيها مقتل والده على يد حلفائه الحوثيين في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2017.
مقتل صالح كان إعلاناً لفضّ التحالف السياسي والعسكري بين "المؤتمر الشعبي العام" وجماعة الحوثيين التي حافظت على سلطتها في المناطق التي سيطرت عليها، وفرضت الإقامة الجبرية على قيادات الحزب في تلك المناطق، ما تسبب بحالة من الانقسام والتشظي داخله، وهو أكبر الأحزاب اليمنية. علماً أن "المؤتمر الشعبي العام"، جناح صنعاء، انتخب أحمد صالح نائباً للأمين العام للحزب صادق أمين أو راس، في العام 2019.
بعد مقتل صالح، نجح ابن أخيه طارق في الهرب إلى مأرب وإعلان التحاقه بصفوف الشرعية اليمنية، ليبدأ بتجهيز جناح مسلح بات يُعرف بالمقاومة الوطنية، المكوّنة من عدة ألوية عسكرية، وتتخذ من الساحل الغربي معقلاً لها. في 2018، أعلن طارق صالح عن طموحاته السياسية بتشكيل المكتب السياسي للمقاومة الوطنية رديفاً لحزب المؤتمر الشعبي العام، ثم عُيّن عضواً في مجلس القيادة الرئاسي الذي تشكّل في إبريل 2022، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تهدف إلى الاستحواذ على إرث علي عبد الله صالح السياسي والعسكري.
عودة أحمد صالح إلى الحياة السياسية تحصل في واقع معقد على مستوى اليمن المقسم، والنفوذ السياسي والعسكري المفقود، وفي ظل واقع مزرٍ يعيشه "المؤتمر الشعبي العام"، وسط أجنحة متعددة، جناح موالٍ للشرعية، وجناح آخر - ربما تحت الإكراه - موالٍ للحوثيين، وفي ظل تطلعات سياسية وعسكرية بناها طارق صالح لنفسه. تواصلت "العربي الجديد" مع برلمانيين وأعضاء اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام، جناحي الشرعية وصنعاء، للتعليق على رفع العقوبات عن أحمد صالح وعودته إلى الحياة السياسية، لكنهم اعتذروا عن الحديث.
خلافات ودور غائب
من جهته، قال الناشط السياسي رفيق البكاري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أحمد صالح "شخصية ضعيفة، بدليل أنه بقي بلا موقف محدد من الأزمة اليمنية منذ انقلاب الحوثيين على الدولة (2014)، بما في ذلك قضية مقتل والده على يدهم". وأضاف أن ذلك "مؤشر على أن الرجل ليست له طموحات سياسية، وإن كان والده خلال فترة حكمه قد عمل على توريث الحكم له"، معتبراً بالتالي أن "أحمد صالح اختار طريقاً آخر غير طريق السياسة، خصوصاً بعد أن فقد النفوذ الذي كان بحوزته خلال قيادته قوات الحرس الجمهوري".
رفيق البكاري: أفقد قبول أحمد صالح منصب نائب الأمين العام لـ"المؤتمر الشعبي العام"- جناح صنعاء الموالي للحوثيين الكثير من شعبيته
ولفت البكاري إلى أن "أحمد صالح لن يكون له دور في توحيد حزب المؤتمر الشعبي العام، خصوصاً بعد قبوله منصب نائب الأمين العام للحزب في جناح صنعاء الموالي للحوثيين، ما جعله يفقد الكثير من شعبيته في ظل تزايد شعبية طارق صالح الذي استطاع أن يجمع حوله المؤتمريين الموالين للشرعية". وقال إن طارق صالح "نجح في صنع نفوذ سياسي وعسكري، وبدعم إقليمي، وبالتالي فالأمور تسير لترجيح كفة طارق قائداً سياسياً وعسكرياً".
بدوره، قال المحلل السياسي محمد عبده الشجاع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أحمد صالح "طيلة الفترة الماضية، لم يقلل من دور حزب المؤتمر الشعبي العام رغم ما تعرض له الحزب من تمزق، وربما يرى أن هناك شريحة واسعة لا تزال تعوّل على الحزب باعتباره فكرة شعبوية يجب التشبث بها". ورأى الشجاع أن أحمد قد يُمنح بعض الامتيازات، كونه نجل علي صالح "بالإضافة إلى سمعة جيدة اكتسبها حين كان مشاركاً في السلطة، وإن قلل البعض من شخصيته إلا أنه لا يزال محل ثقة وتقدير ومحل جدل في الوقت ذاته، وهذا أمر فيه الكثير من الإيجابية السياسية قد تدفعه إلى لعب دور تاريخي في إعادة إحياء هذا الكيان".
محمد عبده الشجاع: اصطدام طموحات أحمد صالح بطموحات طارق صالح أو العكس صعب التكهن به
واعتبر الشجاع أن "اصطدام طموحات أحمد صالح بطموحات طارق صالح أو العكس صعب التكهن به، وما زال الوقت مبكراً بشأنه، لكن لا مؤشرات تعكس ذلك سوى ما تقوله بعض الآراء هنا وهناك". وأضاف أن "الخلافات واردة في أي زمان ومكان، لكن الواقع غير مشجع لأي طرف أو فصيل، فهناك جماعة (الحوثيين) تجثو على السلطة وهناك بلد مشتت، ومجاعة غير مسبوقة، ولا توجد ملامح للمغريات عدا مشروع وطني يوحد الجميع". ولفت إلى أن "مدى قبول كل واحد منهما أمر يحتاج إلى استبيان، لكن في الحسابات السياسية الدقيقة، الواحد منهما يكمل الآخر، إذ كلاهما لديه عدو واحد في حال أراد العودة إلى بلاده وممارسة الحياة بشكل طبيعي".