مقابل عيش الإسلاميين العرب مخاضاً وسجالات منذ 10 سنوات، خصوصاً في نهم المسارعة نحو السلطة، وغيرها من القضايا، يعيش بعض التيار اليساري، باستثناءات معروفة، حالة جمود وتناقض يلمسها مريدوه، الذين باتوا خارج الأطر التنظيمية، حتى في الشتات الأوروبي.
قد لا تختلف متناقضات يسارية "النجمة الحمراء" عند فصيل كردي في شرق سورية، محمي بالقوة العسكرية الأميركية، عن مثيلاتها العربية، بتأتأة وتلعثم مع أنظمة تقمع وتضطهد وتهجر شعوبها، وتصفر الحياة السياسية بقبضة أمنية قاتلة.
الساحة السورية قدمت وتقدم أفضل نماذج دراسة حال بعض اليسار العربي، ومنه الفلسطيني، عن تناقض "البرامج الثورية التحررية"، والموقف من مقتلة يذهب ضحيتها "الكادحون". فمتلازمة الرمادية، كسِمة بارزة في المشرق العربي، لم تضعها فقط في تناقض مع خطابها السابق لثورات الربيع العربي، بل جعلتها كمَن ينأى بنفسه (وبانتقائية) عن شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية، أو المساواة الطبقية.
فبعد عقد ونيف لا يزال العربي يبحث عن أجوبة لأسئلة تبني بعض التيار، من الناصرة ورام الله وعمان وبغداد ودمشق وبيروت، للنظرية المريحة: إنها مؤامرة على نظام الممانعة. الأعجب أنها قوى تُعبر بوضوح وجرأة عن "خصومة وتناقض" مع "الإسلام السياسي"، لكن لا ضير في أن يستمر تأييدها للون إسلام سياسي مسلح بعينه (أطرافه من كابول إلى بغداد وبيروت)، وتحت عباءة طهران، وحماية موسكو، بذريعة إقناع "الجماهير" أنها قوى تقاتل وتهجر السوريين، وآخرهم في درعا، وبمن فيهم فلسطينيو مخيمها، كما فعلوا سابقاً مع اليرموك في دمشق، "لأجل فلسطين".
صحيح أنه ليس كل فصائل هذا اليسار مشاركا بالسلاح (على طريقة كتائب قومية عربية استحضرها نظام دمشق)، بيد أن الصمت، هذا إن لم نذكر بيانات مباركة "النصر" على الجماهير المُهجرة، على استخدام الأسطوانة المشروخة عن القتل باسم فلسطين، وللأسف بمشاركة وتغطية فلسطينية، ليس أقل فداحة عن مآزق الصمت وانتهازية ما تقدمه الثورات المضادة، وإن بأموال وتخطيط "القوى الرجعية"، والممتدة إلى دول مغاربية.
لعل تيار "الإسلام السياسي"، وبغض النظر عن مواقفه المتشنجة، محظوظ بوجود من يساجله وينتقده، من خارجه وداخله، فيما رتابة مشهد هذا اليسار، وخصوصاً المتأفف من تغير أولويات الكادحين، لا تبشر "جماهيريته" ولا حتى بتبنٍ مستقبلي لـ"يسار ديمقراطي"، بعد أن كان يوصف بـ"الثوري العريق". وكلما تأجلت مراجعاته لسياساته كانت تجربته وبالاً على رفاقه الآخرين، ليصير على موعد مع أطلال تاريخ، لا تنفع معه لملمة حطام شعاراته ومبادئه.