25 يونيو 2021
+ الخط -

انتهت ست جولات من المباحثات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا، بواسطة أطراف الاتفاق النووي المتبقية فيه، فرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا، ومن المقرر أن تنطلق الجولة السابعة، مطلع الشهر المقبل، من دون تحديد موعد لها حتى الآن.
ويبدو الجانب الإيراني متفائلا إلى حد بعيد بالوصول إلى الاتفاق خلال الجولة السابعة، كما تظهره تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني وأعضاء حكومته وكبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي بشأن حل الخلافات الأساسية، لكن هذا التفاؤل الكبير بقدر ما يعبّر عن رغبة الحكومة الإيرانية بالتوصل إلى اتفاق خلال أقل من 40 يوما بقيت من مدتها القانونية قبل الثالث من أغسطس/أب المقبل، قد لا يعكس حقيقة ما يجري في مفاوضات فيينا.
ولا يتوافق التفاؤل الحكومي مع رؤية وقراءة بقية أعضاء عملية صنع القرار في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني المخول بالإشراف على الاتفاق النووي وكل ما يرتبط به من المفاوضات وغيرها. ولا تمتلك الحكومة في المجلس إلا 4 أصوات، على الرغم من أن روحاني نفسه يرأسه، كما أن مخرجات المجلس يجب أن تنال موافقة رأس هرم السلطة في البلاد، المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.
في المقابل، تتعامل الإدارة الأميركية بحذر شديد بشأن الحديث عن أي نتائج لهذه المفاوضات، مؤكدة استمرار الخلافات "العميقة" في فيينا، على الرغم من الإشارة إلى وجود تقدم جيد فيها.
لكن بقدر ما يستعجل روحاني التوصل إلى الاتفاق ليغادر السلطة وهو قد حقق وعوده بإلغاء العقوبات وترك إنجاز لخلفه إبراهيم رئيسي، قد يستثمره روحاني لاحقا سياسيا، يبدو أن الإدارة الأميركية تواجه حرجاً في الوقت الراهن لأجل إحياء الاتفاق النووي، يمكن وصفه بأنه استراتيجي، ما يصعب عليها اتخاذ القرار.
الولايات المتحدة، اليوم، أمام اتفاق شبه ميّت، بعدما أفقده انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه وما تبعه من خطوات نووية إيرانية معناه، وجعله مجرد جسم بلا روح، لكنها ما زالت ترى أن هذا الاتفاق هو أفضل حل للحد من البرنامج النووي الإيراني والرقابة الدولية عليه.
لذلك، تسعى إدارة الرئيس جو بايدن إلى إحيائه وإعادة فرض القيود الصارمة والرقابة الأممية المشددة على هذا البرنامج، غير أنها تواجه حرجا كبيرا في تلبية مطلب إيران الأساسي المتمثل في ضرورة "رفع مؤثر وفاعل" للعقوبات مع التحقق من ذلك عمليا على أرض الواقع.
الحرج الذي تشعر به واشنطن مرده من جهة أنها إذا وافقت على رفع العقوبات حسب التوصيف والطلب الإيراني، فحينئذ تكون قد أفقدت نفسها أهم ورقة ضغط لمتابعة بقية ملفات الصراع مع إيران، وجرّها إلى طاولة التفاوض، أي ملفي البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي، اللذين تنظر إليهما الولايات المتحدة وحلفاؤها بحساسية.
ومن جهة أخرى، إن لم تتجاوب مع المطلب الإيراني حول كيفية رفع العقوبات فلا تعاد الحياة إلى الاتفاق النووي ويخرج البرنامج النووي الإيراني عن السيطرة، وكلما يستغرق إحياء الاتفاق وقتا أطولا، تسود مخاوف غربية من أن تطور طهران برنامجها النووي أكثر لدرجة تفقد القيود المنصوص عليها على البرنامج في الاتفاق النووي، التي تعتزم الأطراف الغربية إعادة فرضها، فاعليتها، إن فرضت بشكل متأخر.

وترى واشنطن أنه إذا تم إحياء الاتفاق النووي عبر "رفع مؤثر" للعقوبات، فذلك يمنح إيران موارد مالية هائلة ويؤدي إلى عودة علاقاتها التجارية مع الخارج إلى حالتها الطبيعية، ما قد يعزز "نفوذها الإقليمي" وبرنامجها الصاروخي في نهاية المطاف، أي أن ما يلزم لإحياء الاتفاق النووي لكبح برنامج إيران النووي، يفضي بالضرورة إلى تقوية موقعها في المنطقة وتطوير برنامجها الصاروخي، حسب الرؤية الأميركية والأوروبية. 
وما يثير مخاوفهم أكثر أن إحياء الاتفاق يأتي في ظل فوز المحافظين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، واختيار رئيسي رئيسا لإيران، ما يوحّد الميدان والدبلوماسية الإيرانيين، أكثر من أي وقت مضى. وخاصة أن الولايات المتحدة تخطط لخفض وجودها العسكري في الشرق الأوسط للانتقال إلى المحيط الهادئ لمواجهة الصين، فذلك من وجهة نظرها يستدعي أولا خفض التوترات في الشرق الأوسط وإعادة ترتيب أوضاعها لمصلحة حلفائها، وخاصة إسرائيل. إلا أن الإدارة الأميركية تجد أن هذه الوضعية لن تتشكل إذا رفعت العقوبات بشكل جاد ومؤثر على إيران، في ظل عدم تجاوبها مع المطالب الأميركية والأوروبية والإقليمية بإخضاع قدراتها الصاروخية وتحركها الإقليمي للتفاوض، إذ كما ذُكر آنفا فهناك قناعة أميركية وأوروبية بأن رفع العقوبات بهذه الطريقة التي تطالب بها طهران، يمنحها إمكانيات وقدرات للدفع بتلك البرامج إلى الأمام أكثر من قبل.
وهذه القراءة تعززت في الولايات المتحدة أخيرا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ما دفع مراقبين إلى الاعتقاد بأن إيران هي التي ستكون الرابح من إحياء الاتفاق النووي، وذلك يعني تسليم الشرق الأوسط لها في ظل انتقال الاهتمام الأميركي إلى المنطقة المحيطة بالصين.
وبالتالي فالولايات المتحدة اليوم أمام قرار صعب للغاية، إما أن تعود للاتفاق النووي وترفع العقوبات بالكيفية التي تريدها إيران، لما للأمر من تداعيات على بقية الملفات لا ترغب بها، أو أن تتجنب إحياء الاتفاق، لما له أيضا من مخاطر لا تريدها. السيناريو الأخير سيدفع طهران إلى الدفع أكثر ببرنامجها النووي إلى الأمام لتتجاوز عتبة "الاختراق النووي"، وهي فترة تحتاجها الدول للوصول إلى صناعة سلاح نووي، وتصل ببرنامجها إلى مرحلة غير قابلة للعودة عنها.

ويبدو أن الولايات المتحدة تسعى خلال مفاوضات فيينا القادمة إلى سلوك طريق ثالث، أو حل وسط، ترفضه طهران، وهو إحياء الاتفاق النووي من دون مقابل ومردود مهم لإيران في مسألة رفع العقوبات. فتأتي في هذا السياق، معارضتها رفع جميع هذه العقوبات والطلب الإيراني بأن يكون بمقدور طهران التحقق من رفعها عمليا وليس ورقيا، قبل أن تعود هي أيضا إلى تنفيذ التزاماتها النووية. وفي ظل بقاء بقية الملفات الحساسة بين طهران وواشنطن عالقة من دون حل، وهي بالأساس من مظاهر الصراع القديم الحديث بين الطرفين منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، فالتوقعات بأن الولايات المتحدة ستتخلى عن أوراقها الضاغطة في مواجهة طهران، فقط لأجل اتفاق ينتهي أمده عام 2025 تبقى غير واقعية.
وحتى لو تم افتراضا إحياء الاتفاق النووي من خلال إلغاء العقوبات بشكل "مؤثر" يمكّن إيران من جني ثمار منافعها الاقتصادية من الاتفاق إلى حد كبير، فاحتمال أن يكون ذلك مؤقتا يبقى قائما. ويرجح مراقبون إعادة فرض العقوبات لاحقا لأسباب غير مرتبطة بالملف النووي، وخاصة أن ثمة احتمالا كبيرا لفوز الجمهوريين الأميركيين في الانتخابات التكميلية للكونغرس خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
والنتيجة، أنه أمام هذا الحرج الاستراتيجي الذي تواجهه الإدارة الأميركية، فإحياء الاتفاق النووي في أي مستوى كان، لا يعني بالضرورة إنهاء أو حتى خفض التوترات إلى حد كبير بين طهران وواشنطن وحلفائهما، فتبقى احتمالات التصعيد بينهما قائمة سواء أعيدت الحياة إلى الاتفاق النووي أو لم تُعَد.

المساهمون