الوجه الآخر للاحتجاجات الليبية

09 يناير 2025
من الاحتجاج أمام مقر الدبيبة بطرابلس، 7 يناير2025 (محمود تركيا/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت مدينتا طرابلس ومصراتة احتجاجات ضد التطبيع مع إسرائيل بعد تصريحات نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية السابقة، حول لقاءها بوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، مما أثار تساؤلات حول اتصالات ليبية سابقة مع إسرائيل.

- تصريحات المنقوش المتناقضة حول اللقاء أثارت الجدل، حيث أكدت أن اللقاء كان بتنسيق حكومي، بينما نفت الحكومة علمها بذلك، مما زاد من الشكوك حول تورط الحكومة والقيادات الليبية الأخرى في اتصالات مع إسرائيل.

- رغم محاولات الإعلام لتوسيع الاحتجاجات، لم يستجب الليبيون لدعوات الاستمرار، مدركين محاولات استغلال القضية الفلسطينية في الصراع السياسي الداخلي.

بعد ليلة من تجمع العشرات من الليبيين بمدينتي طرابلس ومصراتة، ليل الاثنين الماضي، للتعبير عن غضبهم ورفضهم مساعي التطبيع مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي، تراجعت حدة الغضب ولم يعد هؤلاء الغاضبون للتجمع في الليلة التالية، على الرغم من كل ما بذلته منصات إعلامية للدعوة إلى الاستمرار في الاحتجاجات وتوسيع نطاقها.

خروج العشرات من الغاضبين كان بعد لحظات من تصريحات جديدة أدلت بها وزيرة الخارجية السابقة بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، المقالة من منصبها قبل أزيد من عام، وسط موجة عارمة من الاحتجاجات وقتها بعد انكشاف لقائها بوزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الحين إيلي كوهين بروما، في أغسطس/ آب 2023. قالت المنقوش، الاثنين الماضي، في لقاء تلفزيوني، إن لقاءها مع كوهين كان بـ"تنسيق بين الجانب الإسرائيلي وحكومة الوحدة الوطنية" في طرابلس، بخلاف موقف الحكومة التي أكد رئيسها عبد الحميد الدبيبة، في تصريحات سابقة، عدم علمه باللقاء الذي لم يكن سوى لقاء "عرضي".

لكن أسئلة برزت في الأثناء: هل كان لقاء المنقوش بصفتها مسؤولة ليبية بالإسرائيليين هو الأول والوحيد؟ في الواقع لم يكن كذلك، فقائمة أسماء المسؤولين الليبيين ممن اتصلوا بالإسرائيليين طويلة، بل حدث ذلك منذ حكم نظام العقيد معمر القذافي. وفي السنوات الأخيرة أجرى اللواء المتقاعد خليفة حفتر اتصالات بتل أبيب، بل زارها نجله صدام عدة مرات بحثاً عن دعم عسكري وسياسي.

ومن كشف عن اتصالات حفتر هي وسائل إعلام إسرائيلية، كما هو الحال في الكشف عن لقاء المنقوش بكوهين، لكننا لم نر وقتها احتجاجات في بنغازي وفي أراض خاضعة لسيطرة حفتر. تصريحات المنقوش المتناقضة لا تعفيها من المسؤولية، بل تؤكدها. فكيف يُقبل حديثها عن أن لقاءها بكوهين "لم يكن رسمياً"، وفي الوقت ذاته تؤكد أن الحكومة هي التي رتبت له ورسمت أجندته وكلّفتها به، وناقشت في اللقاء قضايا ذات طبيعة استراتيجية تتعلق بموارد ليبيا في البحر المتوسط؟

مثل هذه القضايا لا تناقش في لقاءات غير رسمية، كما أن صمت الحكومة ورئيسها الدبيبة حيال تصريحاتها الأخيرة يزيد من حجم شبه التورط، وهو صمت لزمته قيادة حفتر ومجلس النواب الموالي له ليؤشر إلى حقيقة اتصالات حفتر بإسرائيل. فحفتر ومجلس النواب لا يتركان فرصة يمكن توظيفها لشن أي هجوم على الحكومة في طرابلس.

عدالة القضية الفلسطينية ومبدأ رفض التطبيع قناعة أصيلة عند الليبيين، لكن ما لم يدركه أقطاب الصراع من أجل الحكم والبقاء ممن كانوا يحركون منصات إعلامية تسعى لدفع الليبيين نحو توسيع الاحتجاجات، أن عامة الليبيين يدركون محاولات متاجرة أقطاب الصراع الليبي بمبادئ القضية الفلسطينية. ولا شك في أن هذا الإدراك كان السبب في عدم التجاوب مع دعوات الاستمرار في الاحتجاج وتوسيع رقعته.

المساهمون