الهند... "بهارات" الزمن الآتي

07 سبتمبر 2023
عناصر من "منظمة المتطوعين الوطنية" القومية الهندوسية في ناغبور، أكتوبر 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

خطت الهند، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، خطوة إضافية في سبيل تكريس القومية الهندوسية في البلاد، عبر الإفصاح عن نيتها تغيير اسم البلاد إلى "بهارات". وبدا ذلك واضحاً مع استبدال الحكومة اسم الهند بكلمة "بهارات" في دعوات العشاء المرسلة إلى الضيوف الذين سيحضرون قمة مجموعة العشرين، المقررة في نيودلهي يومي السبت والأحد المقبلين.

وتمّت الإشارة إلى الرئيسة الهندية، دروبادي مورمو، باسم "رئيسة بهارات" بدلاً من "رئيسة الهند" في الدعوات. مع العلم أن المادة الأولى من الدستور الهندي تعترف بكل من "الهند" و"بهارات" اسمَين رسميَّين للبلاد.

أصل كلمة "بهارات"

و"بهارات" كلمة من اللغة السنسكريتية القديمة، ويعتقد العديد من المؤرخين أنها تعود إلى النصوص الهندوسية القديمة، ومشتقة من كلمة "بهاراتام" التي تعني "أرض الجنوب". وبدأت هذه التسمية بالظهور في 26 يناير/كانون الثاني 1950، وهو الوقت الذي ظهر فيه دستور الهند، واختير فيه الاسم الرسمي للهند باسم "بهارات".

وبحسب التقارير التاريخية، يمكن أن يعود اسم "بهارات" إلى زمن الإمبراطور "بهاراتا" المعروف باسم الفاتح الأول لشبه القارة الهندية بأكملها، وكانت إمبراطوريته تُسمى "بهاراتفارشا"، وامتدت من جبال هيملايا إلى البحر.

وغالباً ما يستخدم مصطلح "بهارات" للإشارة إلى الهند بالمعنى التقليدي للتركيز على تراثها التاريخي والثقافي العميق، فضلاً عن استخدامه بكثافة خلال حركة الاستقلال الهندية عن بريطانيا، لتأكيد الهوية الثقافية والتاريخية للهند.

وعلى مرّ السنين، شهدت حكومة مودي، التي تنتمي إلى حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي اليميني، تغييراً في الأسماء الرسمية للبلاد، معتبرة أن ذلك يعزز الفخر الوطني وينهي تأثيرات الاستعمار، إذ حكم البريطانيون هذا البلد 200 عام تقريباً حتى حصل على الاستقلال عام 1947.

يعتقد العديد من المؤرخين أن كلمة "بهارات" هندوسية
 

وقال مؤيدو تغيير الاسم في الدعوة إن "الحكام الاستعماريين البريطانيين ابتكروا اسم الهند ليحجبوا به اسم بهارات ويصنعوا إرثاً بريطانياً"، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز".

وأعلنت الحكومة الهندية أنّها تعمل على إعادة تسمية دولة الهند باسم دولة "بهارات"، وذلك خلال الجلسة المقبلة للبرلمان في 18 سبتمبر/أيلول الحالي. وقال وزير الدولة للإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، راجيف شاندراسيخار لـ"رويترز"، إن "اسم بلادنا هو بهارات، ويجب ألّا يكون هناك شك في ذلك".

ورأت جماعات هندوسية مرتبطة بحزب "بهاراتيا جاناتا"، أن "قمة مجموعة العشرين توفر أفضل فرصة للتخلص من التراث الاستعماري للهند"، وفقاً لـ"رويترز". أما رئيس وزراء ولاية آسام، هيمانتا بيسوا سارما، فكتب على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): "سعيد وفخور بأن حضارتنا تتقدم بجرأة نحو أمريت كال".

وأمريت كال الذي يُترجم بشكل فضفاض على أنه "العصر الذهبي"، هو مصطلح يستخدمه رئيس الوزراء ومسؤولون حكوميون آخرون للإشارة إلى السنوات التي تسبق عام 2047، عندما تبلغ الهند عامها المائة بعد الاستقلال عن بريطانيا. ويقولون إنه بحلول ذلك الوقت، ستكون الهند من بين أكثر الدول ازدهاراً في العالم.

ومع ذلك، انتقد زعماء المعارضة التغيير، إذ قال بعضهم إنه يهدف إلى تحجيم اتحادهم السياسي المعروف أيضاً بـ"الهند". وقالت ماماتا بانيرجي، زعيمة المعارضة البارزة: "نقول جميعاً بهارات، فما الجديد في هذا؟ لكن اسم الهند معروف للعالم. ماذا حدث فجأة حتى اضطرت الحكومة إلى تغيير اسم البلاد؟".

ونشر شاشي ثارور، وهو سياسي بارز في حزب المؤتمر المعارض الرئيسي في الهند، على منصة "إكس" منشوراً جاء فيه: "آمل ألا تكون الحكومة بهذا الغباء حتى تتخلى تماماً عن الهند، التي بنيت قيمتها المعنوية على مرّ القرون". وقال إنه "يجب أن نستمر في استخدام الكلمتين (الهند وبهارات) بدلاً من التخلي عن مطالبتنا باسم تفوح منه رائحة التاريخ، وهو الاسم المعترف به في جميع أنحاء العالم".

وكانت السلطات قد حاولت قبل سنوات، تغيير اسم البلاد إلى "بهارات"، لأنّ التسمية تعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني، إلا أنّ المحكمة العليا رفضت ذلك. ففي مارس/آذار 2016، رفضت المحكمة العليا دعوى "تقاضي المصلحة العامة" التي تسعى لتغيير الاسم من "الهند" إلى "بهارات"، واعترضت بشدة على الالتماس.

وأخبرت هيئة المحكمة، بما في ذلك رئيس المحكمة العليا آنذاك تي إس ثاكور والقاضي يو لاليت، مقدم الالتماس أنه لن يُقبَل مثل هذه المناشدات. وقال القاضي ثاكور في ذلك الوقت: "هناك من يريد أن يطلق عليها اسم الهند، فليسمها الهند، تريد أن تسميها بهارات، تفضل".

وبعد أربع سنوات، في عام 2020، رفضت المحكمة العليا مرة أخرى قبول التماس مماثل يسعى لتغيير الاسم من الهند إلى بهارات. واقترحت المحكمة في ذلك الوقت إمكانية تحويل الالتماس إلى تمثيل وإحالته على الحكومة لاتخاذ القرار المناسب. وصرح رئيس قضاة الهند آنذاك إس إيه بوبدي، قائلاً: "بهارات والهند كلاهما اسمان مذكوران في الدستور، الهند تسمى بالفعل بهارات في الدستور".

وإذا قررت الحكومة جعل "بهارات" الاسم الرسمي فقط، فستحتاج ذلك إلى تقديم مشروع قانون لتعديل المادة الأولى من الدستور. وتسمح المادة الـ368 بتعديل الدستور إما من خلال تعديل الأغلبية البسيطة أو تعديل الأغلبية الخاصة.

وفي حالة تعديل المادة الأولى من الدستور، تحتاج الحكومة إلى أغلبية خاصة (66 في المائة) لا تقلّ عن ثلثي الأعضاء الحاضرين والمصوتين في مجلس النواب الهندي، المكون من 788 عضواً. ويضم البرلمان "راجيا سابها" (مجلس الولايات) المؤلف من 245 عضواً، و"لوك سابها" (مجلس الشعب)، الذي يضم 543 عضواً.

شاشي ثارور: آمل ألا تكون الحكومة بهذا الغباء حتى تتخلى تماماً عن الهند

 

وتتوزع القوى السياسية داخل "راجيا سابها"، على 110 مقاعد للحكومة، و128 للمعارضة، و7 مستقلين، بينما تتوزع في "لوك سابها" على 333 مقعداً للحكومة، و205 مقاعد للمعارضة، و5 مستقلين. وتعني هذه الأرقام أن للحكومة 443 مقعداً في البرلمان، في مقابل 333 للمعارضة و12 للمستقلين. وبالتالي، تُصبح نسبة 66 في المائة المطلوبة لتمرير اسم "بهارات"، 521 نائباً، وهو ما يعني أن على الحكومة كسب تأييد 78 نائباً من المعارضة والمستقلين، لتحقيق مشروعها في تغيير اسم الهند.

مودي واليمين المتطرف

وكان لافتاً أن مودي طرح فكرة تغيير الاسم قبل أشهر قليلة من الانتخابات العامة في البلاد، المقررة في شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار المقبلين، بما قد يحثّ المتطرفين اليمينيين من الهندوس على إعادة انتخابه وحزبه مجدداً.

وفي الواقع، دأب مودي، منذ تسلّمه منصبه في عام 2014 على ترسيخ هندوسية الهند، بسلسلة إجراءات، أقساها في كشمير، الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان. ففي أغسطس/آب 2019، ألغت نيودلهي الحكم الذاتي المحدود في كشمير، ما جعلها خاضعة مباشرة للحكومة الهندية، التي في الأساس سهّلت عمليات شراء العقارات في الإقليم الذي تقطنه غالبية مسلمة لمصلحة الهندوس.

كذلك شهدت حقبة مودي في الحكم مزيداً من النزاعات الطائفية في بعض الأقاليم الهندية، التي استهدفت المسلمين. ويُشكّل الهندوس نحو 80 في المائة من سكان الهند، البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، بينما يشكّل المسلمون نحو 15 في المائة.

كذلك فإن السياق العالمي لصعود القومية يتنامى، خصوصاً أن ظواهر عدة برزت في السنوات الأخيرة، آخرها الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير/شباط 2022، الذي طرح بند "حماية الروس في أوكرانيا" من بين البنود التي يسوّقها الكرملين لتبرير الغزو.

وكذلك، فإن الصعود القومي الصيني يتزايد، سواء بما يتعلق بتايوان أو هونغ كونغ أو الداخل الصيني، كما تجلّى في كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بقوله: "دفع النهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل". وقبل روسيا ـ بوتين والصين ـ شي، كانت الولايات المتحدة في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب، نموذجاً لشعبوية فاقعة، فحواها شعار "جعل أميركا عظيمة مجدداً".

(العربي الجديد، رويترز، أسوشييتد برس)

حول العالم
التحديثات الحية