النيجر تفك شراكتها مع الولايات المتحدة: ما دور روسيا وإيران؟

النيجر تفك شراكتها مع الولايات المتحدة: ما دور روسيا وإيران؟

19 مارس 2024
جندي نيجري خلال تدريبات، 2004 (جاكوب سيلبيربيرغ/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المجلس العسكري في النيجر ينهي التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، القائم منذ 2012، عقب زيارة وفد أميركي لم يلتق بقائد المجلس، مما أثار توترات بسبب اتهامات بعدم احترام الأعراف الدبلوماسية.
- الخلافات تتعمق بسبب اتهامات للمجلس العسكري بالتفاوض سرًا لبيع اليورانيوم لإيران والقلق من تعزيز العلاقات بين النيجر وروسيا، ما يهدد الجهود الأميركية لمكافحة الجهاديين في منطقة الساحل.
- النيجر تتجه نحو تعزيز علاقاتها مع روسيا، بما في ذلك طلب المساعدة من مجموعة "فاغنر" الروسية، مما يعكس تحولًا في التحالفات الدولية ويثير تساؤلات حول مستقبل النفوذ الأميركي في غرب أفريقيا.

بعد فرنسا، جاء الدور على الولايات المتحدة لتتعرض لـ"الطرد" من النيجر على يد المجلس العسكري، الذي يحكم النيجر منذ انقلاب 26 يوليو/تموز الماضي، إذ أعلن المجلس الأسبوع الماضي إنهاء تعاونه العسكري المستمر منذ سنوات مع واشنطن بعد زيارة مسؤولين أميركيين بارزين.

وفي حين تتفاوت أسباب ذلك الإعلان بين الاعتراض الأميركي على تعمّق الدور الروسي في النيجر، أو احتجاج واشنطن على تسريبات عن اتفاق لبيع المجلس العسكري يورانيوم لإيران، فإن نتيجة وقف التعاون العسكري مع الولايات المتحدة من المرجح أن تؤثر على دور واشنطن في غرب أفريقيا وجهودها لمواجهة الجهاديين في منطقة الساحل.

إلغاء تعاون النيجر مع الولايات المتحدة

وألغى النظام العسكري الحاكم في النيجر، يوم السبت الماضي، "بمفعول فوري" اتفاق التعاون العسكري المبرم في 2012 مع الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى طرد العسكريين الأميركيين من البلاد على غرار الجيش الفرنسي. وجاءت هذه الخطوة بُعيد زيارة وفد أميركي برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في، إلى نيامي، استمرت ثلاثة أيّام لم يتمكن خلالها الوفد من لقاء قائد المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تياني.

وقال المتحدّث باسم الحكومة النيجريّة أمادو عبد الرحمن، مساء السبت، إنّ "وصول الوفد الأميركي لم يحترم الأعراف الدبلوماسية"، مضيفاً أنّ الحكومة الأميركيّة أبلغت نيامي "من جانب واحد" بموعد وصولها وبتشكيلة وفدها. كما دان "الموقف المُتعالي" لرئيسة الوفد مولي في، وهو "موقف من شأنه أن يُقوّض طبيعة" العلاقات بين البلدين، على حد قوله. وأشار إلى أنّ الوجود العسكري الأميركي "غير قانوني" و"ينتهك كلّ القواعد الدستورية والديمقراطية".

مسؤول نيجري: الوجود العسكري الأميركي غير قانوني وينتهك كلّ القواعد الدستورية والديمقراطية

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الأميركية، الأحد الماضي في منشور على موقع "إكس"، إن المحادثات كانت صريحة وإنها على اتصال مع المجلس العسكري. ولم يتضح ما إذا كان لدى الولايات المتحدة أي طريقة متبقية للتفاوض بشأن صفقة للبقاء في البلاد.

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مسؤولين أميركيين ومن نيامي أن قرار النيجر إنهاء تحالفها مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب جاء بعد أن اتهم مسؤولون أميركيون كبار قادة المجلس العسكري بالبحث سراً في اتفاق يسمح لإيران بالوصول إلى احتياطات النيجر من اليورانيوم.

اتهم مسؤولون أميركيون كبار قادة المجلس العسكري في النيجر بالبحث سراً في اتفاق يسمح لإيران بالوصول إلى احتياطات النيجر من اليورانيوم

وبحسب الصحيفة، ففي الأشهر الأخيرة، قال مسؤولون أميركيون وغربيون آخرون إنهم حصلوا على معلومات استخباراتية تشير إلى أن المجلس العسكري في نيامي يدرس إبرام صفقة مع إيران من شأنها أن تمنح طهران إمكانية الوصول إلى بعض احتياطيات اليورانيوم الهائلة في النيجر. وكان القلق الأميركي يتمثل في أن المناقشات حول مثل هذا الاتفاق استمرت في يناير/كانون الثاني، عندما التقى رئيس الوزراء المعين من قبل المجلس العسكري في النيجر، علي الأمين زين، بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين في طهران.

وذكر مسؤولون غربيون في فبراير/شباط إن المحادثات بين النيجر وإيران وصلت إلى مرحلة متقدمة للغاية. وقال شخص مطلع على الأمر، وفق "وول ستريت"، إن الطرفين وقعا اتفاقاً مبدئياً يسمح لطهران بالحصول على اليورانيوم من النيجر. لكن مسؤولين قالا إن الصفقة لم تنجز بعد.

وأثارت مولي في خلال اجتماعاتها مع المسؤولين في نيامي الأسبوع الماضي، قلق واشنطن بشأن التوصل إلى اتفاق مع إيران، وفقاً لمسؤولين في الولايات المتحدة والنيجر تحدثوا لـ"وول ستريت"، واصفين الاجتماعات بأنها متوترة للغاية. وانتقدت مولي في أيضاً عدم إحراز تقدم في إعادة السلطة في النيجر إلى حكومة منتخبة، وأثارت مخاوف الولايات المتحدة بشأن الوصول الوشيك للمدربين والمعدات العسكرية الروسية.

ويخشى المسؤولون الغربيون أن تؤدي الواردات غير الخاضعة للرقابة إلى تسهيل قيام السلطات الإيرانية بتحويل اليورانيوم من برنامجها للطاقة النووية المدنية وتخصيبه إلى درجة يمكن استخدامها لصنع سلاح نووي.

وفي بيانه يوم السبت، اتهم أمادو عبد الرحمن، الولايات المتحدة بمحاولة منع النيجر من اختيار شركائها الدبلوماسيين والعسكريين، وأكد أن النيجر لم تدخل قط في اتفاق لليورانيوم مع إيران. وتابع: "حكومة النيجر ترفض الادعاءات الكاذبة التي أطلقتها رئيسة الوفد الأميركي بشأن توقيعها اتفاقاً سرياً بشأن اليورانيوم مع إيران".

في المقابل، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، التعليق على صفقة اليورانيوم المزعومة بين النيجر وإيران. وقال ميلر في بيان نُشر على منصة "إكس" إن المسؤولين الأميركيين على اتصال بالمجلس العسكري، وسيقدمون المزيد من التحديثات "كما هو مطلوب". وأضاف أن إعلان النيجر جاء بعد "مناقشات صريحة على مستويات رفيعة في نيامي هذا الأسبوع حول مخاوفنا بشأن مسار المجلس العسكري". ورفض متحدث باسم البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك التعليق.

يُذكر أن النيجر كانت المنتج السابع لليورانيوم في العالم عام 2022، حيث بلغ إنتاجها حوالي 2020 طناً مترياً، وفقاً للرابطة النووية العالمية. ويتم تصدير معظم اليورانيوم الذي تنتجه إلى فرنسا، التي تقوم شركتها الحكومية لليورانيوم، "أورانو"، باستخراج المعدن بالشراكة مع شركة مملوكة للحكومة النيجرية.

وفي عرض تقديمي للمستثمرين في فبراير/شباط الماضي، قال الرئيس التنفيذي للشركة نيكولاس مايس إن "أسوأ السيناريوهات" بالنسبة لـ"أورانو" في النيجر هو اضطرار الشركة إلى وقف أعمالها وطردها من البلاد. وطرد المجلس العسكري النيجري العام الماضي القوات الفرنسية والسفير الفرنسي. ومع ذلك، أكد مايس أن "السلطات النيجرية لم تتخذ أي إجراء عدواني ضد أنشطتنا. بل على العكس تماماً، نحن نحاول العمل معاً لتحسين الإنتاج".

قلق من الدور الروسي

وإضافة إلى الاعتراض على الصفقة النيجرية الإيرانية، فإن واشنطن أيضاً قلقة من تقارب المجلس العسكري في نيامي مع روسيا. وكانت مالي وبوركينا فاسو المجاورتان اللتان شهدتا انقلابين منذ عام 2020، لجأتا إلى موسكو للحصول على دعم أمني. وبعد انقلاب النيجر، طلب الجيش أيضاً مساعدة مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية.

وانتقدت إنسا جاربا سيدو، الناشطة المحلية التي تساعد حكام النيجر العسكريين في اتصالاتهم، الجهود الأميركية لإجبار المجلس العسكري على الاختيار بين الشركاء الاستراتيجيين. وقالت لـ"أسوشييتد برس": "لا يمكن للقواعد الأميركية والموظفين المدنيين البقاء على الأراضي النيجرية لفترة أطول".

طلب الجيش في النيجر مساعدة مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية

كاميرون هدسون، الذي عمل في وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووزارة الخارجية في أفريقيا، قال لـ"أسوشييتد برس" إن التطور الجديد يُظهر تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة، وإن النيجر غاضبة من محاولة واشنطن الضغط على المجلس العسكري للابتعاد عن روسيا. أضاف: "هذا أمر مثير للسخرية لأن أحد شعارات إدارة جو بايدن هو أن الأفارقة أحرار في اختيار شركائهم".

ومع التطور الجديد، باتت واشنطن تشعر بالقلق من فقدان حليف يقع في مركز التمرد الجهادي، وعلى الرغم من ذلك تأمل الولايات المتحدة في أن يسمح المجلس العسكري للقوات الأميركية بالبقاء في النيجر. وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير، وفق "وول ستريت"، إن هذا التطور "يثير التساؤل" حول كيفية قيام الولايات المتحدة بتعديل نهجها تجاه غرب أفريقيا. وأضاف: "إنه لا يبشر بالخير"، لكنه استدرك "لا أعتقد أننا سنستسلم بعد".

ولا يزال لدى الجيش الأميركي نحو 650 فرداً يعملون في النيجر، وفقاً لتقرير البيت الأبيض المقدم إلى الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ويتمركز هؤلاء في قاعدة جوية شمال النيجر تنفذ منها الولايات المتحدة مهامّ استخبارية واستطلاعية فوق منطقة الساحل الأفريقي، حيث تنشط الجماعات المتطرفة الموالية لتنظيمي "القاعدة" و"داعش".

(العربي الجديد، أسوشييتد برس)

المساهمون