يلوّح النظام السوري مجدداً بعملية عسكرية يمكن أن تشنها قواته في شمال غربي سورية، لاستعادة السيطرة على طريق حيوي لطالما كان في رأس أولوياته، وهو ما يعني -في حال نفذ النظام تهديده- حدوث موجات نزوح واسعة النطاق باتجاه الحدود السورية التركية.
ونقلت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، عن مصادر وصفتها بـ"المراقبة" قولها إن العملية العسكرية التي كان أطلقها النظام بعد الهجوم على الكلية الحربية في حمص في الخامس من الشهر الحالي باتجاه شمال غربي سورية "قد تتدحرج لتشمل عملية برية يسيطر خلالها الجيش السوري على ريف إدلب الجنوبي، انطلاقاً من جبل الزاوية، مروراً بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي فريف إدلب الغربي، وصولاً إلى ريف اللاذقية الشمالي، وعلى طول مسار طريق حلب - اللاذقية".
مصطفى البكور: لا توجد معطيات ميدانية تشي بأن النظام بصدد القيام بعملية واسعة النطاق
وزعمت الصحيفة أن ما أسمتها "التنظيمات الإرهابية"، تخرق بشكل "متكرر ومستمر اتفاق وقف إطلاق النار منذ إقراره في موسكو مطلع مارس/آذار 2020، بموجب اتفاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان".
ونص هذا الاتفاق المعروف بـ"اتفاق موسكو" على استعادة الحركة على طريق عام حلب - اللاذقية، المعروف بطريق "إم 4"، وإنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، إلا أن التعقيدات على الأرض حالت دون ذلك، إذ رفضت مجموعات متطرفة أي وجود روسي على الطريق، واستهدفت دوريات تركية روسية كانت غايتها التمهيد لوضع الطريق في الخدمة في عام 2020.
مساندة روسية لعملية النظام
ورجحت المصادر المراقبة، وفق "الوطن"، مساندة موسكو وقواتها الجوية للعملية المزمع القيام بها، مشيرة إلى أن الهدف منها "تطبيق اتفاق موسكو بالقوة"، وأنها "ستعيد رسم خريطة "خفض التصعيد" (إدلب ومحيطها) والمنطقة عموماً".
في غضون ذلك، واصلت قوات النظام والطيران الروسي قصف مدن وبلدات الشمال الغربي من سورية، إذ تعرضت مدينة أريحا وبلدة سرمين أمس الأربعاء لقصف من مدفعية النظام، ما أدى إلى إصابة مدنيين. كما قصف الطيران الروسي محيط قرية القنيطرة في ريف إدلب الغربي، بعد يوم واحد من شنه 19 غارة على المنطقة.
وكان قتل نحو 50 مدنياً، بينهم 14 طفلاً، و9 نساء، في الحملة التي استمرت لنحو أسبوع من القصف المركز اعتبره النظام "ثأراً" لمقتل العشرات في الهجوم الذي تعرضت له الكلية الحربية، واتهمت فصائل في الشمال الغربي من سورية بالوقوف خلفه، على الرغم من أن كل المعطيات تؤكد عدم قدرة هذه الفصائل على شن هجوم اخترق كل دفاعات النظام الجوية.
لا معطيات بعملية واسعة النطاق
وبيّن العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة شمال غربي سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا توجد معطيات ميدانية تشي بأن النظام بصدد القيام بعملية واسعة النطاق"، مستبعداً إقدام النظام في الوقت الراهن على أي عمل عسكري للسيطرة على الطريق الدولي "إم 4"، "بسبب انشغال حلفائه الروس والإيرانيين بما يجري في فلسطين المحتلة".
ولطالما كان هذا الطريق أولوية لدى قوات النظام نظراً لأهميته الاستراتيجية، وفشلت كل جهودها لاستعادة السيطرة عليه بشكل كامل.
وكانت هذه القوات سيطرت على جانب منه في الربع الأول من عام 2020، مع سيطرتها على مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي وهي من أهم العقد الطرقية في سورية، حيث يلتقي عندها الطريقان "إم 4" و"إم 5"، الأول القادم من اللاذقية والثاني القادم من حماة، ليشكلا طريقاً واحداً باتجاه حلب كبرى مدن الشمال السوري.
ويبدأ الطريق الدولي، المعروف بـ"إم 4" من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري غربي البلاد، ثم يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ثم يمر بقرية فريكة قاطعاً ريف إدلب الجنوبي حيث يمر عبر مدينة أريحا.
ويسيطر النظام على الطريق الدولي "إم 4" داخل الحدود الإدارية في محافظة اللاذقية، بينما تسيطر المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) على القسم الذي يمر داخل محافظة إدلب، وصولاً إلى سراقب. ويعتبر هذا الطريق، الذي دخل الخدمة في ثمانينيات القرن الماضي، شرياناً اقتصادياً، وهو ما يفسر سعي النظام المستميت للسيطرة عليه، حيث يأمل، عبر الاستحواذ عليه، في إنعاش اقتصاده المتهالك.
مصطفى فرحات: هناك مشهد شبه مستقر في شمال غربي سورية يحظى بتوافق القوى الفاعلة في القضية
ويعد ملف الطريق "إم 4" من أعقد الملفات التي تنتظر حلولاً روسية وتركية. فالجانب التركي كما يبدو يعارض استعادة النظام السيطرة عليه، لأن ذلك يعني موجات نزوح كبرى تحاول أنقرة تفاديها، فالسيطرة عليه من قبل النظام تحتّم عليه الاستحواذ على منطقة جبل الزاوية ومدينة أريحا وبلدات أخرى، أي نزوح نحو نصف مليون مدني عن المنطقة.
ولا تستقيم السيطرة للنظام على الطريق من دون مدينة جسر الشغور شمال غربي إدلب، والتي تضم هي الأخرى عشرات آلاف المدنيين الذين يرفضون البقاء تحت سيطرته.
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ملف الطريق "إم 4" تتداخل فيه معطيات سياسية وعسكرية"، مضيفاً: هناك مشهد شبه مستقر في شمال غربي سورية يحظى بتوافق القوى الفاعلة في القضية السورية.
قوات الأسد باتت أدوات
وأشار إلى أن "قوات (بشار) الأسد باتت أدوات لا أكثر لدى الروس والإيرانيين"، معرباً عن اعتقاده أنه "من غير المسموح حالياً إجراء تغييرات كبرى في خريطة السيطرة"، مضيفاً: سيطرة النظام على "إم 4" توجب عليه استعادة مدن وبلدات وكامل منطقة جبل الزاوية، والريف الشمالي الشرقي للاذقية، وهذا ليس بالأمر السهل عسكرياً.
وتابع: إذا توفر لقوات النظام دعم جوي من الطيران فقد تستطيع التقدم، ولكن سوف تتكبد خسائر فادحة، وربما تقوم القوى المختلفة الموجودة في المنطقة بخلط الأوراق من خلال شن عمليات خلف خطوط العدو.
وأشار فرحات إلى أن هناك "نحو 4 ملايين مدني في شمال غربي هم معرضون للخطر نتيجة أي عمل عسكري"، مضيفا: النظام يريد حرف أنظار السوريين الخاضعين له عن أزمتهم المعيشية من خلال التلويح بعمليات عسكرية.
وفي السياق، استبعد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، رشيد حوراني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، قيام النظام بعملية واسعة في شمال غربي سورية "بسبب عدم جاهزية قواته التي تعاني من نقص عددي ومن عتاد حربي". وأضاف: هناك إصرار من القوى الفاعلة في الساحة السورية على المحافظة على التهدئة شمال غربي سورية.