استمع إلى الملخص
- أثرت التسويات على أعداد المشاركين في التظاهرات، حيث قدمت السلطات عروضاً للمعارضين مشروطة بوقف المشاركة، لكن ظهور وجوه جديدة يؤكد استمرار الرغبة في التغيير.
- وصف الناشطون الوضع في السويداء بأنه معقد، معتبرين التسويات جزءاً من مناورات النظام لإخماد الأصوات المعارضة، مؤكدين على ضرورة تكاتف قوى التغيير.
تظاهر المئات في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء جنوبي سورية، اليوم الجمعة، ضمن فعاليات الاحتجاج المركزي الأسبوعي، مؤكدين استمرارهم رغم كل الضغوط التي يواجهها الحراك، والتي ارتفعت وتيرتها خلال الأسابيع الأخيرة.
وحمل المتظاهرون لافتات تؤكد الاستمرار في الاحتجاجات المطالبة بالتغيير السلمي، رغم كل ما يواجه المنطقة، باعتباره "الحل الوحيد لإنقاذ ما تبقى، ووقف نزيف الهجرات والموت". ولجأت سلطات النظام السوري إلى إطلاق مشاريع تسوية لأوضاع جميع المطلوبين في قضايا سياسية وأمنية في السويداء، انطلاقاً من الترويج أنّ البلاد تتجه نحو حرب إقليمية مع "العدو الإسرائيلي"، وأن الجنوب السوري سيكون امتداداً طبيعياً للجنوب اللبناني في تحمّل وزر هذه الحرب التي قد تطول وتكون مدمرة.
وطاولت التسويات عدداً من المشاركين في التظاهرات بساحة الكرامة من المدن والبلدات ما أثر سلباً على أعداد الحضور. وقال الناشط المدني نورس الهنو لـ"العربي الجديد"، إنّ "التسويات بين السلطات الأمنية وبعض المطلوبين في ساحة الكرامة، أثرت بشكل واضح على عدد المشاركين، إلا أنّ ذلك ليس السبب الأبرز لأنّ الأوضاع الاقتصادية واليأس من عدم الاستجابة الدولية لعبت دوراً أكبر في تراجع الحضور".
من جانبه، أوضح الناشط حسن حرب أنّ "السلطات قدّمت عروضاً للتسوية للمعارضين، مشروطاً بوقف المشاركة في الحراك"، مضيفاً أنّ النظام "يحاول استغلال المخاوف من تهديدات خارجية لتبرير هذه التسويات". وقال إنّ "المطالبة بالحقوق لا تتناقض مع مواجهة أي تهديد خارجي"، مشدداً على أنّ "تحقيق الأهداف السياسية هو أفضل وسيلة لمواجهة أي خطر خارجي".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، "لا شك أنّ عروض التسوية قد أثرت على زخم الاحتجاجات في السويداء ولكن يجب أن ننظر إلى الصورة كاملة. الأزمة الاقتصادية الخانقة دفعت الكثيرين إلى الحد الأدنى من المعيشة، مما جعل من الصعب عليهم الاستمرار في المشاركة في الاحتجاجات. بالإضافة إلى ذلك، فقدان الأمل في تحقيق تغييرات جوهرية بعد مرور عام من الحراك أدى إلى إحباط الكثيرين. ومع ذلك، فإن ظهور وجوه جديدة في الساحة يؤكد استمرار روح الرغبة في التغيير. على الرغم من وجود أطراف خارجية تسعى إلى تهدئة الحراك، وتزيد الوضع تعقيداً".
واعتبر أنّ "لجوء السلطات إلى الترويج بتهديدات خارجية يأتي في سياق القمع الناعم للمعارضة"، معتبراً أنّ "عروض التسوية تأتي لتقسيم الصفوف وإضعاف الحراك. ومع ذلك، فإنّ العديد من المحتجين يدركون هذه الحيلة ويصرون على المطالبة بحقوقهم المشروعة".
ووصف الناشط الإعلامي ساري الحمد الوضع في السويداء بأنه "معقد للغاية ويتأثر بعوامل متعددة ومتداخلة"، معتبراً أنّ التسويات "ليست إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المناورات التي يلجأ إليها النظام السوري لإخماد أي صوت مناوئ له، من خلال استغلال المخاوف المشروعة للمواطنين من التصعيد العسكري والتهديدات الخارجية، لتمرير أجندته الخاصة والحفاظ على قبضته على السلطة".
وقال: "لطالما سعت السلطات من خلال هذه التسويات إلى تقسيم الرأي العام في سورية، وخلق انقسامات بين مؤيدي النظام والمعارضين له، بهدف القضاء على أي أصوات تنادي بالتغيير السياسي، كما دأبت خلال الأعوام الثلاثة عشر من عمر الثورة على تضليل الرأي العام الدولي، والتأكيد أنها تعمل لتحقيق المصالحة الوطنية واستعادة الأمن والاستقرار".
واعتبر الناشط أن التراجع الذي خلفته التسويات "ليس بالضرورة أن يكون مؤشراً على فشل الحراك في السويداء"، مستبعداً أن تؤدي إلى إنهائه. وشدد على "ضرورة تكاتف جميع قوى التغيير والعمل على توحيد الصفوف وتنسيق الجهود لتجاوز التحديات".
وفي حين لوحظ توافد وجوه جديدة إلى ساحة الكرامة اليوم، التقى "العربي الجديد" بـ"محمد الصالح"، وهو اسم مستعار لمعيد جامعي يشارك في ثاني أسبوع له في التظاهرات. وقال "الصالح"، "أشعر بأنّ هناك مسؤولية عليّ أن أشارك في هذا الحراك، فمستقبلي على المحك. وعلى الرغم من تراجع الأعداد، إلا أنني أرى أنّ صوتنا يجب أن يستمر. ربما لم أكن مشاركاً نشطاً منذ البداية، ولكن الأحداث الأمنية الأخيرة، دفعتني إلى الخروج والتعبير عن رأيي".
وأضاف "كنت أراقب من بعيد، ولكن عندما رأيت الأمور تتجه نحو الأسوأ وأنّ أمن أبنائي وأمني أصبح مهدداً، قررت أن أشارك، وأعتقد أن تراجع الأعداد مؤقت، وأن هناك رغبة حقيقية لدى معظم الناس في التغيير. دورنا نحن المثقفين هو تشجيع الناس على الاستمرار في النضال السلمي حتى تحقيق الانتقال السياسي والديمقراطية".