"النظام القاعدي" في "دستور قيس سعيّد": أداة تصفية السلطة التشريعية وتأسيس "دولة الرئيس"
أدرج الرئيس التونسي قيس سعيد، في مشروع الدستور الجديد، المعروض على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز الجاري، "نظام البناء الديمقراطي القاعدي" الذي دعا إليه منذ سنوات، عبر سلطة تشريعية بغرفتين.
فما حقيقة "نظام البناء الديمقراطي القاعدي"؟
أوضح أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي أن "مشروع الدستور الجديد، الذي أعلنت عنه الرئاسة، الخميس الماضي، كرس بشكل مقنّع وخفي البناء القاعدي، حيث يتجلى ذلك بوضوح في عدد من الفصول"، مؤكداً أن "هذا النظام خطير جداً على استقرار الدولة وهيبتها وديمومة مؤسساتها".
وأشار الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن مدخل ذلك يتجلى في "تركيز غرفة ثانية. ففي مقارنة بدستور 2014، أصبح البرلمان يتكون من غرفتين؛ مجلس النواب، والمجلس الوطني للأقاليم والجهات، وهو مجلس منتخب بشكل غير مباشر انطلاقاً من مجلس الجهات الذي يختار ممثلي الأقاليم بحسب ما بينه النص".
وأضاف أن ذلك يتضح في "عملية انتخاب مجلس نواب الشعب المختلفة عن انتخاب رئيس الجمهورية، حيث نص الفصل صراحة على انتخاب الرئيس بشكل مباشر من الشعب، بينما لا توجد أي إشارة لانتخاب النواب بصفة مباشرة".
واستطرد الدبابي أنه "من الواضح أن عدم التنصيص في الدستور على كيفية انتخاب أعضاء مجلس النواب فيه تمهيد لتدخل القانون الانتخابي في ما بعد، حيث سيقدم لنا طريقة انتخابهم، ويمكن أن تكون أيضاً بشكل غير مباشر على غرار المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وأن يكون انطلاقاً من القاعدة، ومن المؤكد أنه سيكون بنظام الاقتراع على الأفراد، وفي دورتين، كما صرح سابقاً، وليس انتخاباً على القائمات".
وفسّر أستاذ القانون الدستوري أنه "لو كانت النية متجهة لانتخاب مجلس النواب بشكل مباشر، لتم التنصيص عليه بوضوح على غرار انتخاب رئيس الجمهورية"، مشيرا إلى أن "هذا أمر غريب في النظم الدستورية، ففي جميع دساتير العالم يتم التنصيص على انتخاب نواب الشعب في اقتراع عام ومباشر".
وبين أستاذ القانون الدستوري أنه "لا يوجد في أي دستور في العالم هذا الشكل القاعدي. ففي أنظمة الغرفتين توجد على الأقل غرفة منهما منتخبة بشكل مباشر من الشعب، وأول شكل للنظام الديمقراطي هو النظام التمثيلي". وتابع أن "ما يؤكد تمرير هذا النظام وجود فصل صريح يتحدث عن سحب الوكالة من النواب".
ورأى أن "هذا النظام غريب وغير معمول به في أي دولة، وهو نظام خطير على استقرار المؤسسات، لأن من شأنه إضعاف السلطة التشريعية التي هي من أساسها وفي أصلها ضعيفة على حساب السلطة التنفيذية، بحسب مشروع الدستور، مقارنة بصلاحيات واسعة للرئيس لا يُساءل وبضمانات استقرار ولايته إلى آخر العهدة".
وأشار الدبابي إلى أنه "في مقابل ذلك، سيكون البرلمان بصلاحيات محدودة وبمشروعية ضعيفة، باعتباره غير منتخب مباشرة من الشعب، على غرار الرئيس بسبب الانتخاب القاعدي غير المباشر".
الدبابي: سيكون البرلمان بصلاحيات محدودة وبمشروعية ضعيفة باعتباره غير منتخب مباشرة من الشعب
وأضاف أنه "سيكون أيضاً برلماناً غير مستقر، لأن جميع النواب سيعملون تحت التهديد والابتزاز الشعبي من خلال التهديد بسحب الوكالة، وخصوصاً أننا نعلم كيف يتم جمع الإمضاءات وتحرير العرائض في تونس بهدف التنكيل أو التهديد".
وأشار إلى أن "الرئيس نفسه صاحب المشروع القاعدي من المفترض أنه يعرف سلبيات هذا الشكل، لأنه تعرض لذلك على اعتبار أنه سرقت منه التزكيات التي جمعها في الدور الأول لانتخابات الرئاسية، كما صرح هو بذلك في 2019".
النظام القاعدي: لا شيء فيه ثابت
ولشرح تفاصيل "نظام البناء الديمقراطي القاعدي"، قال منسق حملة "الشعب يؤسس" للاستفتاء عن جهة صفاقس، وعضو مشروع "البناء الديمقراطي القاعدي" (حملة الرئيس الانتخابية 2019)، عبد الحميد أولاد علي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "نظام البناء القاعدي يتجلى في مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء من خلال التنصيص على آلية سحب الوكالة عن النواب، التي تعدّ من فلسفة النظام القاعدي، والتنصيص على المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وهو هيكلية النظام السياسي المتوازن المنبثق آلياً من منظومة انتخابية مستوحاة من فلسفة النظام القاعدي".
وبحسبه، فإن "الدستور يعبر عن المبادئ العامة والسياسات العامة للدولة"، مشيراً إلى أنه "ستتضح ملامح النظام القاعدي خصوصاً في النظام الانتخابي".
وفسر أولاد علي النظام القاعدي بأنه "مشروع مفتوح في عالم متغير تحكمه منظومات رقمية خاضعة للتحيين، لا شيء فيه ثابت في زمن الرقمية التي أصبحت تحكم العالم وتنظم علاقة التواصل بين الشعوب".
وتابع قائلاً: "وفقاً لمعادلة أن السياسة فن الممكن، لا سيما في معالجة مسألة التغيرات السياسية إبان ثورات الشعوب، ونظراً لأن التقسيم الإداري في تونس يتطلب مراجعة وتعديلات جذرية، وهذا يأخذ زمناً طويلاً ويتكلف على مقدرات الدولة، والحال أن الوضع المالي للخزينة العامة يعاني أزمة وعجزاً، سيكون تطبيق آليات النظام القاعدي في شكله الانتخابي على الأفراد مباشرة في المحليات عوضاً عن أصغر الدوائر وبشروط وضوابط سيحددها مرسوم رئاسي في الأيام المقبلة".
وبين أنه "ستتكون مجالس محلية منتخبة في كل معتمدية عدد أفرادها يتماشى مع عدد عماداتها، ومن كل مجلس محلي يصعد عضو إلى المجلس الجهوي، وعضو إلى مجلس النواب".
وتابع: "المجلس الجهوي (في المحافظات) يتكون من عدد أعضاء المحليات، ويختلف العدد من محافظة إلى أخرى"، مشيراً إلى أن "مجلس النواب يمثل أعضاء من كل محلية (معتمدية)، وعددهم 274 نائباً".
وفسر أولاد علي أن "المجلس الوطني للجهات والأقاليم يتكون من 72 نائباً يمثلون المجالس الجهوية"، وهذه "المجالس الجهوية البالغ عددها 24 مجلساً حسب عدد المحافظات سينتخب كل مجلس جهوي 3 أعضاء يمثلونه في المجلس الوطني للجهات والأقاليم".
وأضاف أن "من بين الثلاثة أعضاء يقع انتخاب عضو يمثل المجلس الجهوي في المجلس الوطني للجهات والأقاليم".
وقال أولاد علي إن "دور المجلس الوطني للجهات والأقاليم رقابي بالأساس يتابع مشاريع الجهات والأقاليم ويحرص على العدالة التنموية بين الجهات".
وأشار إلى أن "المجلس الوطني للجهات والأقاليم سيتخذ مقراً له في العاصمة، ما يمكنه من إقامة اجتماعات داخل الأقاليم".
وأوضح المتحدث ذاته أن "المجلس الوطني للجهات والأقاليم هو هيكل تنسيقي بين المجالس الجهوية والمحلية المنتخبة ومجلس النواب المنتخب، والسلطة التنفيذية، في سبيل وحدة الدولة واستقرار مؤسساتها في نظامها القاعدي الديمقراطي المعبر حقيقة عن إرادة الشعب".
رؤية قيس سعيد
وتحدث سعيد منذ 2011 في مداخلات وتصريحات عن رؤيته المختلفة للدولة ولتنظيم السلطة، وقد قدم رؤيته في العام 2013 أثناء مناقشات دستور 2014 في وثيقة حملت عنوان "من أجل تأسيس جديد"، قبل أن يعتمده في حملته الانتخابية عند ترشحه لرئاسيات 2019، خاصة في حملته التفسيرية التي جاب بها محافظات البلاد.
ويركز سعيد تصوره على "طرح مغاير لممارسة العملية الديمقراطية، وفق فكر سياسي جديد"، بحسب تعبيره. وينبني هذا الطرح على مبدأي الديمقراطية المباشرة والبناء القاعدي، أو ما يسميه "البناء الديمقراطي القاعدي".
وقال سعيد، خلال الحملة الانتخابية إنه لا يطرح "برنامجاً انتخابياً تقليدياً، وإنما رؤية مغايرة للحكم والتنمية، تمكّن التونسيين من التعبير عن إرادتهم على المستوى المحلي والجهوي، وصولاً إلى المستوى المركزي".
وأكد سعيّد وقتها "ضرورة تمكين الشعب، عبر القانون، من الارتقاء بمطالبه إلى مستوى القرار، من خلال بناء قاعدي عبر إنشاء مجالس محلية في كل معتمدية بطريقة الاقتراع على الأفراد، على أن تكون وكالة النائب الممثل للجماعة المحلية وكالةً قابلة للسحب من قبل المواطنين الذين انتخبوه".